الأحد ١٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١١
بقلم المتوكل طه

الفلسـطيني متناسق

الى ياسر عرفات في ذكرى قيامته الدائمة

ألَم يَنتَهُوا بَعدُ!؟
هذي المَزَامِيرُ مَاءٌ،
وثمَّةَ برق بهذي الغُيومِ،
وصوتك أَحلامُ مَن لَم يَعودُوا..

جَلسنا على مَفرقِ الشَّمسِ، كانت تَجيءُ لَنا بالسَّنابلِ والزَّهرِ، والبيتُ في بَيتِ شِعرٍ قَديمٍ
يَليقُ بِأحجارِهِ المُعشِبات، ولَم يَعرفِ الإخوةُ السَّاهرونَ السَّواحلَ في شَهوةِ النَّائِمات اللَّواتي صبرنَ، وأَعددنَ ثَوبَ الحِدادِ الطَّويل.

وكانت أَباريقُكَ ؛ اللَّيلُ والنَّايُ تَسقي الحزينَ.. وتَربطُ قَلبَيْهِ بالوَطنِ الغائمِ المُهتَدي بالقَذائفِ والمَوتِ كي لا تَكونَ الحَياةُ كما رَسَمُوها على صَفحةِ الرَّملِ.. ظِلاًّ على الجَسدِ المستَطيل.

خَرَجْتَ من الأَخْذ، كانَ التناقضُ في شَاهدِ الحقِّ أعني المُخيّمَ، في بحثهِ عن فضاءِ الكرومِ، وعاكستَ نومَ الطَّواويسِ، أبصرتَ أن المسدسَ قبل الغصونِ، إذا التبسَ القاتلون.. ولو أنّهم أخذوا الإصبعين
لما كنتَ في هاجسِ الشِّعرِ رمزاً، وما لَبِسَتْ زهرةُ البرقِ تيجانَها، إنّما خانكَ الخائنونَ الذين إذا ذُكِرَتْ أرضُنا.. انْذَهلوا.. ثم ما لم يكن كان بالرّحمِ والرُّوح.. وما كنتَ تُعطي الأمانَ إذا لم يكن غَدُنا.. في الجليل.

أرادوكَ، في الصَّحَراءِ، الطريدَ إذا لم تكن راعياً للقطيعِ، وسقّاءَ ماءٍ، فإنْ أزهرَ الرَّحْمُ أو ضَوَّعَ الفَحْمُ فالسَّهْمُ في الظَّهرِ حتى يضيعَ المدى والدَّليل.

وكَم بُحَّ صَوتُ المُنادِي، ولَم يَسمَعِ الأَقربونَ.. دُفِنْتَ وقُمتَ وأَبعَدَكَ اللَّيلُ حتَّى يَنامَ، وقُمتَ كما كنتَ تَنفُضُ لَحماً وظُلماً ولمَّا خَرجتَ : إلى أَينَ ؟ قُلتَ : إِلى مَاسَةِ المُستَحيل.

وكيفَ لنا بعد هذا الجنونِ الذي اجترحَ العَقلَ أنْ نفقِدَ التُّرْسَ، والرُّمحُ من كلِّ فجٍّ يجيءُ، وفينا، على عَصْفِنا، ألفُ جُرْحٍ بِكعْبِ الأخيل ؟

وها أنتَ في حَمأَةِ السُّورِ، في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ؛جَنينٌ من النُّورِ خَلفَ الجِدارِ الحَديدِ هنا ابتدأَ الحَمْلُ ؛ من نُطفةِ الرَّايةِ المُِشتَهاةِ على حَجرِ الطِّفلِ والبُندقيَّةِ، والقَوسُ يُكمِلُ زينَتَهُ للمياهِ وللسَّيفِ يَفتحُ للعائدينَ الجوامعَ، والبُرجُ تَنثالُ أَجراسُهُ السَّلسَبيل.

وَمنْ ذا الذي ظَلَّ في العينِ إنْ أيقَظَ الصَّـقْرَ أو صَدَّعَ الصَّدْرَ ؟ حطّوا وراحوا ؛ المغولُ التَّتارُ الفِرنجةُ والفُرْسُ والسِّيرُ والقُمْصُ والرُّومُ والفُونسُ، والتَّائهُ الجِبْسُ والبُرْصُ والخُرْسُ والكِنْجُ والبُصُّ جاءوا وزالوا وكانوا وآلوا كأنْ لم يكونوا! دخيلاً تَرَسَّم خَطْوَ الدَّخيلْ.

نثارُ الصِّغارِ المضيءُ مضى للبعيدِ، وأشعلَ نارَ الهدايةِ في النَّطْعِ من صَدرِنا ينبعُ الكهرمانُ ومن أرضِنا يطلعُ السنديانُ ونروي الحكايات حتى يجيءَ إلينا الزمانُ.. وأنتَ الوحيدُ الذي قال : لا للذي يمسكُ الكوكبَ المحتفي بالدماءِ.. ورغمَ الرمادِ المحيطِ جمعتَ المواقدَ صوّحتَ في الصَّمتِ ما أطبقَ الطائراتِ على الأرجوان.. ومن عتمةِ القصفِ نبدأ، حتى نرى.. كيف يمضي، بعيداً دخانُ الرحيل.

لدينا شبابيكُ وردٍ وأحجارُ كُحلٍ وغزلانُ موجٍ وأبناءُ حقلٍ وحسرةُ أمٍّ.. تنادي على شجرٍ لا يميل.

كأَنَّا ابتدأنا من الموتِ حتَّى نُرنِّقَهُ بالحَياةِ، وقُلنا : تَعالوا إِلى بَهجةِ الانفِجارِ، وكانت تِلالُ الشَّواهدِ أَنَّى خَطونا تُلاحقُنا.. لَم نَقِفْ، وانطلَقنا معَ الجُرحِ والنَّوحِ، فينا المُلوحَةُ والنَّحلُ والدَّارُ والرَّحلُ والرَّملُ والسَّهلُ
والنَّارُ والنَّخلُ كلُّ المُغنِّينَ فينا، ونَهرُ الفَجائعِ، والكَشفُ، والصُّبحُ في بُرعمِ اللَّوزِ واللّيلُ مُحتَشدٌ بالعَويل.

غَمَستَ أَصابِعَكَ البِيضَ في جَفنَةِ الثَّأرِ، كانوا وراءَ المضَاربِ مُلتَحفينَ الخَناجرَ، أَبناءُ أَعمامِكَ الصَّامِتُونَ، الَّذينَ تَوالَوا على لَحمِكَ المَجدَليِّ، اختَفوا عندما جَاءَتِ الأَرضُ في ثَوبِها المَقدسيِّ، وَحُمِّلْتَ ما لا يُطاقُ، ولكنَّكَ الكَبشُ يُفدِي بكَ اللَّهُ أَبناءَهُ الطَّيِّبين، وأَنْ لا يَكونَ عَلينا السَّبيل..

أعدّوا المراثيَ ألفاً بلا مُلْصَقٍ للجدارِ ولو كان صوفُك منهم تَبِعتَ المليكَ الذي ضَلَّ.. يوم الغداة، ولو كان خُبزك من بيتهم، كنتَ عبداً يسوق السُّعَاة، ولو كان سيفُك من غمدِهم كنتَ حارسَ ما ملكوا من لُهاة، ولو كنتَ منهم لأصبحتَ في عرشك السَّيِّد المُستعار.. ولكنَّكَ الأيْلُ من أرضِ كنعانَ لا يغمض الجفنَ حتى تعودَ السَّما للهديل.

كفى أنّك، الآنَ، بعضُ الذي باركَ اللهُ طيناً من القُدسِ تلكَ التي شَرِبَتْ دمعةَ النارِ والأولياءِ وهذي بلادُكَ منذُ الخليقةِ كوّنها الربُّ حتى تكونَ الوصيفةَ للحُسْنِ والخُلدِ، جنَّتهُ في الكواكبِ أُمثولةً للتي سوفَ يعبرها الأنبياءُ على سُرُرٍ تحت ظلٍّ ظليل.

ومن زمنٍ يصطفيكَ الذي يصطفي الشُّهداءَ لتكتبَ إلياذةَ الناسِ بالخيلِ حتى تكون البسيطةُ مطهمةً بالصَّهيلِ.

وفي كل برٍّ سهامٌ تشير إلى بيتكَ السَّاحليّ، هنا يهبطُ النجمُ في جمرةِ الكَسْتَناءْ وبنتٌ تُعيد مناديلَها للنِّداءْ وترجع من نَبْعِها دون ماءْ.. وفي بيتك النرجسيِ الضفافُ التي غمرتْ أغنياتِ النساءِ اللواتي عَجَنَّ القرنفلَ بالزَّنجبيل.

تُحاصِرُكَ الأَرضُ ؟ هذا فضاءُ الأَغاني، ومِعراجُ أَجدادِنا للسَّماءِ، وصوتُ النَّبيِّ على خَشبِ الزَّيتِ اِضْرِبْ بِقَبضَتِكَ البَابَ تَصحُو القِبابُ وتَبقَى على عَهدِها للقَتيل..

وهذي طبولُكَ خلفَ التِّلالِ، وطيرُ العقاب على كتفِ الغيمِ، والعُرْسُ يبدأُ عمّا قليل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى