الثلاثاء ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٨
بقلم نبيهة راشد جبارين

الفولكلور في أدب الأطفال

كثرت التعريفات بمصطلح الفولكلور، فمنهم من قال بأنه حكمة الشعب، أو معارف الناس، مثل( وليم نوفر)، ومنهم من قال بأنه المأثورات والفنون الشعبية، إلا أن لغتنا العربية الجميلة انفردت بتعريفه بكلمة شاملة هي كلمة (التراث) وهي تعني ـ دون كثيرعناء ـ بأنه نتاج الشعب الفكري واليدوي وطقوسه وعاداته، وهذا بطبيعة الحال يشمل الأدب الشعبي. وعندما يذكر الشعب تتبادر إلى الذهن العفوية، والصدق، والإيثار.ويمتلكنا شعور بأن التراث يملكنا جميعاً، ولا يملكه أحد.

وما دام الحديث يدور حول أدب الأطفال العربي، والفلسطيني خاصةً، فقد أصبح من الحريّ بكتّاب أدب الأطفال أن يلتفتوا إلى كنوز تراثنا، وأن يرصّعوا ديباجة هذا الأدب بدرره ونفائسه التراثية، إيمانًا بان الحاضر ينعكس عن الماضي، والمستقبل سينعكس عن الحاضر، لتكون أسسه ثابتة ومتينة،كما أن الشجرة لا تنمو وتعلو إلى عنان السماء، إلا إذا كانت في أرض خصبة، وإذا امتدت جذورها في العمق البعيد. فعلينا تقع مسؤولية الحفاظ على تراثنا، بان ننقله إلى أجيالنا القادمة، لأن هؤلاء الأطفال الذين نقدّم إليهم الأدب، هم خَزَنة هذا الكنز، وهم وعاء التسجيل الذي يحتفظ بكل ما يقدّم إليه من التراث الشعبي، ليبقى محفوظًا في ذاكرتهم الغضّة، ولينتقل بواسطتهم من جيل إلى جيل.ولا ننسى أن تراثنا هو أحد أهم مركبات هويتنا الخاصة ، وهو حامل جينات هذه الأمة ،لأنه يتسم بالصدق والأصالة.

ولما كان أدب الأطفال يساهم مساهمة لطيفة في صقل شخصية الطفل، وبنائها،أشبه بالندى ينثر قطراته على بوادر الزرع، فينمو دون أن تنجرف التربة من تحته، أو أن تتقصف أغصانه، كما لو سقاه المطر الغزير. فلننقل اليه قيمنا، ومبادئنا، وعاداتنا الاجتماعية، التي تتوج جبين امتنا العربية، بالعزة والكرامة ، بواسطة هذا الأدب كوجبات لذيذة من مائدة التراث.

من هذا المنطلق، وككاتبة لأدب الأطفال، الذين عندما يُذكرون يتبادر إلى الذهن بأنهم البراءة بعينها، وأنهم زهرة الحياة وأملها . ولأنه كان لي حظ بان قضيت معهم أجمل سني العمر، لهذا جعلت إحدى رسائلى في هذا الأدب، المساهمة في جذب أنظار الأطفال إلى تراثنا، من خلال بعض الصور التراثية في كتاباتي، ومن خلال تزيين بعض القصص بعبارات ومصطلحات تراثية، تزيّن في أعينهم حب الوطن، والأمة، وتوطد أواصر الانتماء. وكذلك أيضاً الاعتزاز بتراثنا، ومحاولة طبعه في أذهان أجيالنا الصغيرة، حتى يصبح لتناول التراث حاجةٌ في نفوسهم ، كأنه إكسير الحياة.

وسأتحدث عن تجربتي الخاصة في هذا المجال:

 فمثلاً في( أنشودة الصباح) يلاحظ القارئ أن الجو فيها جو قروي، يصدح فيه الديك، وتعوي فيه الحيوانات الأليفة، وترسل الشمس أشعتها، التي لا أظنها تستطيع أن تدغدغ الطفل من خلف العمارات العالية في المدينة، كل هؤلاء يشاركون في إيقاظ هذا الطفل لكي يذهب إلى الروضة والبستان.
 وكذلك فإن الخلفية المفروشة بالتبن الناعم، والدافئ ، في التّبان، ولعبة السُّبعة على الحصير، وطبيخ البامياء، وأسنان الثوم، كلها من الصور التراثية، القروية في قصة (مخالب القطة)، والتي تحفّز القارئ الذي لا يعرف هذه الكلمات أن يسأل الآباء والأجداد.
 أما الحاكورة، والتي مضت سنوات عديدة، وربما عقود، لم يذكرها أحد في حديثه، فالحاكورة وما فيها من سحر ومفاجآت للأطفال، كالدجاج ،والبيض ،والصيصان، والخمّ، كلها تنقل صورًا تراثيةً للطفل في قصة( من كسر البيضة..؟) .
 وقصة (المهندسة الصغيرة يارا)، فهي تتناول موضوعًا أصبح في أيامنا هذه تراثًا، وهو الجلسات الأسرية والعائلية، والمحادثة وسماع القصص الشعبية، والقصص الشخصية، والألعاب الشعبية البسيطة في أزقة الحارة، التي تشعّ جميعها دفئًا، وحميمية، ومتعة، مع ضوء الشمعة عندما انقطع تيّار الكهرباء، وتوقف جهاز التلفاز عن البث.
 أما كتاب (أغاني أولادنا إنتماء لبلادنا) فإن عنوانه يبوح بالسر الذي تتضمنه الأغاني، والتي جَمَعْتُ مطالعها من الذاكرة، ومن الصديقات والزميلات، وألّفت عليها نصوصًا، بلغةٍ، وديباجةٍ تراثية لتلك الأغاني التي كان يرددها الكبار للصغار، او كان يرددها الصغار معًا، حينما كانت خيوط المحبة والتآلف تشدّهم إلى الحارة، ليجتمعوا، ويلعبوا، ويغنّوا، ويستمتعوا معًا، وليس عبثًا شدّت خيوط مسلسل "باب الحارة" الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.

سأذكر في هذا السياق بعض صور الانتماء، وحب الوطن، والتراث، الواردة في الكتاب، كما ذكرها الأستاذ نظير شمالي في مقالته "على هامش كتاب محلي لنبيهة راشد جبارين" في صحيفة حديث الناس.

من أغنية (يا معلمتي يا بيضة) (صفحة 8 )

فلاح يابا يابا
غنى شروقي وعتابا
إحنا ولادك يا بلادي
وانت الأم اللي إلنا

من أغنية (دور يا صحن السكر)( صفحة 40 )

حارتنا ما أحلاها
نتنفس من هواها
نتنفس أحلى العطور
ريحة من أجمل الزهور
حارتنا ما بننساك
أرضك جنة وسماك

من اغنية (غزالة غزلوكي)(صفحة 42)

الجَمْعَه جَمْعة إخوان جَمْعة إخوان

ما في أحلى من الأوطان من الأوطان

قيم التلاحم بين أبناء الشعب العربي الواحد، واحترام الآخر، وإن اختلفت ملّته.

من أغنية (حطي زيت يا حجة) صفحة 10:

زيتنا في الخابية
للعجة والزلابية
نقليها يوم الجمعة
والأحد نضوي شمعة
شمعة للست العذرا
نذر من ستي خضرا
توطيد روح الصداقة بين الاطفال.

من اغنية (انا النحلة أنا الدبور) صفحة 24

أنا النحلة أنا الدبور

مع اصحابي أنا مسرور

صور عائلية تراثية:

من أغنية (شتي يا دنيا وزيدي) صفحة 14

جدي يحكي عن عنتر
راكب عحصانه الأبجر
ستي تسلق ترمس فول
وتحكي خرا ريف الغول

والكثير الكثير من المفردات التراثية التي وردت في النصوص مثل:

الحميضة، شروقي، عتابا، العجّة، الخابية،الزلابية، قمحنا القصري، ستي، اشقع يا مزراب، عنتر، حصانه الأبجر، ترمس، فول، خراريف الغول، فدانكو، المرجة، بذاره كيلين، سليقة، قليّة، طبنجة، حجلة، السريس، فراخ يقاقو، بلوط، زعرور، بلبل، الشحرور، الناطور، البر جاس، خبز الطابون، زيت الزيتون، زيتون صوري ونبالي، جرارك، سراجك، نعاجك، الكبة.

أرجو أن تتضافر الجهود، ليبقى تراثنا كوكباً منيراً، تهتدي به اجيالنا لاكمال مسيرة الاجداد، نحو قمة المجد والحضارة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى