الخميس ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
أدباء عرب في لندن يستحضرون

المثل العليا لرواد الحضارة الإنسانية

شهد المركز الحسيني للدراسات في العاصمة البريطانية لندن مساء 23 أبريل نيسان 2018م، مهرجانا أدبيا وفنيا بحضور جاليات عربية ومسلمة، استذكر فيه المشاركون سيرة رواد حركة الاستنهاض التحررية من الجبت والطاغوت الذين تركوا بصمة عميقة في التاريخ الإنساني إلى يومنا هذا.

المهرجان الذي حضرته شخصيات علمية وعلمائية واجتماعية من العراق ولبنان وإيران والبحرين وباكستان، استُهل، بعد آيات من الذكر الحكيم تلاها المقرئ الحاج مجيد الصراف، بكلمة لمدير الحفل السيد جعفر الموسوي، تناول فيها أهمية استذكار العظماء لتجذير قيمهم في واقع المجتمع والتأسي بهم، وخاصة لدى طبقة الشبان، مستذكرا موقف الشاب علي الأكبر بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المولود في 11 شعبان سنة 38 للهجرة، وإيمانه بقضية النهضة الحسينية بالضد من الجور السلطوي وتقبله الموت في سبيل إحياء رسالة الخير والصلاح التي أرسى قواعدها جده النبي محمد(ص).

وختم الموسوي فقرته بإنشاد قصيدة من إنشاء المحقق آية لله الشيخ محمد صادق الكرباسي، جاء فيها:

قد كان صُلبا في سبيل المرتجى
لا ينثني عن عزمه في المحضَرِ
لم يألُ جهدًا في رضا الباري ولم
يترك سوى ذكر علا في المنبَرِ

الأستاذ جعفر الحسابي من مملكة البحرين، شارك في إحياء الحفل بإلقاء مقطوعات من الشعر القريض والدارج لشعراء من البحرين، منهم الشاعر نادر التتان، وقصائد من الشعر القريض لشعراء من العراق، منهم الشاعر جابر النجفي.

مدير الندوة السيد الموسوي أنشد في الحاضرين قصيدة في الإمام الحسين(ع) المولود في 5 شعبان سنة 4 للهجرة، من نظم الشيخ محمد صادق الكرباسي، جاء فيها:

وُلد الخيرُ فبُشرى للزُّكاة
مصدر الإحسان رب البركات
صُوَرُ الخالقُ في المولى تجلّى
وانجلى غيم المسا بالومضات

حتى يقول:

رُسلُ السلم تبارت في سماءٍ
شارك الأنس الملا بالبسمات
لحُسين وهجٌ يملي كياني
هكذا يهوى الورى في الخلجات

عميد الدراسات العليا في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية بلندن، الأديب الدكتور إبراهيم العاتي، انتقد في كلمة له بهذه المناسبة مؤرخي السلطة الذين يسعون وهم يدونون التاريخ الى حرف الحقائق وصرفها عن منابعها، وفي بعض الأحيان تكون المدونات متعارضة حتى مع المسلمات، وهو ما حصل فيما يتعلق بتسمية الإمام الحسين(ع) حيث يصر البعض على ترديد رواية مكذوبة بأن الإمام علي(ع) سمّى وليده الإمام الحسين(ع) بإسم "حرب"، في حين أن هذه الرواية موضوعة ومتعارضة مع أحاديث متواترة بأن تسمية الحسين إنما جرت بوحي السماء، كما جرى من قبل تسمية شقيقه الأكبر الإمام الحسن(ع) بوحي السماء.
وتناول الدكتور العاتي في كلمته جوانب من تعامل الرسول الأكرم(ص) مع الحسن والحسين، وهو تعامل يقدم تجربة إنسانية للآباء في طريقة التعاطي مع الأبناء وتنشئتهم النشأة السليمة.

وتطرق العاتي إلى الجانب الأدبي من النهضة الحسينية من وحي كتابه الموسوم (الظاهرة الحسينية في الشعر العربي) الصادر عام 2012م عن دار الأمير للثقافة والإعلام في بيروت، والذي تمت قراءته من قبل الباحث العراقي الدكتور نضير الخزرجي في مقالة نقدية أدبية تحت عنوان: (العاتي يتابع في الظاهرة الحسينية تضاريس الشعر العربي)، مشيرا إلى التأثير العميق الذي تركته النهضة الحسينية على الشعراء العرب والمسلمين من جنسيات ومذاهب ونحل مختلفة، باعتبار أن واقعة كربلاء عام 61هـ ليست واقعة تاريخية وانطوت صفحاتها، مثل واقعة فتح القسطنطينية أو سقوط بغداد أو معركة واترلو، فواقعة كربلاء تمثل قيم الإنسانية التي لا يخبو ضوؤها، ولذلك فإن الشعر الحسيني يمثل في واقعه شعر القيم، والقيم هي التي تميز الإنسان عن غيره، وأن إستمرار الأدب الحسيني في العطاء منذ أربعة عشر قرن هو واحد من الشواهد الدامغة على عمق قيم الخير المترسخة في المجتمعات بغض النظر عن المعتقدات، وهذا العطاء الثر للشعر المنظوم في الإمام الحسين(ع) بلغات مختلفة ومن شعراء مسلمين وغير مسلمين لهو دليل قاطع على إنسانية القيم التي ناضل من أجلها الإمام الحسين(ع) والتي جاء بها جده محمد(ص) لأخراج الناس من الظلمات إلى النور، والوقوف أمام قوى الظلم والطغيان.

وأشار الأديب العاتي إلى نماذج من الشعراء العرب في الإمام الحسين(ع) مثل الشاعر العراقي عبد الباقي العمري والشاعر اللبناني نزار قباني والشاعر الفلسطيني أحمد دحبور، وقرأ لهم بعض أشعارهم، خاتما كلمته بقصيدة من إنشائه، من وحي المناسبة بعنوان (أنشودة الحب)، جاء في مطلعها:

هتف الشوق من رباك نديّا
فطوى القلب رجعه الأزليّا
سحرته تلك العيون زماناً
يا رعى الله موجها البحريّا

ثم يضيف العاتي:

يا هوى قد وهبته وهج روحي
وأضاءت حروفه مقلتيّا
بسوى الآل ما استفاض شعورٌ
وهب الغيبُ نورَه القدسيّا
فرض الله حبّهم فتسامى
ذلك الحب مصدرًا علويا
وأضاء الوجود حبُّ (حسينٍ)
مذ تراءى إلى العيون وَحَيّا

ويختم الأديب العاتي قصيدته، من 21 بيتًا، بقوله:

ثورة الحق كم أثلجت عروشاً
حَسِبَت أن ملكها أبديّا
وكم احتز للفساد رؤوساً
فارسٌ جرّد الحسام الأبيّا
يا إمام الهدى أقمت منارًا
سوف يبقى على الطغاة عصيّا

عريف المهرجان أسمع الحاضرين مجموعة من التواشيح من وحي المناسبة ختمها بقراءة قصيدة في الإمام السجاد علي بن الحسين(ع) المولود في 9 شعبان سنة 33هـ، من نظم الأديب الشيخ محمد صادق الكرباسي جاء في مطلعها:

أبرقَ البرقُ يومًا مرسلا شيّا
تاركا فيه لونًا أُرجوانيا
ينشرُ الوجدَ في نفسي فلا ترضى
عدها صاحبا غرَّا ولا غيّا

إلى أن يقول في خاتمتها:

ثفنةُ المُرتجى تعلو على شمسٍ
قد حوت دون كسفٍ أو تُري فيّا
مَن يكن مثله بين البرايا أو
في الملا ساجدًا أو راكعًا سيّا
ذا عليٌّ به القربى تجلت مذ
نورُ رب العُلى فيه زها بيّا

الشاعر العراقي وحيد الخيون شارك المهرجان الأدبي بقصيدة ناشد فيها الإمام الحسين(ع) منشئًا:

صلّى عليكَ مع الكثير السابق
كل الزمان مع الكثير اللاحق
صلتْ قلوبُ الصالحين مسرّةً
ويدق قلبي دقَّ قلبٍ عاشقِ
أفديك في يوم الولادة بي أنا
يا خير منسجم وخير مرافق

ثم يعرج في قصيدته على العراق قائلا:

صلّى عليك فمُ العراق وقلبُهُ
فراتُه وفمُ النخيل الباسقِ
وبكى العراقُ دمًا عليك سماؤهُ
وتُرابُهُ وصخورُ نجمٍ طارقِ

ومن الإمام الحسين(ع) ينتقل الخيون الى أخيه العباس(ع) المولود في 4 شعبان سنة 18 للهجرة مخاطبا:

عباس يا ذخر الحسين لساعةٍ
وقف الوجود بها وقوف الطالقِ
منذ الولادة لم تُداهن مُطلقًا
في طاعة المولى لأيِّ منافقِ

ثم يميل الخيون دفة قصيدته الى الإمام علي بن الحسين السجاد(ع) منشئًا:

قد قام زينُ العابدن مقامهم
حتى يفي فيها وفاء الصادقِ
كادت مكارمُهُ تجودُ بنفسه
حتى وكادَ الجودُ يأخذُ ما بقي

ثم تعود دفة الخيون في البيت السابع والعشرين خاتمًا بها القصيدة:

أنا يا حسينُ أريدُ منكَ بهذه
أبقى ببالِكَ كالحبيب العاشقِ

الدكتور قيس العكيلي من العراق كانت له مشاركة في المهرجان بقراءة قصيدة من الشعر الدارج من نظم الشاعر العراقي أبو محمد المياحي.

وختم السيد جعفر الموسوي المهرجان بقراءة قصيدة في أبي الفضل العباس بن علي(ع) من نظم الشيخ محمد صادق الكرباسي جاء في مطلعها:

يا أبا الفضل والجود والكرمِ
نت يا خيرة العرب والعجمِ
يا نصير الحسين الشهيد وسا
قي عُطاشى النواويس في الظلم

وأقيم بأزاء المهرجان الأدبي معرض للصور يمثل مراحل بناء المرقد الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة منذ استشهاد الإمام الحسين(ع) في يوم عاشوراء من سنة 61هـ حتى نهاية القرن الرابع الهجري، استوحى مؤلف الموسوعة الحسينية وراعي المركز الحسيني للدراسات المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، خطوطها العامة مما توصل إليه من خلال تحقيقه ونُشرت في الجزء الأول من كتاب (تاريخ المراقد) الذي يمثل أحد الأجزاء الإثني عشر بعد المائة من الأجزاء المطبوعة من مجموع نحو تسعمائة مجلد يواظب على تأليفها والتحقيق فيها منذ ثلاثة عقود، كما تزينت واجهة قاعة الإشتر التي أقيم فيها المهرجان الأدبي والفني براية قبة الإمام الحسين(ع) أهداها المتولى الشرعي للعتبة الحسينية المقدسة العلامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خلال زيارته لندن ولقائه الفقيه الكرباسي يوم 13/10/2014م.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى