الأحد ٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٣

الفلاحة وقعت ولازم نسلّم نفسنا

ساما عويضة ـ مركز الدراسات النسوية-القدس

تركت قلمي منذ فترة، فلم أعد منذ شهور أكتب عن الحواجز لا ولا عن الإذلال اليومي...ليس الكسل أو الانشغال بل اليأس والقلق...اليأس من أن يصيب قلمي أصحاب القرار، والقلق على مشاعر من يصيبهم هذا القلم ولا يجدون في اليد حيلة بعد أن أحبطهم الكثيرون...

إلا أنني اليوم وبدون تردد أمسكته مرّة أخرى، عندما وجدت نفسي أتمتم بكلمات أغنية مجنونة سمعتها يوما ما عندما شاهدت فيلما مصريا بعنوان "عوامة على النيل" لو كانت ذاكرتي ما زالت سليمة...في ذلك الفيلم صدمت سيارة مسطولين كانوا قد أنهوا لتوهم سهرة أنس مع المخدرات فلاحة على الطريق فأردتها قتيلة وتركوها مرمية على الأرض دون أن يعيرها من في السيارة أي اهتمام سوى راكبة واحدة كان ضميرها ما زال صاحيا فطالبتهم بتسليم أنفسهم نظرا لموت الفلاحة، فانطلق المساطيل هازئون يغنون "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا"...

اليوم كان لي شرف مشاهدة الفيلم مرّة أخرى، ولكن بأبطال مختلفين وبأحداث مختلفة والأهم من ذلك أنني لم أكن مشاهدة بل شاهدة في هذه المرّة...فما أصعب أن تكون شاهدا مكبلا وهكذا كنت...

اليوم كان لا بد من مروري عبر حاجز قلنديا المشؤوم بعد عودتي من رام الله حيث قمت بتقديم التعازي لصديقة لي بوفاة والدها ولم يكن هناك بد من المرور عبر هذا الحاجز كما في عديد من المرات...

وقفت في الطابور أنتظر دوري لإبراز بطاقة هويتي والسماح لي بالمرور بشكل بدا وكأنّه طبيعي كما في كلّ مرّة...فمن الطبيعي أن تصطف الناس في طوابير كما المواشي، ومن الطبيعي أن تحصل على تصريح للمرور من مدينة إلى أخرى داخل وطنك...ومن الطبيعي أن تنتظر مهما طال الوقت...ومن الطبيعي أن يسمح لك أو لا يسمح بالمرور وفقا لمزاج ذاك الأرعن الذي عليه الدور اليوم، ومن الطبيعي أيضا أن تستمع للإهانات التي توجه لمن يقف أمامك في الطابور كل بحجة ما، فذاك لأنه تجرأ ومر دون أن يحصل على تصريح يتجول فيه في وطنه، وذاك لأن تصريحه قد انتهى، وذاك لأن شكله لم يعجبهم ...أوليس ذلك ما هو طبيعي في زمن محاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين؟!...

لحظات ورأيته...جنديا أرعن يحمل كيسا كبيرا ويسرع به بالاتجاه المعاكس، والفلاحة تركض وراءه...وما أن ابتعد أمتار حتى ألقى بالكيس وعاد، بينما تلتقط الفلاحة الكيس وتعود به باتجاه الحاجز...

تصل الفلاحة لتجد الجندي وقد أمسك كيسا آخر وأسرع به كما في المرّة الأولى...والفلاحة تضع الكيس الأول وتلحقه من جديد لتعاود الكرّة فتعود بالكيس الثاني...ومن غير تفكير يعلو صوتي بخجل "حيوان"، فتعلو أصوات نساء أخريات لا يكاد صوتها يسمع إلا من قبل من يصطف بالطابور ناعتينه بكلمات أخرى وتنهال الدعاوي...وكأنها قرار من لا قرار له...

وما أن تصل الفلاحة حتى يعاود الكرّة مرّة أخرى...فيتردد الناس ما بين ضاحك على هذه المهزلة وما بين غاضب دون أن يترك أي منهم الطابور...

تغضب الفلاحة أكثر، وتبدأ بمحادثته بهدوء بلغتها:
  أترك الأغراض
  روخي
  أترك الأغراض
  بقول لك روخي
  ما أنا رايحة بس أتركني أعطي الأغراض لهداك الرجّال من بلدي حتى يوصلها للبلد
  بقول لك روخي
  بقول لك الراجل ينتظر...هذا هو واقف غاد ( هناك)...مش شايفه؟!

يدفعها، فتتراجع إلى الوراء
يدفعها أكثر، فتتراجع أكثر دون أن تصمت، بل تحاول بكل جهدها أن تفهمه بأنها تنازلت عن حق المرور وكل ما تطلبه هو تمكينها من إرسال ما تحمل مع أحد المارين من قريتها.
يدفعها أكثر فتقع على الأرض .
صياح يليه تأهب من الجنود
الهدوء يعود إلى الطابور، والناس تتقدم حاملة بطاقات هويتها أو تصريحها لتمر بهدوء
وأنا أردد "الفلاحة وقعت ولازم نسلم نفسنا"

من الذي أوقع الفلاحة أرضا؟!
الجندي؟...أم نحن؟...أم الصمت العربي؟...أم الصمت العالمي؟...

من هم المساطيل في هذا الفيلم؟
الجنود؟...المارة؟....أم المجتمع الدولي المنشغل بمحاربة "الإرهاب" ؟...أم مجلس الأمن؟...أم ....؟!

يبدو الأمر وكأنه فزورة، ولكن وبلا شك بأن الفلاحة وقعت ولازم نسلم نفسنا...

3/12/2003

ساما عويضة ـ مركز الدراسات النسوية-القدس

مشاركة منتدى

  • الفيلم هو ثرثرة فوق النيل ونص الكلمة كان الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا

    • الحقيقة ليست الفلاحة التي وقعت لوحدها بل جميعنا واقعون في حبائل الايام التي تمر مسرعة وتكاد تقضي على الامل في اعماقنا ان نعود وندوس تراب الوطن. ليس اقسى على قلوبنا نحن فلسطينيو الشتات من سماع او قراءة احداث واهانات يتعرض لها ابناء جلدتنا ولا نستطيع الا ان نكتم الغيظ في قلوبنا وان نئد صرخة في الاعماق قبل ان تترجم الى افعال تعبر عن رفضنا او حتى وحدة صفنا ....... لاننا لا نملك الشرعية...
      نحن بلا وطن هنا ، وبلا اهلية ، محاصرون نحن بكل ما تحمله معاني الحصار الدائم في مشاعر الحب للوطن والشوق لترابه .....
      ترى من يعطينا الاهلية ...............................ز؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
      منى صلاحات/عمان

    • ليتني كنت رصاصة... تصوب نحو الظلم و الطغيان..... ليتني كنت نارا تلتهم... اشجار لا تثمر الا حقدا وغدرا..زيفا وبهتان ليتني كنت طوفان... يسحق شعارات بلا معنى..يسحق اشباه البشر يطهر الارض من قذارة هذا الزمان... استيقظت ايامي وماتت احلامي .. هاجمت عواطفي وخبأت عمري للسنين... فسلبها مني الزمان ...

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى