السبت ١٣ آب (أغسطس) ٢٠٢٢

بين الأدب والسياسة في عالمنا العربي

طالما لعب الأدباء دورًا هامًا وعظيمًا في بناء الوطن، وتوجيه بوصلة التقدم والرقي، وتنشئة أجيال تقدر الوطن وتعي تاريخها، وهذا ليس وليد الصدفة أو أمر طارئ يزول بزوال الغرض منه، بل عقيدة تؤمن بها الشعوب المتحضرة، فتجعل من الأدباء والشعراء والفنانين والفلاسفة أيقونات حرة وخالدة.

لهذا ظل الكاتب المصري رمزًا للحضارة المصرية التي تقوم على العلم والمعرفة، ومكتبة الإسكندرية كعبة لكل طالب علم، حين كان العالم كله يتخبط في الضلال، ويتخذ من كهوف الجهل والتخلف بيوتًا!

من الممكن أنني قد ذهبت بعيدًا إلى أزمنة سحيقة، لكن الداعي إلى الإشارة إليها ليس سوى التأكيد على عظمة الأدب والشعر والدور الفاعل للفكر والفن في بناء الأمم، ولكن الحال لن يتبدل كثيرًا إذا ألقينا الضوء على الحقب الزمنية القريبة، ودور الأدباء والفنانين في عصر النهضة والليبرالية في مصر بعد ثورة ١٩١٩. وهل ينكر أحدٌ دور المثال المصري "محمود مختار" (١٨٩١- ١٩٣٤) في توحيد كل فئات الشعب المصري ليساهم في تكاليف نحت تمثال نهضة مصر، أو الدور الريادي للأمير عمر طوسون (١٨٧٢-١٩٤٤) في مجال الجغرافيا والآثار، ونشر الثقافة والعلوم، واكتشافاته لعدد كبير من الأديرة التي شرفت باستقبال العائلة المقدسة عند قدومها إلى مصر، لقد اكتشف ٥٢ دير أثري!

لم تكن السياسة بعيدة عن الأدب، وكذلك لم يكن الأدباء والمفكرين والفلاسفة بعيدين عن السياسة، وأعظم مثال على ما أقول هو أستاذ الجيل لطفي باشا السيد (١٨٧٢-١٩٦٣) أفلاطون العرب، وأبو الليبرالية المصرية، سكرتير عام حزب الأمة، ووزير المعارف ومدير الجامعة المصرية ورئيس دار الكتب المصرية ومجمع اللغة العربية! شيخ الأزهر د.مصطفى عبد الرازق (١٨٨٥-١٩٤٧) أعلى قامة دينية في العالم الإسلامي، كان أديبًا وفيلسوفًا وأستاذًا جامعيًا. أديب آخر بل عميد للأدب العربي الدكتور طه حسين (١٨٨٩-١٩٧٣) كان وزيرًا للمعارف، وهو أول وزير مصري يطبق مجانية التعليم، له رصيد أدبي جبار قبل وبعد المنصب، ومؤلفاته تعد الوجبة الأساسية لكل مثقف عربي حتى الآن! كذلك الأديب يوسف السباعي (١٩١٧-١٩٧٨) وهو الأديب ابن الأديب، عمل وزيرًا للثقافة، وشغل الساحة الأدبية بما قدمه من روايات!

د.ثروت عكاشة (١٩٢١-٢٠١٢) ذلك الرائد الأديب، والمثقف الوزير، لا يوجد بيت من بيوت العرب من المحيط إلى الخليج إلا ويدين له بالفضل فيما قدمه من ثقافة وفكر ومعرفة ما زالت لنا معينًا لا ينضب!

إن في جعبتي مئات الأسماء، لم أنس منهم اسمًا ولا أريد أن أغفل منهم أحدًا، لولا خشيتي أن أطيل على القارئ، أسماء نتشرف بها ونقتفي أثرها، نجوم ساطعة في سماء الوطن نهتدي بها.

دول العالم من حولنا تحتفي بمفكريها وأدبائها وتفخر بهم، دولة مثل كولومبيا تضع صورةً لماركيز على عملتها، والاتحاد الأوروبي يتخذ قصيدة "إلى السعادة" لفريدرك شيلر وتلحين بيتهوفن نشيدًا وطنيًا.

بينما في عالمنا العربي نجد نائبًا برلمانيًا يقدم استجوابًا لوزير التربية والتعليم لأنه كتب رواية رومانسية، ثم يعنفه ويأمره بعدم الإنكار، فيقف الوزير مدافعًا عن نفسه وعن الرومانسية وعن الرواية قائلًا: "إنها ليست رواية رومانسية وإنما رواية سيكولوجية!".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى