الخميس ٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٥
بقلم عبد المطلب عبد الهادي

المسرح المدرسي بين الدراسة والممارسة

الطفل..هذا الكائن الإنساني الصغير..هذا البريء الذي يحضن العالم في بسمة ويختزله في لعبة..هذا الذي قيل عنه أنه " مالئ الدنيا وشاغل الناس "..
الطفل..هذا الشحنة من الانفعالات الذي أقام الفكر ولم يقعده لحد الآن والذي دفع ببعض المهتمين به إلى الكلام عن "عقيدة جديدة هي عقيدة الطفولة "(1)..

الطفل..هذا الذي يحتفى به وبأعياده على طول السنة..هذا الذي تنظم من أجله الأيام والأسابيع والمهرجانات..هل وصلنا به إلى الحد الذي يمكن معه القول أن صناعته قد نضجت واكتملت ؟
هل وضعناه في الإطار الصحيح استعدادا لتغيير المستقبل –باعتبار الطفل رجل المستقبل- ؟
هل ما يقدم للطفل –في إطار ثقافته- يصلح لأن يكون سببا في الارتقاء به ؟ ..

إن الدخول إلى العالم المعقد والسحري تجربة تفرض علينا أن ننطلق من البداية، وبداية هذه التجربة هي الدراسة، دراسة الكائن أولا ثم آليات التواصل معه،والدراسة تفرض علينا معرفة الأهداف التي نتوخى الوصول إليها من خلال هذا التواصل/التجربة. هذه الأهداف نجملها فيما يلي:

أهداف معرفية .
أهداف اجتماعية .
أهداف عاطفية .
أهداف جمالية .

1 – 1 . المعرفة ليست عبثا أو ترفا أو لهوا بالنسبة للطفل، رغم أنه يكتسب معرفته انطلاقا من اللعب، ولكنها مسألة حيوية تتعلق بوجوده ومصيره(2). والطفل يريد أن يعرف انطلاقا من السؤال عن ذاته ومحيطه كي يكبر ويسيطر على عالمه أولا ويحسن التعامل معه ثانيا،لذلك فالمعرفة لا ترتبط بكمية المعلومات فقط بل تتعداها إلى الفعل والممارسة واكتساب المهارات التي تهيئها له وسائطه المتنوعة من قصة ومسرح وصحافة وشعر وتلفزيون…

1 – 2 . التواصل مع الطفل عن طريق الكتابة له هي محاولة لإدماجه في حظيرة المجتمع الذي ينتمي إليه، ومحاولة مده بجميع الوسائل التي تخول له بناء هوية تكفل له الانتماء الاجتماعي.

1 – 3 . تواجه الطفل في مختلف مراحل نموه مواقف وتحديات داخل البيت مع إخوته أو داخل فضاء المدرسة أو في الشارع – مكان إثبات الذات حسب عرف الأطفال – قد تدفع به إلى فقد الثقة بنفسه أو الانطواء عليها، وقد تدفع به إلى أخطر من ذلك، إلى عدم المواجهة والارتكان إلى السلبية والتنازل عن حقه، والطفل يحاول التصدي لهذه المشاكل وذلك " بشخصنتها ومسرحتها في أبطال من الحيوانات أو البشر الذين يمرون بنفس "المشكل" وبالتالي يحاول الخروج ظافرا، الشيء الذي يحقق له توازنا نفسيا يفتح أمامه آفاق النمو السليم "(3) .

1 – 4 – الطفل بطبيعته يجذبه اللون والإيقاع والنغم الجميل ويرتاح إلى صوت أمه وهي تغني له أو تحكي له حكايا الشطار والمغامرين..وهو بهذا لا يحتاج إلى من ينمي لديه الحس الجمالي والذوق الفني، بل يحتاج إلى فقط إلى من يقدم له فرص الإشباع والتمتع من خلال الكلمة والحركة والشكل واللون والنغم، والمسرح – الذي يعتبر أبو الفنون - أحد أكبر الروافد لتزويد الطفل بحس جمالي وذوق رفيع .

الكتابة والمسرح المدرسي .

إن الكتابة المسرحية للأطفال ليست بالعملية السهلة البسيطة رغم التعامل فيها يتم مع الأطفال/التلاميذ، بل من هنا تنطلق الصعوبة وتتشابك، والاعتقاد بسهولة العملية هو الذي يدفع بالمسرح المدرسي إلى الطريق المسدود وإلى راهن متذبذب واه ينخر أجزاءه الضعف والتراجع رغم المهرجانات الإقليمية والجهوية والوطنية،إذ من هنا يتسرب الوهن والمرض حيث تنكب الجهود –خلال هذه المهرجانات-

التي غالبا ما تكتسي لباس الهواة، في سباق محموم نحو الفوز وفي غياب صارخ للتربوي والتعليمي. إن هذا الراهن أصبح يفرز محنة نتلمسها في بعض العروض المقدمة خلال مهرجانات المسرح والتي تتمثل في كونها لا تجعل من التلميذ محور الاهتمام وإنما صورة تصل في بعض الأحيان إلى تمثل خافت له ولواقعه، أو وسيلة للظهور وتحقيق الفوز الآني وإثبات ذات المسؤولين .

إن التلميذ في كثير من هذه الأعمال يتحول إلى "دمية" تتحرك فوق رقعة أشبه ما تكون برقعة شطرنج، تتحرك فوقها شخوص –في كثير من الأحيان- هم للتهريج أقرب منهم إلى التمثيل دون علم بخبايا اللعبة المسرحية..
إن دخول عالم الكتابة للأطفال يتطلب مجهودات كبيرة ودراسات واعية، ومعرفة دقيقة بعوالم الطفل المعقدة، لأننا نصنع بها(الدراسة) رجلا متكاملا ننقش في نفسه كل معاني الجرأة والشجاعة ومواجهة الصعاب، كما نكسبه حسا وذوقا سليمين، ونصقل مواهبه ونطير بخياله إلى عوالم الأحلام يستقي منه الفوائد والعبر، ونجعله ينظر إلى الواقع نظرة مغير لا متفرج .
إن دخول عالم الكتابة للأطفال تحتم علينا أن نعي أننا نتعامل مع ذوات لها عالمها الخاص والمستقل عن عالم الكبار، نحترم كيانها ونعمل على وضعها في قالب سليم يخرجها إلى المجتمع لتساهم في تقدمه وازدهاره .

إن هدفا كهذا لا يتأتى بالممارسة فحسب، ولكن بالدراسة أيضا. لأن الممارسة لا تتم إلا بالدراسة، والدراسة لا تكتمل إلا بمعرفة دقيقة بالشيء المدروس. والدراسة عادة تسبق الممارسة،لأنها تيسر المواجهة والدخول إلى المجهول بثبات دون الوقوع في الأخطاء التي من شأنها أن تثبط العزائم وتكسر الهمم وتبعث في النفس الفتور والإحباط .
والمسرح المدرسي ككل الفنون يحتاج إلى الدراسة قبل الشروع في الممارسة، خصوصا والأمر هنا يتعلق بالتعامل مع الأطفال/التلاميذ . وهنا تكمن ضرورة الدراسة وحتميتها، وهذه الدراسة لن تشمل المسرح المدرسي من حيث الماهية والأهداف وآليات التعامل فحسب بل تتعداه لتصل إلى الطفل/التلميذ والنص والمكان/فضاء اللعب والجمهور وتقنيات الإخراج..

قبل فعل الكتابة

قبل الحديث عن الطفل/التلميذ والكتابة المسرحية والارتباط التواصلي بينهما، وهل يصنع الطفل الكتابة أم هي التي تصنعه باعتبارها –إلى جانب باقي الوسائط الأخرى- أداة لصناعة المستقبل ووسيلة لامتداده وتطويره..يجب أن نفرق بين معطيين اثنين: الكتابة عن الطفل والكتابة له..

1 – الكتابة عن الطفل لا تتوجه إليه مباشرة، بل يتخذ الكاتب من الطفولة/التلميذ موضوعا للكتابة والنقاش والحوار الهدف منه تهيئ الأسباب الكفيلة بإيجاد غد أفضل للطفل لا يشارك في صناعته ولكن يصنع له بكل المقاييس التي يراها الراشد/الكاتب تصلح كمادة لإعداد مواطن الغد..

2 – الكتابة للطفل وتعني مخاطبته وتقريبه من الوجود والموجودات، وجعله كائنا يقتحم عوالم الحكايات وأسرار الخيال، وإكسابه آليات تحليل الخطاب الثاوي بين متاهات دروبها المدهشة، وتأهيله للمغامرة والانطلاق، ودفعه بالتالي إلى الانخراط في صناعة سؤال الغد..

وبعد..

أن تكون كاتبا يعني بالضرورة أن تكون قارئا بامتياز، إذ لا يمكن الكتابة من فراغ أو من دون خلفية معرفية "طفولية" يؤثث بها فضاء حكاياته .

أن يكون الدافع للكتابة موضوعا جديدا وجيدا ينهض على التجريب وإلغاء النمط والممجوج ويستجيب لروح المغامرة التي هي عنوان الطفولة .

تحديد الأهداف التربوية والفكرية والنفسية والجمالية .

إعادة إنتاج الطفل المتواري داخل ذات الكاتب، إذ لا يمكن لكاتب أن أن يكتب للأطفال في غياب طفل لا يسكنه، لأنه المرجع والسر المفتاح الذي منه ينطلق ليدخل العالم السحري للأطفال، " كيف يكتب للأطفال من لم يعش الطفولة المنفتحة على العالم والمسكونة بحب الفضول والسؤال ؟"

من لم يعش طفولته سيقدم للأطفال –لا محالة- أدبا لا يتواصل معهم، مغترب عنهم، تحكمه
حالات الجمود والعطالة وتعوزه مقومات الأدب الناجح والرفيع .

معرفة الطفل/التلميذ/المتلقي الذي نكتب له، ولكي نعده للدخول إلى العالم، لا بد أن نعرف ونفهم طبيعته ونموه والمراحل التي يجتازها ليكتمل تكوينه العمري، ونفهم بالدرجة الأولى أن كل طفل هو ذات مستقلة، لا يشبه هذا ذاك ولا ذاك الآخر، لكل شخصيته الفريدة والمتميزة. ولكي يتأتى لكاتب الأطفال ذلك، عليه أن يكون على اتصال دائم بهم، أن يراقب لعبهم، بل أن يلعب معهم، أن يجلس معهم وقت طعامهم، أن يفكر مليا في مفرداتهم..

الكتابة للأطفال لا يحكمها قانون معين، لأن الكتابة إبداع والإبداع فعل يستشرف المغامرة والانطلاق ويثور على النمط..وكلما خالطته طريقة تحدد مسار تحركه وتكبل انطلاقه سقط في مستنقع الجمود والتحجر، وأصبح اتباع ببغائي وتزمت مميت واجترار قاتل وحكم على صناعة المستقبل بالإهمال والجهالة..
سؤال/أسئلة الكتابة .

مرتكزات أولية:

إذا كان لكل جنس أدبي أسئلته التي منها ينطلق ليؤسس عالمه، فإن أسئلة الكتابة للأطفال أسئلة إبداعية و منهجية بالدرجة الأولى ترسم الخطوط الواضحة لمسار الحكايات الفاعلة التي يبني عليها الصغار حياتهم، وتحد من انطلاق قلم الكاتب الذي قد يضيع في متاهات تضع الأطفال/التلاميذ قراء أو ممثلين أو جمهورا أمام معادلات يصعب حلها وفك رموزها وطلاسمها، وتنبه الكاتب –حين يكتب-

أنه يخاطب عقولا صغيرة تتفتح على الحياة ببطء شديد يسمح لها بالتعلم فيخترق القاموس اللغوي أو يمرر خطابات، الطفولة غنية عن الخوض فيها، فيحصل النفور من النص/الحكاية/الأدب عوض الاقتراب منه واحتضانه والاستفادة منه .
ودرئا لكل التباس، واقترابا من أسرار الطفولة، ولكي يظل القلم الكاتب قريبا من الأدب الطفولي بعيدا عن الغموض والرموز،يطرح الأسئلة التالية:

1 – لماذا أكتب ؟ وهو سؤال السبب .
2 – ماذا أكتب ؟ وهو سؤال الموضوع .
3 – لمن أكتب ؟ وهو سؤال الطفولة .
4 – كيف أكتب ؟ وهو سؤال المنهجية .

أسئلة تحتاج إلى البحث والدراسة قبل خوض المغامرة .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى