الجمعة ٣١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢١
بقلم علي بدوان

اليرموك ولمحات عابرة من تراجيديا النكبة

تزدادُ اللعنة، وتزدادُ وطأتها إذا فُقدت القدرة على سرد قصّة اللاجىء الفلسطيني في فلسطين ودياسبورا المنافي والشتات. وعلى الإلمام بمركّبات حياته السياسيّة والإجتماعيّة بعد عقود طويلة من عمر النكبة.

وكما قال أحدهم أيضاً: إذا كان أحد الروائيين الروس قد قال "إنّ حياة أي فرد من عامّة الشعب (ناهيك عن مماته..!) يُمكن لها أن تكون قصّة عظيمة إذا رويت بطريقة جيّدة، فإنّ أعظم عُقد العيش ولحظات الملاحم يمكن لها أن تُنسى وتصدأ، إذا تُركت للحكّائين الرديئين وأهل الإقتباس".

هنا، لا تزال المعادلة التي إبتدعها الروائيّ الفلسطينيّ جبرا ابراهيم جبرا في روايته "السفينة" قابلة للتحقق عبر مختلف الأزمنة، وإن إستلزم الأمر (منذ البداية) تعديلاً في بنياها اللغويّ. الفلسطينيّون كلّهم شعراء، لا بالفطرة، بل بالإكتساب. كان السرّ، حسب المعادلة، هو الجمع بين جمال الطبيعة والمأساة.

نحن من عائلة فلسطين، العائلة الكبيرة التي تجمع كل أهل فلسطين، عائلة من تلك الشجرة التي أُمرَ الأنبياء بعدم الإقتراب منها, لكن البعض يعمل ومازال من أجل قتلها بالحال بالجفاف واليباس والتنكيل، ومع هذا فما زلت رغم الشتات والهيام في القفار وعلى قوس المعمورة وبحارها المالحة، ذات أوراقٍ خضراء يانعة.

أذكَر في اليرموك، كيف نشأت، وكيف ترعرعت، بين رفاقي وأحبتي وأصدقائي من أبناء شعبي، من رحم شعبٍ مازال منذ أزل التاريخ صاحب الأرض والماء والحجر والهواء، من العصر الحديدي والبرونزي، والعصر الديفوني والكمبري والبريكامبري، من عهد الكنعانيين وسليمان وداود والعرب العاربة والبائدة والقيس واليمن ...

عشت طفولتي وفتوتي، في مخيم اليرموك، ودمشق الشام، أبحَثُ عن تلك الأيقونة الفلسطينية التي أضاعوها لنا، وطلبوا منّا نسيانها. أبحَثُ على الدوام من أجل فلسطيننا في شتى الشتات في مكنونات العالم اللامنتهي، وفي أراشيف الدول والجامعات، مع العلم أن شجرة شعبنا وورقها ووريقاتها وأزهارها وجلنارها وورودها وزنبقها، كلها كفيلة في تقديم الأجوبة القاطعة التي تَبِزُ كل بحث أكاديمي مهما أمتلك من مالٍ وعنادٍ وزادٍ وعتادٍ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى