الأربعاء ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢
بقلم محمد جمال صقر

بحث ابن كذا

صيف 1998 كلفتني كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس العُمانية، تدريس الاستشراق (استكشاف الحضارات الشرقية) -وقد قصرتُه عندئذ على الاستعراب- فاشتغلت بنقد نظام التفكير العربي حتى كتبت فيه مقالي المنشور بالعدد 30 من مجلة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة "رعاية النحو العربي لعروبة أطوار اللغة والتفكير"، وكانت احتشدت لي في أثنائه نصوص أخرى كثيرة، اجتمعت على دعوة واحدة إلى "تفجير نظام اللغة والتفكير"، فكتبت فيها بهذا العنوان مقالا عَجَزَ عن شأوها فلم ينتشر!

ثم رغبتُ صيف 2003 إلى المجلس الأعلى للجامعات المصرية في ترقيتي إلى أستاذ مساعد؛ فطالبني ببحث مرجعي عاجل لا يتجاوز إنجازه الشهر؛ فأبتُ إلى نصوص تلك الدعوة وما انضاف إليها لديّ بعدئذ مما يشبهها، وقلبتُ فيها الرأي حتى قصرتُها على تفجير نظام الشعر العربي، ثم استنبطت منها في ضوء نظرية النحو الفلسفي أو الكلي التشومسكية، ما سميتُه أعمال التفجير الثلاثة (النحوي والصوتي والدلالي)، ثم وقفت على كتاب الدكتور عبد الكريم حسن "لغة الشعر في زهرة الكيمياء بين تحولات المعنى ومعنى التحولات"، الذي جعلتُه من "سَبْر التفجير بنفسه". وعلى رغم إهمال الدكتور عبد الكريم من كتابه أحد أعمال التفجير الثلاثة (التفجير الصوتي)، عرضتُه له عرضا، ونقدته، وانتهيت إلى وجوب سبر أعمال التفجير الثلاثة كلها بأعمالِ نقيضِ التفجير (التحجير)، ثم قصرتُ مقالي على سبر هذا العمل الذي أهمله، ولاسيما في مستواه العروضي.

لقد جعل الدكتور عبد الكريم همه في هذا الكتاب قصيدة أدونيس "زهرة الكيمياء"، فآثرت عليها "هذا هو اسمي" التي آثرها أدونيس نفسه، ثم وازنتها بقصيدة له تستحق الوصف بالتحجير"قالت الأرض"، وزنا، وتقسيما، وبحرا، وتقفية، وتدويرا، وتفاعيل، ورسما- حتى انتهيت إلى أنه "ليس يمتنع أن يتحجر المتفجر أي أن يُتعود فيسقط عنه التأثير، فيتفجر المتحجر أي أن يُراجع وتُقطع به العادة فيتعلق به التأثير ما صَحَّ تشبيهُ الشاعر عمله باللغة بعمل الفلاح بالأرض؛ فإن العمل الذي يقلبها ظهرا لبطن مرة يقلبها بطنا لظهر مرة أخرى؛ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ؛ صدق الله العظيم"!

كانت لجنة اللغة العربية في كلية الألسن بجامعة عين شمس، قد اجتمعت على عدم ترقيتي، فرأَتْ أَلّا حاجة إلى إفراد هذا البحث المرجعي وحده بالقبول! ثم زرتُ بعدئذ عضوين من أعضائها: أما أولهما ففرح بزيارتي فرحا شديدا حتى قال: الحمد لله! لقد خفت أن تلعننا جميعا! وأما الآخر فضاق بي ضيقا شديدا حتى قال: لقد دخل علينا أول اجتماعنا فلانٌ، فقال: هل قرأتم بحث ابن كذا، وسبَّني متظاهرا بنقل السَّبّ! يقصد هذا المرجعي "تفجير عروض الشعر العربي"! ثم ضرب الدهر ضرَبانه، فإذا نادي دار العلوم بالقاهرة يحتفي بفوزي أنا والمُدَّعَى عليه سَبِّي، ببعض الجوائز المصرية الرفيعة، ويجمع بيننا على مقاعد المنصة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى