الثلاثاء ٧ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
بين اللغة والدين
بقلم محمد رشيد ناصر ذوق

بحث عن معاني ومصطلحات لغوية

الجزء الأول

ما هو الدين؟
 يعرِّف الإنسان الدين في الأساس وعبر كل العصور التاريخية بأنه اعتقاد الناس وإيمانهم بأفكار ومبادئ تصل عندهم إلى حد الإيمان والتسليم المطلق بكل ما جاءهم به الرسل من كيفية خلق الكون وما يوجد فيه، سكانه وكواكبه ونجومه ومجراته وما يتكون منه المخلوقات المنتشرة في هذا الكون، إضافة إلى مبادئ وقوانين تحكم علاقات الإنسان بربه الذي خلقه وبإخوته من بني الانسان وجيرانه من المخلوقات المنتشرة في هذا الكون العظيم الذي كلما مر الزمن تأكد للناس أن ما يعرفونه عنه وان أسراره أقل بكثير مما يجهلونه وان الله سبحانه هوالذي يكشف هذه الاسرار لمن سار على طريقه من سر الى سر.

لقد وصل إلينا الدين كما يعتقد المؤرخين بواسطة الكتابة والرسومات القديمة التي تركها الإنسان – لذلك حملت الكتابة التي هي رسم اللغة قدسية عند كل البشر - وكلما مر الزمن ثبت للناس ان الدين كان موجود اصلا عبر كل الحضارات وعبر مسيرة الانسان، ولولا الكتابة لما وصل الينا الدين كما وصل، بل ربما وصل الينا الدين عبر روايات الرواة فيغير هذا نصا ويبدل ذاك اسما ، لذلك كان على كل المؤمنين بوجود الخالق من المؤرخين ربط الكتابة بالدين أصلا لاعتقادهم المطلق بشكل فطري أن كل هذا الكون قد خلقه الخالق ليكون من أجل خيرهم ومصلحتهم – بخلاف الملحدين الذين ظنوا أن الكتابة هي نوع من الفنون وشكل من أشكال الزخرفة الكونية التي طرأت على حياة الناس مع تطور الحضارات.

لقد اعتنى الناس بالكتابة نظرا لأهميتها في تعميم خير المعرفة والعلم، والمعارف والعلوم، فكان إيمان المؤمنين أن كل علم ومعرفة تهدف وتوصل إلى تمكين الإنسان من استعمار ( وإعمار) هذا الكون بشكل أفضل وكلما ازداد الانسان معرفة ازداد الإيمان بخالق الكون وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكان من أهم ما جاء به الدين هوالايمان بالحياة الأبدية، مما يعني أن الموت لا يكون بالنسبة للإنسان نهاية النهاية بل هومرحلة انتقال الى حياة أبقى..

من هنا كان الدين والإيمان ايضا- عند المؤمنين بالخالق - عقد وعهد في قلب كل مؤمن منهم، بينه كعبد وبين الخالق كمعبود.
وحيث ان من المسلم به منطقيا وعقلبا أنه لا بد لأي عقد أوعهد من لغة تضبط فهم نصوصه، من هنا كان اهتمام اهل الدين بضبط اللغة، حتى لا يحرف الدين أويبدل وحتى يحفظ لأجيال وأجيال دون تحريف.

الملفت للنظر أن لغة الدين بالمفهوم التاريخي للكلمة وعلى حدود معرفتنا – ( هم الساميين – حسب تقسيم العالم الألماني شولتز للغات العالم )، فنرى مجموعة من الكلمات (السامية) المشتركة المتداولة بين شعوب العالم، في الحضارات القديمة قي مصر وبلاد مابين النهرين وفي حضارات الهند وأديانها التي تعود الى هجرة تاريخية ما من المنطقة السامية الى ضفاف الهند (1) ، لذلك اتفق أكثر المتدينين بفطرتهم السليمة أن اللغة المشتركة التي ضُبط بها الدين على مر العصور هي (الارامية – السريانية – العبرية –العربية)، فقالوا أن الأسماء المتعارف عليها في الدين، رب ايمان – عبادة – صلاة – ال – اله – الله – قربان – بعل – إنما هي مفردات من اللغات السامية بلهجات متقاربة جدا الى حد التطابق، وكانت مفرداتها أيضا أصل التسميات للأنبياء والرسل والحقوق والواجبات، وكانت لغة الصلاة للإنسان المتدين عبر كل العصور هي من هذا النبع ومن هذه الاصول، ولقد اعترف أكثر علماء الآثار ايضا ان هذه اللغة هي التي بها تم إدراك الإنسان لذاته ولربه وبواسطتها اكتملت المعرفة، وبها بنى فيها الانسان الحضارات وترك لنا آثارا تشهد بذلك في - مصر –سومر –بابل – اكاد –فارس – الهند وجيرانها فجاءت نصوص الديانات القديمة والحديثة الغربية والشرقية والتوراة والإنجيل والقرآن وديانات الهند لتؤكد بالنصوص ( آراميتها – آرابيتها أي عربيتها) ثم جاء القرآن ليؤكد بالنص القاطع ( عربيتها – أي آراميتها ). أيضا، هذه العربية- الأرابية – الارامية التي حيرت العلماء وعشقها المثقفون عبر التاريخ من كل الأديان وأحبها كل انسان لمس الفطرة، وقدرها الجميع ورتلها الى جانب لهجتهم ولسانهم فكانت لغة صلاتهم التي يتوجهون بها الى الخالق.

هذه اللغة تعلم منها فلاسفة اليونان وأحبار روما معنى الايمان بخالق البشر.
وعندما وصلت الى السنة السياسيين كالرئيس اليوغوسلافي الأسبق ( جوزف تيتو) الذي قال عنها في القرن الماضي – انها لغة المستقبل ( 1) – مجلة العربي، هذه اللغة قال فيها مؤخرا الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي ايضا بأنها لغة المستقبل (2) جريدة الحياة العدد 16723- الصادر في 16/1/2009

لا بد للدين من لغة تضبط نصوصه:
ونحن إذا ادركنا أن الدين عهد ووعد بين الخالق والمخلوق وايمان بعلم ومعرفة وانه لا بد له من لغة تضبطه وتحفظه من التحريف، لا بد لنا من أن ندرك ايضا أن الدين لم يأت به الرسل لشعوب بعينها إنما كانت دعوة الرسل دائما لكل الناس، فمن آمن بذلك كان من أهل هذا الدين وكان عليه أن يضبط لغته ولهجته لتتوافق مع نصوص الدين.

لقد ضل الناس كثيرا في مقولات القومية والامة مستندين بذلك الى تفسير خاطئ لنصوص جاءت في الكتب السماوية، ولكن الامر التبس على أكثرهم فوضعوا تفسيرا لكلمتي ( قوم وامة ) بخلاف معناها الحقيقي فظنوا أن الناس أقوام متفرقة - فمنهم من اعتقد ان الاديان اقوام وان الاقوام اعراق - كقوم موسى وقوم لوط وغيرهم، ومنهم من اعتقد ان حدود سكن الناس في بقعة جغرافية تعني أمة، كالأمة الفرنسة والألمانية، ومنهم من اعتقد ان اللغات نتاج لعرقيات كالكردية والتركية والفارسية وغيرها ولا بد لنا من شرح معناها ليستقيم المقال، ويتبين للقاصي والداني أن الدين جعل للناس جميعا دون تفريق وفرز، وأن الناس أمة واحدة منذ خُلق آدم الى نهاية الزمان وأن اللغة التي لابد للإنسان ان يعتقد بها مع اعتقاده وإيمانه بالدين هي ( العربية – الارامية ).

اذا أخذنا مثلا ما جاء في القرآن الكريم من آيات فيها كلمة قوم – وفهمنا عمق معناها تبين لنا إن كلمة قوم تعني من قام من الناس في حياة نبي معين ((وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ )) - 54 البقرة - فقوم موسى الذين إتخذوا العجل هم من كان على قيد الحياة من الناس في عهد موسى، ولا يعقل أن ينسجب هذا على كل من آمن بموسى بعد ذلك.

ونرى ذلك بوضوح في الاية التي تتحدث عن استسقاء موسى لقومه (( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ 60)) – البقرة - فهل يمكن أن نعتقد ان موسى استسقى لكل اتباعه ؟ لمئات وآلاف السنين و الى يومنا هذا – وهذا بعيد عن المنطق السليم لذلك فقومه هم من عاشوا معه في ايام حياته

وفي ابراهيم ((وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ 80 )) – الانعام، وقومه هنا تعني تماما من كانوا قائمين وعلى قيد الحياة في ايام حياته.
ويخاطب القرآن محمد ( ص) فيقول عن القرآن ((وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوالْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ 66 )) – الانعام - وكيف يكون لنا الاعتقاد انهم صدقوه وكيف إذا كذبوه وهم قد صدقوه !!!! وهل نستطيع ان نسمي الذين يعيشون في عصرنا ( قوم محمد) أو( قوم موسى ) أو( قوم عيسى ) ؟

لذلك وتصحيحا لخطأ في اللغة والتفسير فإن جميع المؤمنين بالله الذين يعيشون في عصرنا وفي كل العصور هم أمة واحدة موحدة منذ فجر التاريخ والى نهاية الزمان يجمعهم بذلك الايمان بالله، والمؤمنون هم أمة محمد ومن جاء قبله فهم امة عيسى وموسى وابراهيم ونوح لأن كلمة أمة تعنى إجتماع الناس على أمر واحد ومعتقد واحد ودين واحد - والدين الذي ارسل لجمبع الناس على كل الرسل واحد ولكن الناس جعلوه اديان – وجعلواتباع الرسل اقوام وليس من الناس في عصرنا من هم من قوم أي من هؤلاء الرسل، فإن كلمة قوم تعني تماما من كان على قيد الحياة من الناس في زمن معين ولا تعني قومية بعينها اوشعب بعينه ولا دين بعينه ولا لغة بعينها، كما أن الكلمتين قوم وامة لا تعنيان ابدا – أرضا وحدودا ولغة وعادات وتقاليد – كما يعتقد البعض، واللغة لا تعني ايضا حدودا جغرافية لشعب بعينه من هذا المنطلق فكل القوميات باطلة، والعرقيات بدعة والقبليات تعصب- وإنما امر الدين إيمان بخالق وعهد ووعد –يضمن بقاء هذا العهد صحيحا دون تحريف لغة جعلها الله للناس و حفظها الله ليبقى الكتاب دون تحريف وان اختلفت الالسن في لهجات متقاربة كما بينت ذلك في أكثر مقالاتي، فالناس إذا أمتان – امة الايمان وامة الكفر وكل ما يقال في عصرنا من قوميات واعراق باطل اصلا، وجميعنا من عرق واحد بني آدم – واللغات لغة ارسلها الله وعلمها لآدم وهي الارامية – اوالسريانية او العربية، أما العجمية فهي كل ما أختلف وتحرف من هذه اللغة على مر العصور حتى ابتعد المعنى عن الاصل ، وكل ما قيل أويقال خلاف ذلك باطل.

وإذا اردنا أن نعرف تماما معنى كلمة أمة فالامم ما يقال للطير والدواب والنحل والنمل ((وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38 )) – سورة الأنعام

هكذا تصبح صورة الانسان الذي اراد الله ان يجعله خليفة في الارض وهكذا يكتمل الدين الواحد من الإله الواحد بكل تفرعات الدين وتشعبه بكل كتبه ورسله (( حم 1 عسق 2 كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 3 لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوالْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 4 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوالْغَفُورُ الرَّحِيمُ 5
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ 6
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ 7 )) -
لقد جعل الله من الناس أمتين، أمة الإيمان التي أدخلها الله في رحمته وأمة الكفر التي خرجت بظلامها
وَلَوشَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ 8 أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوالْوَلِيُّ وَهُويُحْيِي المَوْتَى وَهُوعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 9 وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ 10 فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ البَصِيرُ 11 لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 12 شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ 13 وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ 14

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ 15)) – سورة الشورى
هذا الدين الواحد الذي بدأ منذ اليوم الأول لخلق آدم من مكان واحد وبلغة واحدة.

لقد حاول العديد من علماء الآثار التملص من هذه الحقيقة الثابتة التي تقول بوحدة الحضارة والدين واللغة ، فعاينوا المكتشفات الأثرية في العالم القديم وجاءوا بمسميات جديدة لأسماء قديمة – كل حسب لهجته ولغته – لكنها لا تبعد أبدا عن هذه اللغة، فآدم وأدبا هم شخص واحد بالإبدال بين الميم والباء ، وبعل وإل هوالعالي، ورام هوالرب، لذلك تبين للمتبصر أن اللغات التي كتبت بها الآثار كالبابلية والفينيقية والأشورية و( السومرية ) إنما هي فروع من هذه اللغة التي أطلق عليها العالم الألماني شولز تسمية ( اللغات السامية )، لقد عاين العلماء هذه اللغات ثم اكتشفوا التقارب بين الحامية والسامية ومؤخرا بدأنا نرى أبحاثا ومقالات ( ولي عدة منها ) تعيد اللغات الهندية الاوروبية والرسومات الأولى كلها إلى لغة بعينها، وأيضا هناك العديد من علماء الهيروغليفية الذين ناقشوا هذا الموضوع وأعادوا المصرية القديمة إلى هذا الباب أيضا.

لكن ما جعل الكثيرين من الباحثين يحاولون إغفال هذه الحقيقة هومقولة علمانية حديثة – تقول ان العودة الى الكتب الدينية لم تثبت صحة التطابق بين المكتشفات الاثرية والنصوص الدينية– معتقدين ان العودة الى الدين تخلف والابتعاد عن الدين هوالسعي إلى التطور مستنبطين مقولات منها مثلا ( الدين أفيون الشعوب ) ظنا منهم أنهم بابتعادهم عن النصوص الدينية سوف يصلون بالإنسان إلى كمال علمي ومعرفي والى تعليل تاريخي علمي صحيح لنشوء الكون فأخطأوا في ذلك كثيرا، فدارون الذي وضع نظرية النشوء والارتقاء، والذي يعتقد أن الانسان متحدر من القرود اثبت العلم الحديث بطلان نظريته من خلال القدرة الانسانية على الكتابة والفهم من الكتابة بخلاف كل الحيوانات ومنها الفرود، والتجربة اثبتت أن الطفل يستطيع أن يميز على الورق – صور واشكال الفاكهة بينما لا يمكن للحيوانات أن تميزها إطلاقا.

متى يكون الدين افيون الشعوب.
اننا عندما نقول ان الدين من عند الله نكون قد اصدرنا حكما وقرارا مسبقا على المستمع والزمناه ان ليس للجدال مكان في كل ما قاله رب العالمين ، فينتج لديه شعورا بقوة عظيمة تشده لذلك المعتقد ( ولكن عندما يفسر الكلام بغير معناه ويوضع ضمن أطر محددة ويوضع الحظر على تفسير النصوص لايعود هذا الدين خاضعا لسلطة العقل والايمان بل لتسلط مجموعة من الكهنة والمتبعين الذين يفسرون الإيمان والدين على هواهم – متسترين بالدين جاعلين منه سلعة وتجارة ومطية الى نفوذ وتسلط ) فترى هؤلاء يصدرون بدورهم احكاما على الناس، فيكفرون هذا ويخرجون هؤلاء عن الملة، متمسكين برأيهم وتأويلهم لنصوص الدين – وإن كان أكثرهم لا يعقلون، (( ان الديانات التاريخية تعزي بمفهوم اتباعها الى مصدر الهي من هنا كان الناس يعتنقونها غير مجادلين فيها وعندما ينضج المعتقد الديني في منطقة الاشعور وغير الارادي يمنحها قوة عظيمة ولذلك كان لها شان كبير في التاريخ ولا تزال ذوات سلطان علينا وما تاثير البرهان القوي فيها الا كتاثيره في الجوع والعطش ))- ايل العالي -جورجي كنعان ص 21
لقد حذرنا الله في القرآن من الإختلاف فقال ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ 176 ))- البقرة
((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30 مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 31 مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ 32 )) – الروم

لقد كان للرسل الذين ارسلهم الله تعالى ( تباعا ) دور أساسي في تصحيح إعوجاج هذه التيارات الدينية التي خرجت عن المفهوم الاساسي للدين والايمان الى مفاهيم ضيقة وعصبية جاهلة – فنرى في جوهر الدين كيف أن ابراهيم عليه السلام كسر الأصنام وعبادة الكواكب وأعاد الناس الى حنيفية صافية والى عبادة الله الواحد ورفع القواعد من البيت العتيق أيذانا بعودة الحج اليه.

ونرى كيف أن موسى أخرج الناس من عبادة الملوك والفراعنة الى عبادة الواحد الأحد – وسار بهم برحلة حج مباركة الى أم القرى والى البيت العتيق أيذانا بعودة الحج اليه.

ونرى كيف أن المسيح عيسى ابن مريم، اخرج الناس من عبادة الكهنة والفريسيين من اليهود الذين عبدوا المال وباعوا الدين بالذهب والفضة – فكسر عربات الباعة المنتشرة أمام المعابد ( كما يقول الانجيل ) ، ايذانا بكسر عربات الباعة ايضا داخل المعابد من كهنة ومسترزقين.

ثم جاء محمد (ص) ليضع للناس جوهر الدين بعد أن أكمل الله تعالى ديننا فلخص في خطبة الوداع الاسس التي تربط الناس بالخالق وتربط الناس ببعضهم البعض، وفي خطبته هذه يكمن سر الرحمة التي ارسله الله بها للعالمين،(( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ 107 قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ 108 )) – سورة الأنبياء

فأين ذلك الإيمان من بعض الذين يزعمون انهم أتباع محمد وعيسى وموسى من الذين يدعون انهم وحدهم حماة الدين – الذين يقتلون الأبرياء من الناس بغير حق تارة بإسم الجهاد وطورا بأسم التحرير أواستعادة ارض وعدهم بها ربهم، فهؤلاء واولئك يقتلون ويسرقون وينهبون بإسم الدين والطائفة والملة والعقيدة – وأكثرهم كاذبون. فمن يقتل إنما يقتل أخوته، ولنا في قصص ابني آدم عبرة ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ 29 فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30 فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 31 مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوفَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 32)) – سورة المائدة

فإبراهيم ابوالانبياء ورسالته كانت لكل الناس فمن آمن بإبراهيم فقد آمن بالدين الحنيف – وحرم الله قتل المؤمنين بعضهم بعضا، وحرم الله على اتباع موسى وحرم على اتباع عيسى وحرم على اتباع محمد القتل بغير الحق، فالقاتل يقتل أما أخوته وابناء عشيرته وقبيلته وحيه ومدينته والشارع الذي يسكنه اوالدولة التي ينتمي اليها فمن قتلهم انتقاما كان قاتلا ولم يكن مجاهدا في سبيل الله ولا كان مجاهدا باسم الدين.

الجزء الأول

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى