الخميس ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم عبد الرحيم البراد

الفِيرُوس

الشوارع خالية على عروشها، لا طائرُ يطيرولا وحشُ يسير،مشهدُ من مشاهدِ يوم القيامة، يكسِرُه بعض الدكاكين التي فتحت أبوابها أمام زبناء جافلين،يُعجبني السكون فمنذ فرض الحجر الصحي أخرج في سيارتي خارقا الحجر الصحي متعللا بعملي رغم اقفال المدارس وورقة الخروج في جيبي مسلمة من السلطات المحلية تبرر خرقي للطوارئ الصحية.

منذ ان فرض الحظر الصحي وأنا أتمتع بهذا السكون الساحر أخرج من بيتي في الضحى أركب سيارتي أتجوال في شوارع المدينة مستمتعا ومستغربا حال الناس كيف انصاعوا بهذه السرعة لأوامر الحظر ولزموا بيوتهم؟ الخوف كبل الناس؟ بعد أن يرهقني التجوال أتوجه الى بقالة با الهادي الرجل الستيني،مسح الدهر على رأسه فاحاله أبيضا ناصع البياض وهدم أسنانه ورسم التجاعيد على وجهه لكن لم ينل من نفسية الرجل اذ ظلت الابتسامة لا تفارق محياه والنكتة تتسرب من فمه المهدوم فيضيع نصفها بين شفتيه الكبيرتين ومع ذلك لاتملكُ الا أن تضحك ملئ فمِك. من نكتهِ يستقبلني مازحا الا تخاف "كرونة" ابتسم ساخرا"كورونا"وبا الهادي؟ فيبتسم كمن يسرق مني نصر العارف،الكرونة احسن منها يقصد خبزة الشعير بالدراجة المراحية،يدخلني الى زاوية من دكانه نصب فيها مكتبا قديما يعود الى جده الأكبر الذي نزح من سوس سنوات الاستعمار،قصة حفظتها من تكرارها يرويها بوقار كبير ينم عن مكانة الجد في العائلة، يخرج من درج المكتب عود خشبيا بُرِمْ ببراعة كبيرة ووضع على أحد طرفيه قطعة من طين تسمى الشقف يملؤه من صرة بلاستكية تحوي مسحوق القنب الهندي يشعله ببراعة، ويشرب دخانه،يناولني الثاني ما أن أضعه على فمي حتى أشهق من السعال، وأهرع الى كأس الشاي اطفء لهيب حلقي يضحك با الهادي ضحكة المنتصر والساخر من بوجادي مبتدأ في التدخين...هذا هو دواء كورونا ينطقها لأول مرة صحيحة فتتعالى الضحكات المصحوبة بالسعال، بعد أن ملأت الرأس من العشبة واقتنيت بعض الحاجيات من با الهادي توجهت الى سيارتي المركونة بالشارع العام فتحت الصندوق الخلفي ووضعت الأشياء تم ركبت السيارة، فاجأني وجود شخص مقنع يجلس في المقعد الجانبي، سرت قشعريرة بجسمي أخافني فاجأني، اِنعقد لساني عن الكلام، هل أنا مسطول؟ ألعبت القنب الهندي بعقلي؟ فقت من هواجسي على صوت نحنحته، كائن حقيقي اذا استجمعت قواي وسألته بنبرة حادة من أنت؟ وكيف دخلت سيارتي؟ وماذا تريد؟ أدار وجهه نحوي فلمحت من قناعه عينان حمروان كالجمرتين. اقترب من وجهي فسرت في حلقي وأنفي حرارةُُ كلسعِاتِ النحل هناك مددت يدي ونزعت قناعه بدا وجهه المكور ورأسه المُذبْبِ المليءُ بالأشواكِ وعيناه غائرتان انفه أجدع متقوب الفم بشِعُ الخِلقةِ،انتفضت بسرعة فتحت صندوقا صغيرا بالسيارة وأخرجت مفك براغي أسكنته في رأسه انفجر على شكل ذرات صغيرة كالغبار رأيتها بالكاد تتطاير في الجو تم تجمعت بسرعة وتسربت الى حلقي،اختنقت، علت حرارتي كالفرنِ يداي ورجلاي لا أُحِس بهما لاتسعفاني على الحركة فقدت الوعي

في اليوم التالي فقت على صوت الممرضات ينقلن بدني الى سريرا أخر، همست احدهن الى أخرى محظوظ لقد اجتاز مرحلة الخطر. عاودتني الغيبوبة تم فقت هذه المرة على صورة وجهه البشع أصرخ قتلت الفيروس قتلت الفيروس أمي المسكينة تردد باسم الله عليك باسم الله عليك عرفتُها من صوتها لما فتحت عيناي وجدتها تلبس بدلة رائد الفضاء لتقيها العدوى بعدما تشبتت بمرافقتي يا لأمي المسكينة خاطرت بروحها من اجلي

في صباح اليوم التالي زارني الطبيب المعالج اطمئن على حالتي ونصحني بالأكل والأكتار من السوائل والمواظبة على اخد الدواء وابتسم بعدما انهى توجيهاته مستغربا وموجها كلامه لي لولا قوة رئيتيك لكنت في قبرك الان بعدما تعرضت لكل هذه الكمية من فيروس كورونا المستجد، تذكرت با الهادي والأربعين سنة من التدخين، كماهممت أن أقول للطبيب انني التقتيت الفيروس شخصيا وأن معركة ضارية درات بيني وبينه لكني خفت الا يصدقني فأمتاله لايصدقون الامايرون باعينهم


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى