الثلاثاء ١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٤
يوميات عاشق
بقلم أشرف بيدس

الوشاح البنفسجى

لست فى حاجة إلى اعتذار. يمكنك لملمة أشيائك فى هدوء. كل شئ كما تركتيه آخر مرة، لم يتغير مكانه، ولم يعبث به أحد. فما زالت رائحتك تعبق المكان، وأظافرك هى آخر ما لمسته. زهورك مازالت تحتفظ بعبيرها، ولكن احذرى أن تجف أعوادها. وشاحك البنفسجى المثقوب كما تركتيه على وسادة أيامى مازال يحلم بدفء الكلمات وحنين النظرات، الصور الخاصة بك موجودة بالألبوم أعلى رف المكتبة، فقد كنت حريصة على التقاط الصور بمفردك، رسائلك المائة ملفوفة بالشريط الأحمر، ولاعة السجائر الخاوية، كتاب كنا قرأناه معا، بعض أدوات الماكياج الفارغة، ومشابك شعرك المتناثرة، يمكنك انتزاع اللوحات البيضاء الخاصة بك من على الجدران، يمكنك إعادة الغرفة لحالتها الأولى، لا حاجة لى بشكلها الحالى. استعيدى أشياءك وارحلى بهدوء. دون وداع، أو نظرة نصفها شفقة والنصف الآخر شهوة، ليس هناك كلمات أروع من الصمت، وليس هناك حاجة لتبرير ما حدث، لن تجدى الكلمات، ولن تزيل العبارات الشيك شحوب الحكايات وتجاعيد الذكريات. امض بهدوء.

لملمى أشياءك المبعثرة فى سنين حياتى وأيام عمرى، ولا تنسى أنفاسك، همساتك، اجمعى ما تشائين وارحلى. كلماتك، عباراتك، لمساتك، لحظات بكائك على صدرى ليال طويلة، وانزعى من على كتفيك يداى التى ربتت كثيرا، وخصلات الشعر الملتصقة بثيابى. ضحكاتك العالية التى كانت تدغدغ احباطاتى وانكساراتى. نظراتك المسافرة فى الأرجاء والأركان وزوايا الغرف، صادرى الذكريات والليالى الجميلة، واطوى الأيام بين راحتيك. ودعينى أتأمل ما حدث، وسوف أبذل قصارى جهدى لإيجاد تفسير يعفيك من الحرج. وسوف ألوم نفسى أشد اللوم، وأحملها ما حدث، واتهمها بأنها..
اتهمها بماذا؟

العصيان المستحيل

ما زالت. مازالت عيناك تحاصرنى. تترقبنى. تتعقبنى. تتلصص على، تعد أنفاسى، وترصد كل تحركاتى. تحدد لى الإقامة الجبرية فى محيطها، وترسم الاتجاهات التى أرنو إليها. تحاسبنى إذا أخطأت، وتعنفنى إذا جنحت، تعاملنى وكأننى طفل، يحتاج إلى تهذيب وتأديب، تفرض على شروطا جائرة بعدم التحرك، والتجوال والنظر إلى أشياء أخرى غيرها، تعقد معى اتفاقا تحتكر به نظراتى وإيماءاتى، اتفاقا يتجدد من تلقاء نفسه، دون الرجوع لموافقتى.

أحيانا تحاكمنى بقوانين باطلة ومجحفة، تحصرنى فى محيط محدود. أتلفت فى المكان بحثا عن منفذ عن مهرب أو حتى هاوية. لكن كل ثقوب الدنيا تفضى إليك. سئمت القيود والقوانين، والإرشادات المدرسية، أحاول الفرار بعيدا، لكنى لا أستطيع. تنفذ داخلى وتحكم قبضتها على مفرداتى ولغتى، فأجد نفسى لا أتكلم بل أسبح فى عالمها وأذوب حتى أتفت، حاولت كثيرا أن أروضها، أن أستبيحها وأجعلها تابعة لى، تنفذ تعليماتى وترضخ لى ولأوامرى. حاولت أن أقودها حيث أشاء ووقتما أريد. حاولت أن أبدل موقعى. لكنى فشلت. اسمحى لى أن أعلن عصيانى وتمردى على عينيك.

وأن أتطاول، وأطالب بحقى فى القصاص منك. أن أتحرر من عبوديتك، وأن أتخلص من كل التماثيل البالية العالقة فى ذهنى، وأحطمها تحت قدماى، وأجعلها ترابا وأحجارا، فما أنت إلا وهم صغير، أستطيع أن أسحقه فى أى وقت. فأنا الذى صنعتك، اسمحى لى أن أفضح عينيك تلك التى استباحتنى، وغررت بي، وأن أعلن للناس بأنك ديكتاتورة لم تمنحنى يوما ممارسة الحب بحرية، اسمحى لى أن أنزع قيودك، وأفتح حدودى، وألغى كل الاتفاقات الذليلة التى عقدتيها معى، اسمحى لى أن أمضى. أن أتخلص من سجنك ومن قبضة عشقك. ولكن متى ستسمحين لى أن أفعل ذلك؟


مشاركة منتدى

  • الان فقط اكتشفت شىْ غريب ..وفقط بعد قلراْة يومياتك ..اقصد افكارك الجامحة برقه في كل الاتجاهات.
    اكتشفت ان للكلمات لون وملمس وروح ...بل وابتسامه و لحظات شرود ..وهى تحاول دائما ايجاد الصديق المخلص الذى يواسيها فى كل هذه المشاعر الرائعة..
    اود ان اشكرك على كلماتك ..و على صداقتك التى اعتز بها جدا جدا جدا.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى