الأحد ٩ آب (أغسطس) ٢٠٢٠

تعليمات أمها

إبتسام إسماعيل شاكوش

في هذه القصة..الفتاة موظفة في دائرة حكومية..تزوجت حديثا.. تسأل الفتاة أمها عن أعمال البيت، فترشدها بهدوء.. تذهب إلى دائرة عملها فترى الفساد والرشوة.. تتساءل كيف ننظف هذه الدائرة من الفساد؟ بأية طريقة؟

بعناية شديدة علقت ثوبها الأبيض الطويل في خزانة الملابس وراحت تستعد للذهاب الى عملها،تلفتت حولها، البيت يغرق في الفوضى ولا خبرة لديها في تنظيف البيوت وترتيبها، تنبهت لواقعها كمن يستفيق من نوم عميق وقد فاته رنين الساعة المنبهة، وضاع منه موعد هام، تذكرت أن هذا هو يومها الأول في الدائرة التي انتقلت إليها لتلحق بسكن زوجها، ستتعرف على وجوه جديدة وأساليب في العمل جديدة أيضا، تأملت، بل تمنت، أن يكون موقعها الجديد في مكان أكثر نظافة من سابقه.

كان صباها قبل اليوم يغوص في المسرات، لا هم على عاتقها سوى زينتها وكتابها، وهل كان الكتاب هما إلا على التلاميذ الكسالى؟

هرعت إلى الهاتف نستنجد بأمها، راحت الأم تلقي بتعليماتها على عجل: تنظيف البيت يبدأ من الداخل ويمتد إلى الخارج، مع الانتباه إلى الأبواب والنوافذ والزوايا، أما تنظيف الحمامات والمغاسل فيبدأ على العكس، من الخارج باتجاه الداخل، تنظيف السلم يبدأ من الأعلى ويمتد نزولا إلى الأسفل فالأسفل، وانتبهي جيدا للسجاد، فهو يحتاج ضربا بلا رحمة لتنظيفه من الغبار، وان قصرت في ضربه وتعريضه لضوء لشمس الساطع، استوطنه العث، وانتقل بعد ذلك إلى كل ما لديك من ملابس وأثاث.

أعادت سماعة الهاتف الى موضعها وهمت بالخروج، استوقفتها فكرة فعادت إلى الهاتف تطلب أمها من جديد، أجابت الأم: يحتاج طهو الطعام صبرا ونارا هادئة لينضج جيدا ويطيب مذاقه

رافقت زوجها إلى مفترق الطرق، ومضى كل إلى عمله، دخلت دائرة عملها، هذا يومها الأول بين الزملاء الجدد، لذلك لم تستلم عملا محددا بل ظلت جالسة خلف طاولتها تراقب ما يجري بدقة وانتباه.

أخذتها زميلة لها في جولة على أقسام المؤسسة، راحت تشرح لها من خلالها: هنا الديوان، هنا أمانة السر، هنا مكتب المدير، هنا مكتب المحاسب، وهنا النوافذ التي نستقبل من ورائها جمهور المراجعين، وقفت تتأمل المشهد بدهشة،كانت ثياب الآذن أكثر أناقة وترتيبا من ثياب المدير، وكانت يداه لا تكلان من حشو جيوبه بالأوراق النقدية الملقاة إليه من خلف تلك النوافذ، ولكن.. لم تكن يد الآذن وحدها هي اليد القابضة، بل كانت لنقود تتساقط من النوافذ بغزارة ندف الثلج في يوم عاصف، غامت في ذاكرتها كلمات زميلتها الجديدة وراحت ترددها في سرها كمن يهذي: مكتب المدير، أمانة السر، المحاسب، واستحضرت تعليمات أمها فراحت تتساءل في سرها: لو كان هذا المكان بيتا بأية طريقة يمكن تنظيفه؟ من الأعلى الى الأسفل؟ أم من الدخل الى الخارج؟ أم أن العث قد استوطنه وما عادت تنفع معه هذه الطرق؟ قررت الاتصال بأمها مرة أخرى، لتسألها عساها تلقى عندها الجواب.

إبتسام إسماعيل شاكوش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى