الأحد ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠
الشاعر العراقي عادل الصويري لـ ديوان العرب
بقلم مريم علي جبة

المثقفون اليوم يعيشون أسوأ مرحلة انسلاخ قيمي

"المثقفون اليوم يعيشون أسوأ مرحلة انسلاخ قيمي"

"نحنُ الشعراء في قصائدنا وكتاباتنا زيت لفانوس أبي العلاء المعري السحري"

الشاعر العراقي عادل الصويري: من مواليد 1975، هوعضو في اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، وعضو جمعية الأدباء الشعبيين في العراق، لععدة دواوين شعرية منها: رقصة النيكوتين وعرس الغيض وجفين الثلج وديوانه الذي عنونه بـ "زيت لفانوس أبي العلاء".. ولعيونج أغني، وغيرها ..

ديوان العرب التقت الشاعر الصويري وكان هذا الحوار:

 عن البدايات، وعن أوَّل قصيدة كتبتها: لمن؟ ثم ماهو الحدث الذي سكنك لاحقاً لتفيضَ نهراً من هذا الجمال في قصائدك ودواوينك؟

* بداية دعيني أشكركِ على الاطراء وحسن الظن. البداية كانت في أوائل تسعينيات القرن الماضي بكتابة الشعر العامي، وخصوصاً لون (الدارمي)؛ لعدم إتقاني أوزان القصيدة في تلك الفترة، وأول بيت دارمي كتبته كان:

هذا آنه مامش عيد صفنة مراجيح/ واهن بكَيت ارماد وتسولفه الريح

وهو يتحدث عن الأيام الصعبة لفترة الحصار. واسمحي لي أن أستبدلَ مفردة (الحدث) ب (الهاجس) لأقول: إنَّ هاجس مدينتي كربلاء هو الذي سكنني واجتاحني ويجتاحني، هاجس المدينة بكل خصوصيتِها، جدليتِها، نخيلِها، طقوسِها، أضرحتِها، عمقِها، حزنِها المضيء، فرحِها الحذر، وإن كنتُ فعلاً كما تفضّلتِ في إطرائكِ الجميل، فالفضل كل الفضل يعود لذلك الهاجس.

 يصفونك بالشاعر المتحضر، المدهوش، الذي لا يهدأ، الخطير، هل تعجبك هذه الصفات، وماذا تقولُ فيها؟

* بعض هذه الصفات أطلقها محبون تعبيراً عن محبتهم، وبعضها وردت في سياق مقالات ودراسات نقدية تناولت قصائدي، وفي الحالتين أشكر القائلين بها وهي محط اعتزازي وتقديري، وأجد وصف (لا يهدأ) هو الأكثر واقعية.

 منصّاتك الشعرية في القصيدة الواحدة، كيف استطعتَ أن تبنيها لتجعل القارئ وكأنه يُطل على ذلك الأفق الذي لا آخر له؟

* أعتقد أنك تقصدين تعدد المواضيع داخل القصيدة. الكتابة الحديثة اليوم سواء كانت شعراً أو سرداً غادرت عبارة (وحدة الموضوع) المستهلكة برأيي، الكتابة اليوم تعتمد تذويب الخصوصية الذاتية بالهم العام بكل تجلياته وصوره، وهذا لا يعني فتح المجال لتعدد المواضيع بشكل عشوائي كما في بعض الحالات، فالأمر يشكل مغامرة تحتاج العارف بأسرار القصيدة، فضلاً عن ثقافة واطلاع، وجرأة كبيرة خصوصاً في مواضيع تبدو للوهلة الأولى أنها عقائدية وفجأة تنتقل إلى حسية وغريزية.

 هل أفهم من إجابتك أن هناك شعراء أخفقوا في هذا المجال؟

* لستُ في وارد تقييم الآخرين، لا أقول أخفقوا بل استعجلوا. زمن السرعة الذي نحن فيه أمر واقع، لكنه ليس كذلك في الكتابة الإبداعية. لو أخذنا موضوع التصوف مثلاً نرى أن الغالبية العظمى من شعراء اليوم ينقعون قصائدهم بمفردات وعبارات تنتمي للعالم الصوفي، لكن ملامستهم لهذا العالم تبدو قشرية؛ لضعف معرفتهم الدينية أو لأنهم فكرياً أبعد ما يكون عن الروحانيات. وفي المقابل هناك تجارب قليلة لامست هذا العالم بشكل رائع يبعث على الإعجاب مستندة على رشاقة لغوية، وإرث عميق.

 عنونت ديوانك الصادر مؤخراً ب (زيت لفانوس أبي العلاء)، لماذا هذا العنوان وفي هذه المرحلة؟

* لا تخفى القيمة الأدبية والفكرية لرهين المحبسين أبي العلاء المعري، قصدية العنوان الرئيسة كانت تؤكد على أن في داخل كل كاتب ذات الاستفهامات والتشظيات التي كانت عند أبي العلاء، فنحنُ في قصائدنا وكتاباتنا زيتٌ لفانوسه الذي يقطع بضوئه طريقَ الزمنِ المأزوم والمتكرر.

 في زمن التردي والقهر ودمار الأوطان وضياعها، هل برأيك مازالت هناك طموحات للمثقف بشكل عام؟

* طموحات المثقف العامة جزء لا يتجزأ من طموحات الآخرين. لكنني قد أضع مفردة "مثقف" ببن أقواس كثيرة؛ لما تمثله من إشكالية كبيرة. المثقفون اليوم يعيشون أسوأ مرحلة انسلاخ قيمي، فضلاً عن الانزلاق المزري في الترويج لمصطلحات انفعالية تنتعش في المواقع الاتصالية الالكترونية، بل ويكتبون عنها وكأنها فتحٌ من فتوحات المعرفة. في غفوة الوعي انخرطوا في ظاهرة التخوين المتبادل، وإذا كان لهم من طموح فعلاً فلابد أن يكون جوهره مصارحة ذواتهم تمهيداً للتصالح معها. أما إذا استمروا على ما هم عليه، فإنَّ التعويل على دورهم خطيئةٌ تعادل خطيئة من (أبى واستكبر)!

 بماذا ترد على كل هذا القبح الذي حولنا شعراً؟

* ستنقرُ شُبّاكَ الصباحِ بلابلُ النصوصِ،

وأشجارُ المعاني
ستحضنُ الظِلالَ،
وَسِربٌ للكمنجاتِ خلفَها،
يؤرِّخُ للنهْرِ المكبَّلِ عشبةً،
ويشرحُ في نومِ الضفافِ طلاسمَه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى