الثلاثاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم علي دهيني

بتنا على أمل وصحينا على خيبة

هذا كل ما يمكن أن يقال بكل مشحونه المتشائم.

ليس المطولات ونقل الواقع إلى حروف هو ما يفيد، فالصورة أصدق إنباءً.. وما يجري في الشارع من غضب حقيقي غيرمغسول بتهمة سياسية، كافٍ لأنه هو المراد من الكلام، وهذا يعني أن الشارع بكل ما فيه بات أقوى من أي كلمة..
وهو تحرك فعلاً..
شارعٌ استوجب نداءً تلبية لندائه، فاجتمع من اجتمع بالدوحة، وقال لهذا الشارع نحن نفهم غضبك ونحن مثلك غاضبون..!
واجتمع من اجتمع في شرم الشيخ وقالوا لهذا الشارع : يريدون أن يسرقوك.. نحن ننظر إلى مستقبلك.. ونعمل لمصلتحك.. أنت مغررٌ بك..!
وجاء الموعد في الكويت..
جاء وقد أصبح الشارع أكثر غضباً..
الكلمة غضب، الهتاف غضب، اللافتة غضب، القصيدة غضب، اللوحة غضب، المسرحية غضب.. حتى رسائل الإنترنت المتبادلة.. غضب.
كل العواصم صرخة واحدة.. أوقفوا القتل..
والتقى الجمعان، دوحة وشرَماً..
المشهد الأول

وإذا بصوت متهجدج يشتري العزيمة من المرارة ليتلوا كلماته مستلهماً صرخات آتية من دوي المدافع، ممتطياً صهوة إرث عربي عريق.. يُوصِّف الحالة بكل ما فيها من دم بريء يراق بكيد وغدر.. بكل ما فيها من أشلاء.. بكل ما فيها من دموع ودمار...

جاءت كلماته تجبُّ ما قبلها في كل القصور العربية وصدور ساكنيها، وقال : اليوم يوم الوحدة والتآخي ونبذ الأحقاد.. هلموا نشتري وحدتنا ونصفي قلوبنا.. وليولد اليوم عالم عربي بلسان واحد وقلب واحد. وفعلاً كان هذا المأمول منه والمنتظر، ولم يخيّب الظن.

(تصفيق حاد)

فَغَر فاه الشارع.. امتدت الأعناق نحو الشاشات، حرك المندهشون آذانهم يصيخون السمع.. فقد قرب الفجر..

ستكون القلوب واحدة، ستكون العيون واحدة، الكلمة، وهي الأهم، ستكون واحدة، وسيندحر العدو مُمَرّغ الأنف، فالكلمة الآن للأمة التي انتفضت بليلة واحدة.

سنداوي جرحى الثمانية آلاف ونصلي على أرواح الشهداء منهم، فهؤلاء جميعاً يستحقون أن يكونوا سبباً لتتوحد الأمة.
المشهد الثاني

أخذت الدهشة العقول، كما العيون والأسماع، بتحقيق الأمل المفقود منذ أمد بعيد..

صبيحة اليوم التالي.. الضمير العربي يتهيأ لتلقف الوثيقة التي تُثبت ما تم العزم عليه ليل أمس. يتفرس الوجوه على المقاعد الوثيرة.
(ملحوظة، المقاعد أحضرت خصيصاً لهذا الاجتماع ولن نكشف عن ثمنها كي لا تكون دعاية مجانية، لكن حتماً أغلى من الدم الذي نزف، لأن جلودها أغلى بكثير من الجلود التي سلختها القنابل الفوسفوري).
المشهد الثالث

عدسات المصورين تنقل مشهداً مفاده أن صاحب النداء غادر ولن يحضر الاجتماع..!!؟
البقية من القادة ممن يُعوّل على مشاركتهم في صنع القرار غادروا..
المشهد الرابع

طرقات ثلاث تعلن تلاوة القرار... ات.
اجتمعت الأمة، وناقش القادة..
(صوت.. ـ ولعله الضميرـ القرارات يا أخين)
وناقشت جدول الأعمال..
(القرارات يا أخينا)
ناقشت بيان الدولة المضيفة..
(القرارات يا أخينا)...
المشهد الخامس

صوت من زاوية بعيدة: اجتمع الوزراء صباح اليوم وألغوا كل ما قاله الصوت المتهدج ليلاً..

*****
ملحوظة أخيرة وأقسم أني لن أعيدها.. الوزراء هم ذاتهم الذين اجتمعوا سابقاً وأحالوا الأمر إلى مجلس الأمن. وبالمناسبة، فإن أحدهم كان يجلس قرب الأمين العام في المؤتمر الصحفي، وقال رداً على سؤال تأجلت الأمور لنرى الموقف الجديد للإدارة الأميركية الجديدة، وموقف الدول الأوروبية.. ولعله نسي بالبديهة أن يتذكر موقف الشارع العربي بأمه وأبيه، وتمنيت أن يقول له أحد : لماذا لا ينتظرون هم ما يجب أن نفعله نحن.؟؟
صدق أحد الوزراء حين قال : ما أطوعنا نحن العرب.. وكم نحن مؤدبون وننفّذ الأوامر بخذافيرها.!
توضيب نجاة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى