الاثنين ٢٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بين اللغة والدين
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

بحث عن المعاني والمصطلحات اللغوية

الجزء الثاني

خطبة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)
في حجة الوداع – وحرمة الناس:

خطب رسول الله محمد (عليه الصلاة والسلام ) في حجة الوداع خطبة إذا قرأناها بتمعن توصلنا الى الإيمان بوحدانية الله ووحدة الكتاب ووحدة البشرية.

نص الخطبة
أيها الناس:
اسمعوا مني أبين لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.

أيها الناس:
إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!

أيها الناس:
إنما المؤمنون إخوة، لا يحل لامرئ مال أخية إلا عن طيب نفس منه
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!

أيها الناس:
إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى
ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد!

فكان من أبلغ ما قاله محمد (ص) في خطبة الوداع قوله ((يا أيها الناس)) مخاطبا كل البشر – و لا بد لنا من شرح كلمة (الناس) في هذه الخطبة لنفهم أبعادها و معناها، متجاوزين التفسير التقليدي الذي سمعناه من المفسرين ، فمنهم من فسر الناس بأهل مكة ، و منهم من فسرها بالمسلمين ، و منهم من فسرها خطاب لمجموعة من الناس من الذين كانوا أمامه يسمعون الخطبة ، و لكن حقيقة أمرها أنها دعوة لكل الناس منذ أن خلق الله الناس الى قيام الساعة بأن يكونوا أخوة في الأيمان بالله .
قال محمد (ص) ((أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.)) – وبذلك كان كل الناس عباد و عبيد لرب واحد هو الله سبحانه.

و قال (ص) ((لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا – كتاب الله وسنتي)) - ( وفي رواية و عترتي أهل بيتي ) – لكن صيغة المفرد في جميع النص الذي وصل الينا عن خطبة الوداع جاءت لتؤكد أن ما ترك الرسول ليتسمك به الناس من بعده هو كتاب الله – بالمفرد – وما جاء بعد ذلك يبقى معطوفا على هذا الكتاب – فهذا الكتاب هو أصل السنة وهو أصل العترة.
و إذا تعمقنا في نص خطبة الوداع في الفقرة التي دعى بها الى التسمك بكتاب الله قال (ص) (( أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فلا ترجعن بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد)) – و كأنه بآخر خطبة لرسول الله (ص) جاء بتحذير من فتنة بين بني البشر، فيستحلون دماء من لم يدخل في دينهم حتى لو كانوا يعبدون الله الخالق . او هي تحذير من اختلاف بين اهل الدبن الواحد تعيد الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض و عليهم في ذلك الامر، إذا وقع بينهم ، التمسك بكتاب الله لإنه الموحد بينهم الذي يعيدهم الى الاخوة بالإيمان فلا يضرب بعضهم رقاب بعض.

وقال في خطبته أيضا ((أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها)) –(1). فحرم بذلك على كل (الناس) بني البشر التعدي على هذه الحرمات إلا بالحق ، فلا يؤخذ مال إلا بحق ولا نفس إلا بحق ولا عرض إلا بحق، كما جعل من ذلك اليوم يوم حرام و من ذلك الشهر شهر حرام لكل الناس و ذلك البلد الحرام بلد حرام لكل الناس، فلا يدخله الناس إلا بالحق – حجاجا أو معتمرين.
فكيف يحلل بعض الأئمة أكل أموال الناس بالباطل و لو لم يكونوا من ملتنا !!! و كيف يحل لنا سفك دم الأبرياء من الناس ولو لم يكونوا من طائفتنا !!!! وتدمير منازلهم وممتلكاتهم وكيف يكون لنا هتك أعراض الناس بغير حق !!!!! والناس هم كل من خلق الله من بشر ، فالقاتل يقتل و لا يؤخذ حق من قاتل بقتل غيره ولو كان أبوه أو أخوه او إبنه و أبن قريته أو مدينته أو بلده أو ملته أو طائفته . لقد ضلوا كما ضل الذين من قبلهم فقالوا مثل قولهم ، بين لنا الله في القرآن بطلان قولهم فقال ((وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 72 وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 73)) – سورة آل عمران

فمقولة لا تؤمنوا الا لمن تبع دينكم قالتها طائفة من أهل الكتاب ، فأمر الله الرسول ليرد عليهم فيقول إن الهدى هدى الله معلنا بطلان هذه المقولة و ضلال قائليها.

يجب على كل انسان متعقل، أدرك هذه الحقائق بضميره ان يبين لمن حوله من الناس ابعاد معتقدهم الديني بطريقة وادوات علمية صحيحة ، ويصحح بالعلوم ما اصابهم من جهل و خرافات وينفض عنهم سيطرة الافكار الدينية المتطرفة الى حدود الكفر والخرافات التى يطلقها الكهنة والمتفلسفون والساعون الى السلطة فقط لأجل السلطة ، وينقلهم الى دين الحق والعقل والتفكر والتدبر الى دين الرحمة و العدل.

لذلك كانت نتيجة التفكير العقلاني والعلمي تصل بنا دائما الى الحقيقة الدينية والى جوهر الدين ، عند ذلك يستطيع المفكر والمتدبر ان يخرج من دائرة التعصب الديني والكفر اللاديني ( الذي يظنه البعض علمي) على حد سواء ، فلا يعود المتدينون يتمسكون بخرافات واباطيل لا اساس لها من الدين، ولا يعود المتعلمين والمثقفين على طريقة الغرب العلماني متمسكين بفكرة (الدين افيون الشعوب)، لان الدين لا يكون افيونا الا عندما يجعل المستمع يقبل مقولات وفرضيات دون تمحيص او دراية، بينما يصبح محركا قويا لانسانية الانسان ودافعا الى التقدم و التراحم والسمو الى الدرجة التي ارادها الله لنا، لقد باهى بنا الملائكة، لذلك عندما خلق آدم أمرهم بالسجود لآدم .

عندما ننتقل ببني آدم الى الدرجات السامية و العالية من الطهر والايمان الى مرحلة التدبر والتعقل والتفكر العميق لكل الظواهر والبواطن والافكار والمقولات، فيصبح الدين عندها (محرك الشعوب الاول نحو التطور )، خاصة اذا استطاعت هذه الافكار العلمية والعقلية ان تبرهن الحقيقة الدينية وان تؤكد ثوابت الدين، فتنفي الدخيل الى غير رجعة وتمسح من ذاكرة الناس كل الخيالات والاوهام، وتبقي فقط على ما هو حقيقة وبيان، لذلك حض القرآن الكريم على التفكرو التدبر.

فاذا اصبح الفكر الديني عند الناس مقرونا بالتفكر والتدبر اصبح فكرا سليما لدين سليم ، يقول القران الكريم ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ 22 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ 23 أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا 24 )) - سورة محمد – فإذا احتسبنا أننا ابناء رجل واحد وامرأة واحدة ( آدم و حواء ) ووصلت بنا صلة الرحم الى ابينا هذا وحرم علينا أن نقطع ارحامنا إن تولينا الولاية، وحرم علينا ان نقتل بعضنا بعضا بإسم الوطنية و القومية وغيرها من المقولات الباطلة.

ويقول الله تعالى (( افلا تعقلون )) ويقول ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ 27 وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ 28 إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ 29 لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ 30 وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ 31)) و كل ما جاء به الرسل في الكتب والرسالات هو الحض على التفكر و التدبر واستعمال العقل في الامور كلها، وأن هذا القرآن هو الكتاب المصدق لما جاء من قبله من الكتاب.

على عكس ما أمر به الله في كل الدين من التعقل و التفكر و التعلم و العمل، نرى ارتالا من أتباع الدين يشددون على الاستكانة والاستسلام لما يقال و يفضلون عدم النقاش في الامور الدينية ، فينشرون مقولات تبدو في ظاهرها من الدين ولكنها في باطنها ( افيون مخدر ) واذا اعترض احد على ما يقولون به يكون خارجا على الملة .

وهذا ليس بعيدا عن اصحاب العقول العلمية الجامدة الذين لا يؤمنون بالدين الالهي يقولون للناس (داوموا على اليوغا و تصفية الزهن ترتاح نفوسكم، او حافظوا على الرياضة الصباحية تصح اجسامكم)، ولا يقبلون ان يقال للناس داوموا على الصلاة فترتاح نفوسكم واجسامكم، وكلا الفريقين متعصبون عن الحقيقة. فالذين يردون كل الامور الى الدين بمفهوم الملة مخطئون، والذين يردونه الى الصدفة او الحياة وان الطبيعة هي ام كل شيء مخطئون ايضا وتائهون وضالون.

من هذا الكلام ندرك ان الحقيقة الدينية لا تقل اهمية عن الحقيقة العلمية و في الاثنين معا القدرة على تحديد ورسم الدين الصحيح والتاريخ الصحيح والسراط المستقيم، لذلك يجب ان تبني هذه الحقيقة الثابتة على اساس متين من الدين والعقل .

والسراط (الصراط) هو الطريق و العاقلون يسيرون في وسط الطريق فلا هم متطرفون الى الطرف الأيمن و لا هم متطرفون الى الأيسر ، وفي كلا الطرفين الهاوية التي حذرنا الله منها و النار التي وعد بها المتطرفون الى هذا الطرف أو ذلك.

هل يصاب الناس بضرر كبير اذا قلنا لهم بان الله يعطي الذي يتصدق على الناس اضعافا مضاعفة ، ام ان المثقفين العلميين العلمانيين العقلانيين يريدوننا ان نقول ان الطبيعة هي التي ستفعل ذلك ، وهل الطبيعة اخبرتهم بذلك ، هناك كثير من هؤلاء يرددون مقولة ( ان الدين انما يجلب على الفرد خسارة فقط - فاي نفع تجديه اذا قمت بدفع مبلغ من المال لشخص لا تعرفه وهو لا يعرفك ؟؟ ) وهؤلاء انما ينطلقون من حياة الفرد المتفردة والانا الانانية بغض النظر عن مردود ذلك على النفس البشرية ، وعلى هذا الاساس الاناني تصبح كلمات العطف والتسامح والعطاء عند الكثير من العلمانيين بلا معنى ، وعن اي انسانية يمكن لهؤلاء العلمانيين الذين لا يؤمنون بالدين ان يتحدثوا ؟

ان الذين يحاولون التاكيد على الحرية الفردية المطلقة انما يسعون الى الغاء تلك الحقيقة المجتمعية التاريخية العلمية التي تسمى الدين ، تماما مثل الذين يحاولون الغاء دور الفرد نهائيا في التفكر و التدبر بربط كل تفكيره في الكل . وخير الامور بين هذين يكمن بين العقل والدين ، فكما أنه لا عقل بدون لغة ، فلا دين من غير عثل ، فالدين هو جوهر العقل و العقل هو جوهر الدين - تربط بينهما اللغة التي برموزها و كلماتها و حروفها و معانيها يكمن معنى الدين.

الجزء الثاني

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى