الخميس ٢ شباط (فبراير) ٢٠٢٣

الميزات الجمالية والدلالية في ديوان« همس السنين»

عبد النبي بزاز

يتميز ديوان «همس السنين» للشاعرة المغربية لطيفة السليماني الغراس بتنوع وغنى «تيماته»، وعناصره الإبداعية في حمولاتها الجمالية والفنية والتعبيرية مما يصعب معه الإلمام بما تزخر به من أبعاد رمزية، ومكونات دلالية. فأمام هذا الزخم الموسوم بالغزارة و الثراء والعمق سنعمد إلى مقاربة بعض مدخلاته الشعرية لكشف ما تضمره من صيغ واستعمالات إبداعية مبتكرة ومغايرة كالإيقاع، واللغة في انفتاحها على آفاق جمالية، وموضوعات متعددة المعاني والأبعاد.

ــ الإيقــــــاع: في شكليه الداخلي المطبوع بتجانس وتناغم الحروف؛ وهو ما يطالعنا في عتبة العنوان «همس السنين» من خلال حرْفَيْ السين والنون في تكرارهما، وما يميزهما من ليونة جرْس، ورهافة نطق، وهو ما يتجدد في نص « شعاع المغيب:«سكون النفس موج غير ساكن...»ص 9، مع حرف السين. والخارجي في قصيدة «وللأنقاض نحيب»: "تهت عنك والطريق قريب... وموازين مختلة والرقيب رقيب"ص 5، حيث تعاد القافية المشكلة من حرْفَيْ الياء والباء، وما تضفيه على الإيقاع من سلاسة جمالية، وأيضا في:"يكسر موجا علا وتجبر، وقد غيب ضوء القمر، بين مد وجزر..."ص 19، في اقتصارها على الراء كروي.

ـــ اللـــــغـــة: وتمتح من معين التراث بشكل يضفي على المتن الشعري غنى تعبيريا، وسعة دلالية في النهل من معجم يتضمن مفردات مثل: (غيهب، مزن، القتاد، قذى،سنابك، الفلاة، أيك،تروس، جنادل...) مما يرقى بنصوص المدونة إلى مقام لغوي ينم عن بحث قيم في المتون التراثية، وإبحار في ثنايا أضابيرها بغية اكتشاف نَهِم، واستشراف لا محدود لتأصيل اللغة الشعرية لدى الشاعرة باستلهام المناسب والملائم من منابع التراث لإغناء نصوص متنها، وتعميق أبعادها الدلالية والجمالية. فاللغة التي تتوسل بها تخلق صورا شعرية عبر مجازية تعبيرية بحمولات متعددة المرامي متنوعة المسلكيات والاستعمالات من خلال مناحي بلاغية:"بأنياب الليل..."ص 27، في استعارة الأنياب لليل، أو الشدو في إسناد ه لعطر الموج الذي يشدو بعبق الأيام:"وكان عطر الموج يشدو بعبق الأيام!"ص 30، مما نحت صورا بأشكال بلاغية عبر استعارة توالت فيها المعاني بانسيابية وسلاسة، وجناس:"والرقيب رقيب..."ص 9، بحمولات إيقاعية وتعبيرية، وطباق:"بين غروب وفجر..."ص 22، في إحالة على زمن ممعن في التمنع والانفلات راسما أبعادا لا متناهية الحدود والآفاق. بلاغة تتعدد سياقاتها وأنساقها عبر تنويع فني يستعين، إلى جانب الاستعارة والجناس والطباق، بالتشبيه كمكون يمنح المدونة الشعرية ثراء جماليا ودلاليا سواء في اقترانه بالأداة:"بات كنور المغيب..."ص 10، أو انفصاله عنها:"خلت الكون كوكب يقظة..."ص 22،حيث تتآلف عناصر بلاغية (استعارة، جناس،طباق، تشبيه) في تشكيل صور شعرية بصيغ جمالية، وأبعاد رمزية. ومما يغني متن الديوان الشعري الانفتاح على عناصر أجناس أخرى كالحوار (الذي يندرج ضمن جنس السرد):"فقلت لها: مهلا، ترفقي. قالت: أليس بعد الأنين زهو الربيع؟"ص 7، المقرون بجمالية الصورة في انتقال من الجأر بلوعة المعاناة (الأنين) إلى فصل نضارة وإشراق (زهو الربيع) عبر استفهام مشرع على آفاق الإيحاء والتأويل، حوار يتنوع ليغدو داخليا:"أسأل نفسي..."ص 26، في انفتاح ينحو مناحي عدة كاستحضاره لأعلام تاريخيين مثل: هولاكو، والحجاج وما خلفاه من إرث يعج بألوان من جور ومآسي إنسانية ومعرفية (إحراق مكتبة بغداد الضخمة والغنية من طرف قائد المغول هولاكو)، مظاهر القمع والترهيب التي طبعت حكم الحجاج للعراق. وشهرزاد، وشهريار باعتبارهما أبرز شخصيات حكايات ألف ليلة وليلة، وما تزخر به من أحداث تعج إثارة بما تسوقه من خوارق تمتح من مرجعيات وأصول ذات طابع خرافي أسطوري. فضلا عن «تيمات» متعددة المرامي والنزعات من قبيل السؤال الذي يبرز في ثنايا قصائد المجموعة من ثاني نصوص الديوان «همس السنين»:"ألا تسمعين آهات وأنين؟"ص 7، إلى آخر نص فيه موسوم ب«الساقية»:"اسألوا كؤوس الطلا... كم ارتقب العمر وكم تاه السهد؟!"ص 50، في صيغ متنوعة السياق والأنساق. وموضوع الحلم في تمظهرات حبلى بأشكال تعبيرية ورمزية أكثر دلالة وإيحاء كما في نص «أوهام الشروق»:"ليبعده من لجة الحلم..."ص 13، وأيضا في:"وفي حلمه رأى أعلام الإمام والراهب"ص 17. وهناك العديد من «التيمات»، والموضوعات، وعناصر فنية وجمالية يضيق المقام لذكرها، والخوض في فصولها وتفاصيلها استجلاء وتفكيكا واستشرافا...

الكتاب: همس السنين (ديوان شعري).

ــ الشاعرة: لطيفة السليماني الغراس.

ــ المطبعة: مطبعة مرزاق ـ مكناس (طبعة ثانية 2022).

عبد النبي بزاز

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى