الخميس ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم رانية عقلة حداد

الكيانات السينمائية الكبرى في مصر بعد الخصخة

غالبا ما يبحث النقاد والمهتمون في مجال السينما في عالمنا العربي بجمالياتها، وأهميتها، وتأثيرها كفن -سمعي بصري - في ثقافة المجتمع، وبالمثل تأثير المجتمع فيها، والمدى الذي تنجح فيه كأداة معرفية في ان تقود المجتمع إلى التغيير. ولكن الدراسات التي تتناول السينما كصناعة قليلة جدا ... لربما لأننا لا نستطيع ان نقول باننا نمتلك عربيا صناعة سينما - باستثناء مصر بالطبع - ليس سوى حالات فردية هنا وهناك، ولاننا للان لم نلتفت لاهمية امتلاك واستثمار هذه الصناعة؛ اقتصاديا وثقافيا. من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي قام بها مدير الانتاج والباحث المصري (محمد خضر) والمنشورة في سلسلة دفاتر أكاديمية الفنون المصرية، حيث تتناول الواقع الاقتصادي والتشريعي لصناعة السينما في مصر والولوج إلى الكيانات السينمائية الكبرى فيها وتحليل بنيتها الاقتصادية في ظل الخصخصة.

السينما صناعة وفن ... لكن هناك تشابك في التفاصيل بينهما يجعل فهم الجانب الاقتصادي شديد الصعوبة، لذلك ومنذ البدأية يبرم الباحث اتفاقا مع القارئ بفك ارتباط مؤقتا بين الفن والاقتصاد... للوقوف على الحقيقة الاقتصادية وفهم أمور هذه الصناعة بمعأيير اقتصادية علمية فيقول" سنفعل ذلك رغم ادراكنا التام اننا نبحث في قطاع اقتصادي عنوانه الاكبر الفن، ويؤرخ بمدى روعته الفنية".

أي باحث يرغب في دراسة موضوع في مرحلة ما، لابد له ان يعود الى التاريخ المتعلق به والى بدأياته، ومن هنا بدأ محمد خضر دراسته من (فترة الرواج الاقتصادي للسينما المصرية ... منذ الثلاثينات حتى اواخر الستينات)، حيث هناك عدة عوامل ساعدت على هذا الرواج؛ فتميزت هذه الفترة بالمناخ العام السائد الذي كان يمور بالثورات سواء السياسية أو المعرفية (ثقافيا وفنيا)، بالاضافة الى الازدهار الاقتصادي - ولا ننسى هنا الدور الكبير الذي لعبه الاقتصادي طلعت حرب - كل هذه الامور واكثر ساهمت في رواج وتطور صناعة السينما، بالاضافة الى المام صُناع السينما برغبات الجمهور، والاهتمام بعناصر الجذب الجماهيرية المتنوعة، مما ادى الى تزأيد عدد دور العرض، واتساع نطاق توزيع الافلام داخليا وخارجيا، وتضخم حجم أيرادات الافلام، وعوائد مالية مناسبة على اموالهم المستثمرة.

بالاضافة الى انه حتى مطلع الستينات كان نظام السوق بما يتيحه من مرونة وحيوية، هو الذي يحكم هذه الصناعة وساهم في رواجها قبل ان تتولى الدولة جزءا من هذه الصناعة، بانشاء المؤسسة العامة للسينما.

وهنا يجدر الاهتمام بما يشير اليه الباحث " ان هذه الصناعة كانت تحتل المرتبة الثانية في صادرات مصر الى الخارج بعد القطن مباشرة قبل يوليو 1952 حتى وصلت عام 1992 الى أقل من 1% بالنسبة لقيمة الصادرات الصناعية الاجمالية"، وهذا مثال لما يمكن ان تقدمه السينما كصناعة ان أُحسن استثمارها.

يقف محمد خضر في مبحثه الثاني (سياسة الخصخصة) على مفهوم الخصخصة والاسباب التي تقف خلف اتباع هذه السياسة في بلدان العالم المتقدم، ومقارنتها مع الاسباب الموجبة لها في مصر، ليلمس الاختلافات بينهما ومواطن الخطر في اتباع هذه السياسة في مصر حيث فرضتها ضغوط الدول الدائنة وصندوق النقد الدولي.

ويقرأ في مبحثه الثالث واقع السينما المصرية في اطار سياسة الاقتصاد الحر، والعمل بآليات السوق، واتباع برنامج الخصخصة، وظهور الكيانات الكبرى، حيث نشأت السينما المصرية في ظل اقتصاد حر باستثناء ثماني سنوات (1963-1971) هي الفترة التي تم تأميم جزء من صناعة السينما، والتي كان لها الاثر الأيجابي في مجال الانتاج ونوعية الافلام، لكنها على مستوى الصناعة لم ترقَ للمستوى المطلوب وسجلت تراجعا، الى ان عادت سياسة السوق الحر، فتحسن واقع الحال بشكل كبير خاصة في مجال بما يسمى الاصول (الاستوديوهات، ودور العرض) تم تطويرها لتصبح نقطة جذب للاستثمارات وخاصة الكيانات الاقتصادية.

الكبرى، والكيان هو عبارة عن مجموعة شركات فردية مستقلة ذات قدرة مالية ضخمة، غالبا ما تكون ناتجة عن اندماج اختياري بغرض ضغط التكاليف وزيادة الكفاءة والقدرة على المنافسة على نطاق واسع، ومن هنا يستكمل الباحث تحليل نموذجين للكيانات الاقتصادية الكبرى والتي نشأت مع بدأية الالفية في مصر: جهاز السينما التابع لمدينة الانتاج الاعلامي، والشركة العربية للانتاج والتوزيع، حيث يلعب كل منهما دورا كبيرا ومسيطرا في صناعة السينما. فيعرض الباحث بشكل تفصيلي مجموعة الشركات المؤسسة لكل كيان، رأس مال كل منها والمبالغ المرصودة للتحديث، الاصول التي تمتلكها (استوديوهات، معامل، دور عرض...)، البرامج المستقبلية التي تضعها للانتاج والتوزيع والتسويق، ونوعية الافلام المنتجة او التي يتم توزيعها، ومن ثم يخلص بعد المقارنة والتحليل الى ملاحظاته؛ السلبيات والأيجابيات لكل منها.

حيث للتشريعات دور كبير في تنظيم امور صناعة السينما وتطويرها، لم يغفل محمد خضر في مبحثه الاخير عن استعراض تطور التشريعات المنظمة لهذه الصناعة في مصر ما لهذه التشريعات وما عليها، حيث بعض هذه التشريعات القائمة، أو المعدلة، او المستحدثة ساهمت في تراجع هذه الصناعة.

يبث الباحث الينا بين ثنأيا دراسته بعض الاسئلة للتفكير:

هل ازمة السنما في مصر هي ازمة فنية ( ازمة نصوص، نجوم...) ام انها ازمة كيفية دراسة الازمة، وأزمة التعامل بسطحية مع الجانب الاقتصادي؟

ما هي الاثار المترتبة على ظهور الكيانات الاقتصادية الكبرى في صناعة السينما سواء من ناحية الصناعة او السوق؟ وهل هناك اهتمام فعلي في تحليل بنية هذه الكيانات الاقتصادية العملاقة، ومعرفة الى أين تسير؟

هل تمتلك هذه الكيانات رؤية واضحة وتخطيط واعي؟

هل حققت الخصخصة في هذا المجال الامال المرجوة من حيث جودة المنتج والتنافسية؟ هل تمكنت من التكامل مع الكيانات الصغيرة، ام ان كفة الاحتكار هي التي رجحت فاصبحت مجموعة صغيرة تحكم السوق بشروطها؟

هذه الاسئلة واكثر لكن في النهأية تضع اكاديمية الفنون في مصر هذا البحث بين أيدينا كمادة جديرة بالقراءة والمناقشة، حيث من المفيد الاطلاع على تجربة مثل هذه وان كنا لا نملك للان في الاردن صناعة سينما، ولكن بما ان هناك توجه نحو الاستثمارات، فلماذا لأيتم الالتفات لهذا النوع من الاستثمار؟ على ان لا يكون ذلك بمعزل عن المشروع الثقافي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى