الأحد ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٨

الـطـــريـقُ إِلــى «إِيـثـاكــــا» (*)

يوسف حـنّا

فـي غَـبَـشِ الصـباحِ الأَزرَق
تَـنـسـابُ الكَـلِـماتُ بَـيـنَ أَصابعي
قَطـرةً .. قَطـرة ..
تَـتـبَـخَّــرُ هَـباءً فـي العَـدَم..
فالقَطـرةُ ما لـم تَتَحَـولْ نَهْـراً
تلتهمُها ثُـقـوب الـرِّمــالِ
ولـن يبقّى مِنها صَـدىً
للـزمـانِ أَو المَكـان ...
حـتى سـاعـاتِ الغَـسَـق
يَتَكـاثَفُ ظِـلاً فَظِـلاً
أَحـلَمُ فـي آخِـر قَـطـرَةٍ
ترشَـحُ مِـن سُـدولِهِ
بأَنـواعِ الهُـمـوم!
المدينةُ تلاحقني إِلى الأَبد
وذاتُ الشوارعِ الخانقةِ
تضيقُ .. وتضيقُ ...
لا أرضٌ جديدة
لا أنهارٌ جديدة
وكلُّ ما حولَ القصائد
يبدو كئيباً مُخيباً‏.
أَشُـدُّ شِـراعي وَأَبدأ تِرحالي
عَـلَّـني أَصِلُ إِلى مَراكـزِ الوجود
رِحـلـــةٌ في ذاكِـرَةِ الأَزمِنَةِ
وَمَحَـطَّـةٌ لالـتِـقـاطِ الأَنـفـاسِ..
مُسافِـرٌ طـوالَ الـوقتِ صَـوبَ "إيثاكـا"
حَـيْثُ أَودَعَـت الآلِهَـةُ أَسـرارَها
لا أَخـشى إلـهَ البَحْـرِ الهـادِرِ
أَو إلـهَ الأمطـارِ والزلازل..
ولا أَخـشى وَحـشاً أَو مـارِداً
ما دامَتِ الأَفكـارُ تُحَـلِّـقُ عـالياً
وما دام القَـلـبُ يُـبـعِـدُهُـم
والـروحُ تَـخـلـو مِنهُـم ..
الطريقُ إلى "إيثاكا" طويلٌ
لا أَتَعجّـل النهايةَ،
لأنَّهـا في روحي دوماً!
ذلكَ الإِحساس النادر
يَلمَسُ روحي وجَسَدي
فأَغـمِسُ كـاحِـليَّ (**)
بنهـرِ الخُـلـودِ الـزاخِـرِ
لأقفَ في وجهِ "بوسيدون" الغاضب (***)
وأَضـربَ المشـرقَيْنِ والمَغــرِبَيْـنِ
أَضُمُّ الهَـواءَ وأَنظُـرُ إِلـى السـماءِ
كأَني أَبحَـثُ في أَغوارِها العَـميـقَـةِ
عـن جَـدّي..
ومَـجْـدي.

(*) إيثاكا جزيرة ورد ذكرها في ملحمة هوميروس على أنها وطن أوديسيوس الذي كان ملكاً عليها. ليست بها المتع التي تتصورها ولكن الجوهر يكمنُ في الطريق إليها ولذلك يجب ان تبطئ فيها كثيراً ، لتتأملها وتعيش دروبها دون خوف من الإله أو غضبه، تكتشف بخبايا الطرق إليها وتنهل من دروب المعرفة بلاحدود أو موانع أخلاقية ، وفي الطريق إليها يتم العبث حتى بالأخلاق، وعندما تصل إلى محطتك النهائِية "إيثاكا" لن تجد سوى نهايتك وغالبا هي الموت ، وهو لمن عاش الطريق إليها لن تكون النهاية جميلة فالجمال في الطريق الذي نهلتَ منه روائعَ الحياةِ وليس محطته الأَخيرة.

(**) مستوحاة من أسطورة أخيليس: حسب الأسطورة، كان آخيل ابن بيليوس ملك ميرميدون، وثيتس الحورية. وبحسب الكتابات الإغريقية القديمة، ولكي يصبح من الخالدين (غير الهالكين)، قامت أمه بغمره في مياه نهر ستيكس، إلا أنها وحين غمرته كانت ممسكة بكعبه من الوتر، فكان هذا المكان الوحيد في جسمه الذي لم يغمره الماء وبقي عبارة عن نقطة ضعفه والتي أودت إلى قنله في حرب طروادة.

(***) بوسيدون هو إله البحر في كلٍّ من الميثولوجيا الإغريقية و كذلك في الميثولوجيا الرومانية والتي يُعرف فيها باسم نبتون . عُرِفَ بإله الزلازل والعواصف البحرية والماء، وهو أيضا باني طروادة برفقة ابن أخيه أبولو، ومُوجد الحصان السريع، والحصان المجنح بيغاسوس.

يوسف حـنّا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى