الاثنين ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم ميسون جمال مصطفى

القدس عاصمة السماء في الضمير العربي

حظيت القدس بمنزلة اسلامية مهمة، فقد كرمها الله بالقداسة منذ فجر التاريخ، فبُني فيها المسجد الأقصى ثاني مسجد في الأرض بعد المسجد الحرام، وضمت أماكن دينية أخرى كمسجد قبة الصخرة وحائط البراق وغيرهما، وقد خصها الله بالإسراء والمعراج، لذلك فهي تحتل مكانة كبيرة في الوجدان العربي والإسلامي، منزلة لم تحتلها مدينة أخرى في التاريخ، فهي روح فلسطين وقلبها وجسدها، ورمزها الديني والانساني والقومي، فلا غرابة إذا أصبحت علامة تتجه إليها الأبصار، ومنارة تشد الشعراء والفنانين إليها منذ العصور القديمة، وقد ازادت أهميتها بعد نصر صلاح الدين الأيوبي في حطين.

وسنفتح اليوم" ملف القدس في الشعر العربي قديما وحديثا، والبداية مع الشاعر ابن القيسراني وهو يدعو نور الدين محمود بالتوجه إلى المسجد الأقصى، ويحثه بالإسراع في ذلك مع تأمين الجند والنصرة، ولا يشك الشاعر في مروءة وشهامة نور الدين فهو بحر ولا بد لهذا البحر من نصرة المسجد الأقصى.

فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لجب
يوليك أقصى المنى فالقدس مُرْتَقَبُ
وائذنْ لموجِكَ في تطهـيرِ ساحـِلِه
فإنـما أنت بَحْرٌ لُجُّهُ لَجِبُ

ويشير ابن مطروح في الفتح الثاني للقدس إلى الناصر صلاح الدين الأيوبي والسلطان قلاوون، ويركز على أن المسجد الأقصى لن يفتح إلا بأمثالهما، فهما مثال للنصر والقوة وللزود عنه ضد أعداء الدين.

المسجد الأقصى له عادةٌ
سارتْ، فصارتْ مثلًا سائرَا
إنْ عادَهُ بالكفر مستوطنًا
أن يبعثَ الله له ناصــرَا
فناصرٌ طَهَّـــرَهُ أولَّا
وناصرٌ طَهَّرَهُ آخـــرَا

وحين احتُلَّتَ القدس ثانيةً من قِبَل الصليبيين، رثاها الشاعر الفاضل شهاب الدين أبو يوسف، بلغة حزينة، ودعا البلاد كلها للبكاء عليها، فلماذا لا تبكي مكة عليها!ا أليست أختها في الإسلام! ودعاها لتشكو أمرها إلى جبل عرفات، وكذلك دعا طيبة إلى البكاء على ما حل بها.

لتبكِ على القدس البلادُ بأسرها
وتُعْلن بالأحزان والترحــَـــاتِ
لتبكِ عليها مكةٌ, فَهْيَ أُخْتُهَـــا
وتشكُ الذي لاقتْ إلى عرفاتِ
لتبكِ على ما حَلَّ بالقدس طَيْبَةٌ
وتشرَحه في أكرمِ الحُجُــــراتِ

يفرح الشاعر رشيد بدر الدين النابلسي، بفتح القدس ونصرها على الصليبيين ورفع راية الإسلام في المسجد الأقصى. الشاعر ليس وحده من فرح بالنصر، فالقدس هي الأخرى سعيدة برفع علم التوحيد في ربوعها وفوق مساجدها بعد سنين من الظلم.

يا بَهْجَةَ القدس إذْ أَضْحَى بهِ عَلَمُ
الْإِسْلَامِ من بعد طَيّ, وهو منتشرُ
يا نُورَ مسجدِهِ الأقصى! وقد رُفِعَتْ
بعد الصليبِ, به الآياتُ والسُّوَرُ

يدعو العماد الكاتب أسد الدين شيركوه عمّ الناصر صلاح الدين بعد انتصاره على الفرنجة في مصر، أن يُسير الجيوش لفتح بيت المقدس كما فعل في مصر.

فتحتَ مصرًا وأرجو أن يَصِيرَ بها
مُيَسَّرًا فتحُ بيتِ القُدْسِ عن كَثَب

إذا، ذكرت القدس في الشعر القديم وكانت حاضرة فيه بقوة، وقد حض الشعراء الملوك والحكّام على تًسير الجيوش نحو بيت المقدس ونصرتها، هنا يستحضرنا سؤال هل تعامل الشعر الحديث مع القدس وحض الحكام على نصرتها كما فعل الشعر القديم؟!

يتساءل الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي كيف تحولت القدس مهبط الوحي ومطلع الأنبياء إلى أرض مستباحة للعدو، وهي الحرة. وقد انقلب الدهر عليها فحولها إلى عبدة.

كيف أمسيت مهبط الأرزاء؟
مهبط الوحي مطلع الأنبياء
لم يكن في العيون لو لم تسائي
في عيون الأنام عنك نبوّ
ر عليها فأصبحت في الإماء
أنت كالحرّة التي انقلب الدّه

ويقول في موضع آخر من القصيدة واصفا القدس بأرض الأباء، متحسرا على الأيام الماضية التي كانت، متأسفا لها على الهجر وأن هذا الهجر ليس بيده وإنما غصبا عنه.

وسقى اللّه أنفس الآباء
أرض آبائنا عليك سلام
لا تظنّي العقوق في الأبناء
ما هجرناك إذ هجرناك طوعا

وينتفض الشاعر السعودي عبد الرحمن العشماوي على الكلمات، فتحلق فوق الأقصى صاحب المجد والرايات الإسلامية التي كانت ترفرف فوقه يوم كان حرا طليقا، فيدعو الجميع كي يهبوا لنجدته، لأنه الآن في حالة حصار وموت.

هذا هو الأقصى وطائرُ مَجْدِهِ
يشدو بألحان الهدى ويرفــــرفُ
تتحَلَّقُ الأعوام في ساحاتـــه
حلقًا تُسَبِّحُ لـلإله وتَهْتِـفُ
ويُقَبِّلُ التاريخُ ظاهِرَ كـفِّــه
وبثوبه جَسَدُ العلا يتَلَحَّـفُ
واليوم يَرْقُبُنا بطرفٍ ساهِــرٍ
ويداهُ من هول المصيبةِ تَرْجُفُ

يخاطب الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد مدينة القدس ومسجدها بلغة حزينة، فكل ما فيها قد سلب وحرمتها انكهت، حتى المكان الذي أسري منه الرسول محمد عليه السلام فيقول لها:

لعينيها.. مدينتي التي سُجِنت
لمسجدها لأقصاها.. لحرمتها التي انتهكت
لخطو محمد فيها لما حملت، وما حفظت
وفوق جبينها المشجوج آي الله قد طُمِست

ويجاهر الشاعر العراقي وليد الأعظمي بطلبه للشهادة في ربوع القدس متمنيا الذود عنها ساقيا ترابها بدمه، داعيا الأخوة ويقصد بهم العرب أن يجهزوا العدة والعتاد لنصرتها.

كأني بصوت القدس يعلو مردّدًا
تَقَدَّمْ رَعَاكَ اللَّهُ جيشَ الأُخُــــوَّةِ
وأُمْنِيَتِي أنّي أذودُ عن الحمـــى
وأروي ربوعَ القدسِ من دَمِّ مُهْجَتِي

ويصور الشاعر نزار قباني مأساة القدس بكلمات تنضح حزنا وألما، فتنزف كلماته على الورق وهو يدخل في نفس اللاجئ الذي فقد كل شيء ولم يبق له إلا الصلاة والبكاء كي يعبر عن حبه وارتباطه بهذه الأرض المقدسة، أرض الأنبياء ومدينة الإسراء والمعراج، هذه الأرض التي اختصرها بكلمتين (مدينتي – حبيبتي)

بكيت حتى انتهت الدموع
صليت.. حتى ذابت الشموع
ركعت.. حتى ملني الركوع
سألت عن محمد فيك ، وعن يسوع
يا قدس، يا مدينة تفوح أنبياء
يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء
يا قدس يا مدينة الأحزان
يا دمعة كبيرة تجول في الأجفان
من يوقف العدوان
عليك يا لؤلؤة الأديان! يا قدس يا مدينتي
يا قدس يا حبيبتي

لاحظنا مما تقدم من شعر أن المسجد الأقصى هو القاسم المشترك بين الشعر القديم والحديث، وأن الشعراء قد حضوا وحثوا الحكام على نصرته، ولكن حتى الأن لم يحرك أحد فيهم ساكنا، فالقدس ما تزال ترزح تحت نير الاحتلال وما يزال شعبها مشتت في أصقاع الأرض، فمتى يأتي الوقت الذي يضحي فيه جميع العرب والمسلمين بمالهم وأرواحهم فداء للقدس ولفلسطين، ولهدم العرف الذي يعتبر أرض الإسراء والمعراج هي حق للشعب الفلسطيني وحده، وعليه أن يضحي وحيدا ومنفردا في سبيل استعادته؟!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى