الاثنين ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢١
"كلمني عن"
بقلم ميمون حرش

الفنان عبد العزيز أشرڭي

"عبد العزيز أشركي فنان مغربي، موسيقي، وكاتب،ورسام، وملحن، مولع بالأدب والفن، صحيح الوظيفة أخذته من هذه الفنون الجميلة، كما يصرح، لكن الفن داخله، يأبى الاستكانة، يبهرك بسرده، ولحنه، وكتابة كلمات أغانيه.. وفي كل هذه الحقول (الرسم، والكتابة، واللحن، والغناء، و التشكيل...)يراهن على المتعة والمعرفة؛ في"سلسلته"مواقع وروائع"-مِثالا لا حصراً- والتي خصها للمدن، والأماكن، تتعرف حساً جمالياً لدى الرجل حين تكتشف معه مدناً ضاربة في عمق التاريخ، وأماكنَ لها سمعتها الجغرافية والفنية،أما رسوماته فأصيلة مثل هويته الأمازيغية؛ بعض من لوحاته منشورة في منتدى الفن التشكيلي (المنظمة المصرية الدولية لسفراء السلام).

بعبارة،سمة الفنان عبد العزيز العمل بصمت، وهدوء صاخبين.

يبوح لكم الفنان عبد العزيز أشركي عبر هذه الفسحة، لنتابع..

س- ورطة، دُبرت لك عمداً، أو نسجتها الأيام لك، وكيف تخلصت منها؟

عصابة تعترض طريقنا _

ج- ذات خريفٍ وأنا ما زلت شابا يافعا، قصدت شاطئا على بُعد كلومترات من مدينتي صحبة ثلاثة من أصدقاء الدراسة للاستمتاع بسحر المكان وهدوئه في مثل هذه الفترة من السنة.. كان من عادتنا نحن الأربعة القيام برحلات خلال عُطل نهاية الأسبوع، على دراجاتنا الهوائية إلى الشواطئ والمواقع الطبيعية المجاورة لحاضرتنا، محمَّلين بما يلزم من حاجيات ومواد مجلوبة من منازلنا لإعداد وجباتنا، وبخيمة صغيرة اشتركنا في ثمن اقتنائها وببعض المعدات لصيانة دراجاتنا.. كان الجو باردا، لكننا لم نكن نهتم، بالنظر لصِغر أعمارنا زمنئذ، ولأننا كنا لا نتوقف عن ممارسة الرياضة لاسيما كرة القدم التي كنت أعشقها وأزاولها أكثر من رفقائي بحكم انتسابي لأحد الأندية الخاصة بهذه اللعبة.. لم يكن بالشاطئ أحد سوانا، وذلك ما كنا نبْغِ حتى نأخذ راحتنا ونطلق العنان لصيحاتنا وضحكاتنا وقفزاتنا وعراكاتنا البريئة.. وبينما كنا منهمكين في إشعال النار وتهييئ موقد لتحضير الطعام، تفاجأنا بحضور جماعة من الشباب يفوق عددهم العشرين فردا، يتقدمهم شخص قوي البنية يبدو أنه زعيمهم، قائلا إنهم من سكان المنطقة وسائلا إيانا بنبرة حادة: ماذا تفعلون أنتم هنا؟ ثم مردفاً دون انتظار جواب: عليكم دفع إتاوةِ استغلالِ الشاطئ إن أردتم المكوث فيه. وفي تلك اللحظة ردينا عليه بصوت واحد: ليس معنا نقود وهذا شاطئ للعموم.. لا أعلم لِما وكيف انصرفوا عقبئذ دون الإلحاح في طلبهم والاستمرار في إزعاجنا. كل ما أتذكره أننا واصلنا مهامنا واهتماماتنا الاستجمامية بعدم اكتراثٍ كأن شيئا لم يحدث.. نصبنا الغداء وتركناه يُطبخ على مهل وانشغل كل واحد منا لبرهة بأموره الذاتية. فضَّلتُ أنا أن أركض قليلا بمفردي على طول الشاطئ لتسخين عضلاتي في انتظار الأكل الساخن، أو ربما الضرب الساخن المبرِّح. إذِ انبرت لي من حيث لا أدري تلك الجماعة التي تشبه العصابة، وأحاط بي أعضاؤها من كل جانب عدا جهة البحر. نطق ذات الزعيم موجها كلامه إليَّ والشرر يتطاير من مقلتيْه: والآن هل ستدفع الإتاوة أم لا؟ وهل ما زلتَ مُصرا على أن هذا الشاطئ عام؟ لم أنبس ببنت شفة، فما عساني أقول أو أجيب في مثل هكذا موقف.. مرَّ شريط حياتي في ثوانٍ عبر مخيلتي، نظرت إلى اليمِّ الذي أمامي كأني أودِّعه قبل أن أغرق في دمي، لكني قررت أن أدافع عن نفسي دفاع اليائس من وضعه لا دفاع المستسلم لقدره. وقبل أن أنطق بكلمة أو أقوم بحركة للإفلات بجلدي كمحاولةِ الهروب العظيم في أحسن الأحوال، سمعت صراخ شخص صوْتُه مألوف لديَّ: ابتعدوا عنه ودعوه يمضي إلى حال سبيله! تسمَّرت في مكاني فيما انفضَّ الجمع الخطير من حولي. تراءى لي الأخ"صالح"، ابن تلك الربوع الذي يحترمه فيها الجميع، مثل ملاك هبط من السماء. اقترب مني مبتسما، وخاطبني: شكرا على الحذاء الرياضي الجديد والنفيس الذي فعلتَ المستحيل لشرائه ومع ذلك لم تتوانَ عن جعلي أنتعِله، حتى قبل أن تستعمله أنت، عندما استلفتُه منك أثناء ذلك الدوري الذي شارك فيه فريقانا لكرة القدم، لمَّا خُضنا المباراة الأولى وأنتم التالية...

س- هل حصل أن استيقظتِ،صباح يوم ما، وأنت تنظر في المرآة، فمددت لنفسك لسانك ساخراً من خطأ ارتكبته؟

_موقفي من تسليم شهادة تقديرية لصديقي المبدع _

ج - خلال حضوري حفلَ توقيع إصداراتٍ لصديق لي وقراءاتٍ في بعض أعماله الشعرية، كان مبرمَجًا ضمن فعاليات هذا الحفل تقديم شهادة تقديرية للمحتفى به، وقد تفاجأتُ حينما تمت المناداة عليَّ من طرف مسيِّري اللقاء لأتوَلى أنا تسليم الشهادة لصديقي المبدع. وأثناء القيام بذلك، ونحن واقفيْن جنبًا إلى جنب أمام الحضور، ظللت ماسكا بتِلكم الشهادة ورافعا إياها إلى صدري في مواجهة عدسات الكاميرات اللاتي كانت توثق اللحظة، بدلاً من تسليمها للصديق العزيز الذي خصَّني بهذا التشريف. ولم أتدارك الموقف حتى أومأ إليَّ رئيس الجهة المنظمة برأسه وعينيه، كأني به يقول لي: كفاك احتضانا للشهادة وهيَّا قمْ بتسليمها الآن لصاحبها. والصراحة أني لست معتادا على مثل هذه الشكليات الرمزية، وقد ضحكت يومَها على نفسي وأنا أنظر إلى المرآة بعد عودتي إلى البيت.

س- أسوأ تعليق لك في مجال تخصصك (القصة والرواية)أو رأي غريب وطريف، عن سردك،سواء سمعته مباشرة،أو كُتب عنك في تدوينة،أو مقال،أوحوار؟

_ من تظن نفسك، مصلح اجتماعي أم ماذا؟ _

ج- في تدوينة سالفة لِي حول ظاهرة الرشوة، تحدثت عن هذه الآفة التي تنخر مجتمعنا، بأسلوب الكتابة الساخرة الهادفة. وقد جاءت التعليقات والتعقيبات عليها متوافقة مع محتوى التدوينة ومتفقة على التنديد بالرشوة جملة وتفصيلا. إلا أن أحد القراء كان له رأي آخر حيث اعتبرها مسألة عادية وطبيعية وعبَّر عن سخطه على نقدي لهذه الجريمة الجريرة وانتقادي لمرتكبيها ومريديها، وعدَّ ما كتبتُه تطفلاً وتطاولاً على هؤلاء، مذيِّلاً تعليقه العجيب بالقول: من تظن نفسك، مصلح اجتماعي أم ماذا؟

ما هو القرار الذي اتخذته بعد تفكير عميق، أو بعجالة، فندمت عليه ندماً شديداً؟

ندمت ندمًا شديداً على قرار التخلي عن مشاريعي بسبب عملي الوظيفي_

ج- بعد تخرجي من الجامعة بالعاصمة الرباط، كانت لديَّ العديد من الرؤى المستقبلية لِما يمكن أن أقوم به من أجل تحقيق ذاتي داخل الوطن أو خارجه. كنت مولعاً بالفن والأدب ورغبت في أن أرسم لنفسي سبيلا يتماشى اتجاهه مع ما حباني الله به من مواهب في هذين المجالين، ويتماهى تَوجهه مع نفسيتي الحسَّاسة التي تهوى الانطلاق والتحليق في فضاءيهما الرحبين. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد شاءت الظروف والأقدار أن ألج ميدان الوظيفة العمومية الضيق، بحمولته الثقيلة من القواعد والقيود الزمكانية. والأدهى والأمرّ، تعييني بمنطقة نائية تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الإنسانية فبالأحرى إلى أساسيات الانخراط والاندماج في الحياة الأدبية والفنية. وهذا موضوع ذو شجون يحتاج إلى صفحات بالمئات لكي أبسط في طياتها وبين سطورها كيف سرقتِ الوظيفة عمري وبدَّدت أحلامي وبعثرت آمالي. وأنا هنا أتحدث عن نفسي ومن منطلقي الشخصي، فقد ندمت ندمًا شديدا على قرار التخلي عن مشاريعي بسبب عملي الوظيفي.

سر قررتِ أن تميط اللثام عنه، لأول مرة؟

من هواياتي _

مِن هواياتي غير المعلَنة جمع التحف الفنية والأثرية البسيطة، فأنا شغوف بكل ما له ارتباط بالتاريخ والتراث الإنساني عامة وبموروثنا الحضاري والثقافي بصفة خاصة.

كلمة استثنائية منك.

ج- إذا أخذنا بعين الاعتبار الحصار والانحسار اللذين يعاني منهما الشأن الثقافي في منطقتنا، بفعل انعدام البنيات اللازمة للنهوض بمجالاته الإبداعية وضعف الاهتمام الرسمي والشعبي بها وبرجالاتها ووجوهها النسائية، فإنه يحق لي أن أنوِّه بهذه المبادرة الرائدة والرائعة للأديب الأريب الأستاذ ميمون حرش المتمثلة في سلسلة"كلمني عنه"التي نتمنى لها ولصاحبها ولضيوفها مزيدا من الإشعاع والإمتاع.

سلسلة "كلمني عن"

 الجزء الثاني - الحلقة الخامسة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى