الأربعاء ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٢
بقلم أحمد الخميسي

الـكـاهــن أرسانـيـوس .. مساء الخميس 7 أبـريــل

دعانا أخي المهندس حسام حبشي إلى إفطار رمضاني في بيته مساء الخميس 7 أبريل. كنا مجموعة أصدقاء قدامى فرقتنا البلدان واللغات ما بين البرازيل، والمجر، والمانيا، ومصر. وجلسنا إلى منضدة الطعام نستعيد ذكريات الصداقة التي لم تخب، دار الحديث بعدة لغات، وأحيانا بكلمات مرتبكة ما بين الانجليزية والعربية وغيرها، مع ذلك، وربما بسبب ذلك، لم ينقطع ضحكنا، ولا توقف فيض المحبة الذي غمر النفوس، اجتازت المحبة كل الفروق وحلقت فوق اللغات والثقافات والديانات المختلفة. في ذلك الوقت تقريبا كان الكاهن القبطي أرسانيوس وديد يسير على كورنيش سيدي بشر في الاسكندرية، فتقدم نحوه شخص وطعنه في رقبته نقل الكاهن على إثرها إلى مستشفى القوات المسلحة بمنطقة مصطفى كامل، لكن روحه الطاهرة فاضت عقب وصوله بقليل.

هذا الكاهن القبطي نفسه هو الذي كان يوزع قبل أيام من وفاته كراتين شهر رمضان على أخوته المسلمين، ويبارك لهم الصوم بابتسامة لم تفارق وجهه. كنا في بيت أخي حسام نقهقه، ونتبادل الآراء، بمئات الكلمات المختلفة في صالة ضيقة، ولم يمنع ذلك القدرة على المحبة، بينما لم تتمكن لغة واحدة وتاريخ واحد يجمع شخصين من صد الكراهية التي أفضت إلى الجريمة. الصالة الضيقة اتسعت للكثيرين، بينما لم يتسع بحر الاسكندرية العريض لشخصين. وبوسعي بطبيعة الحال أن أقول ما قالته الكنيسة المصرية في نعيها: "إن هذه الأحداث لن تنال من وقوة وترابط نسيج الوطن"، وأن أقول ما أعلنته الطائفة الانجيلية من أن:" مثل هذه الأعمال الشريرة لن تنال من صلابة الوطن ومحبة المصريين الأصيلة"، نعم، لكن ذلك وحده لا يكفي، وحجم الجريمة وبشاعتها تدعونا بقوة لاعادة النظر في برامج التعليم، وفي الوضع الثقافي، وفي الحالة الاعلامية التي مازالت تلمع تحت سقفها أصوات شيوخ سجدوا شكرا لله على هزيمة مصر في 1967. قتل الكاهن أرسانيوس وديد وقد تجاوز الستين بقليل، من دون أي ذنب، وكان كما نعاه البابا تاوضروس:" مشهودًا له من كل الذين تعاملوا معه في منطقة خدمته، من كل الشعب، مسلمين وأقباط، صغارا وكبارا ".

لقد عكرت الجريمة البشعة فرحة شهر رمضان، ودفقت السواد على صفاء النفوس، ومعظم هذا السواد من القلق على الوطن من المساعي الرامية لتمزيقه بالطائفية. لابد من مناهج تعليم جديدة يتعلم بفضلها التلاميذ منذ الصغر أن تاريخ الوطن هو تاريخ ضفيرة مسلمة قبطية، وأن لدينا في الثقافة سلامة موسى وطه حسين معا، محمد مندور ولويس عوض معا، ابو المعاطي ابو النجا وادوار الخراط معا، ماري منيب والقصري معا، عبد المنعم رياض وباقي زكي يوسف، هذا لأن التعليم هو " مستقر الثقافة" كما قال العظيم طه حسين، ولابد لنا من ثقافة المحبة يتشربها الجميع منذ الصغر، هذا أو أن لغة واحدة وتاريخا واحدا لن يمنع جريمة، حتى لو كانت هناك أعداد محدودة من الأصدقاء هنا وهناك، تلتقي وتشعل شموع الود، وتتبادل التهاني بشهر رمضان بمختلف اللغات وتبني بالكلمات المكسرة محبة صلبة، بينما يفاجئنا البعض بأنه لا يستطيع بلغة واحدة أن يجتاز الكراهية السوداء، ولا أن يتذكر أن أولى كلمات القرآن الكريم هي: "بسم الله الرحمن الرحيم" وفيها يتكرر معنى الرحمة، أولا وقبل كل شيء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى