الأربعاء ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٢

تـأملات فـي عـلاقـاتـنـا

هيثم بن سليمان

علاقاتنا في الحياة تتنوع فهناك العلاقات العامة وهي الأغلب في زماننا الحاضر وهناك ما يسمى كذلك بالعلاقات العميقة، فالعلاقات العامة آمنة ومفضلة لغالبية البشر تجعل تواصلنا مع الآخريين مقيد ومحدود وفي نظاقات ضيقة، أما العلاقات العميقة ترافق الإنسان في بعض صورها من الولادة وحتى الممات والإنسان بذاته مسؤول عن تقويتها أو إضعافها كعلاقته بأمه وأباه وزوجته وأولاده.

كما أن العلاقات العميقة تمر بمراحل عدة حيث أنها تولد مع الأيام وترافقنا عبر العقود وتدعمها المواقف والأحداث ولا تهدمها كثرة الانشغالات وهموم الحياة، هنا نجد ما نسميهم رفقاء العمر.

والعلاقات العميقة تتجاوز نطاق الأسرة ولكي تستمر بحاجة إلى إيمان لا أن تقوم على المصالح، وإذا قامت على المنافع فمصيرها مهما كانت المدة إلى الفناء وهذا ما نسميه اليوم بعلاقات المصالح والتي تنتشر كثيرا.

والعلاقات بين البشر تتضح بصورة جلية في بيئات العمل حيث أن الجزء الأكبر منها علاقات عامة وتبرز علاقات المصالح بقوة وفي هذه البيئات يظهر مسمى العلاقات السامة ولنعلم أن أماكن العمل تظهر فيها الأقنعة ومن النوادر وجود علاقات عميقة هناك، ونجد حينما يتقاعد الموظف أيا كان موقعه فمصيره إلى النسيان وربما بذاته يتجه للابتعاد ونسيان المكان الذي عاش فيه عمرا طويلا أكثر مما قضاه مع نفسه وأسرته.

وفي بيئات العمل نحن بحاجة للعلاقات العامة المتوازنة وبحاجة كذلك للتدرج عبر الزمن في تكوين العلاقات ولست مع الاندفاع أو الانبهار أو المكاشفة، كما أن الحياة المهنية للموظف تتيح لنا التعرف على نوعيات البشر ومستويات من نتعامل معهم بشكل يومي، فهناك من يتطابق مع شخصياتنا والعكس أيضا نجده وما علينا إلا أن نتعامل مع الجميع فنأثر بالإيجاب ونحمي أنفسنا أن لا نتأثر بالآخرين بطريقة سلبية، وهنا يمكن أن نصل إلى العلاقات الناجحة التي تخدم العمل وتطور الموظف وتدعمه.

على الصعيد الشخصي أحبذ العلاقات العامة فبعضها مستمر والبعض منها تعرض للانقطاع وذلك بسبب أسباب عدة، ولكن هناك علاقات وإن قلت تستمر وتظل مهما مضى الوقت، تعززها رغبة الطرفين بالاستمرار.
فعلى سبيل المثال لدي علاقة مع أحد الأخوة في الجزائر منذ أكثر من 20 سنة، أمر لا يصدق فلم يجمعنا مكان ولكن تعرفنا على بعض صدفة عن طريق أحدى مواقع التواصل الاجتماعي ولازلنا على تواصل، هذا النوع من العلاقات رائعة لم تكن قائمة على منفعة لذا ظلت مستمرة حتى اليوم.

وهناك علاقات تنتهي بعلاقاتنا بالمكان، فكم من زملاء درسنا معهم في قاعات الدراسة في مختلف المراحل.

اجتمعنا وتشاركنا في الدراسة واعداد البحوث، غالبية هذه العلاقات كانت عابرة ومصيرها النسيان إلا من علاقات محدودة نتواصل مع أصحابها بين فترات متباعدة في أمور محددة.

أرى من جهة أنه من الواجب أن نكون حكماء في اختيار علاقاتنا مع الناس، نبحث عن من يشبهنا في الاخلاق والقيم وتصرفات البعض مع مرور الأيام تدل على من يتطابق معنا.

وأود هنا التطرق إلى العلاقات العميقة المهمة في حياتنا أنها علاقاتنا الأسرية، هذه العلاقات جدا مهمة وهي ترافقنا منذ الصغر حتى الممات، فالسند الحقيقي للإنسان هي الاسرة ولكن للأسف البعض يخسر هذه العلاقات حينما يظهر التنافس بين مختلف الأطراف ولا يعرف قيمتها إلا بعد فوات الأوان.

وللأسف مرة آخرى البعض يعتقد أنه سيعمر طويلا لذا يقابل هذه العلاقات بالاهمال واللامبالاة، كـأن لديه صك يضمن له أن يعيش عقود طويلة عكس الواقع فالعمر قصير ويمر سريعا ليصبح كأنه ألبوم صور ترجع لسنوات بعيدة.

علينا أن ندرك أهمية هذه العلاقات ولنشعر بالندم للتفريط في حق عوائلنا، ولا يمكن التكفير عن هذا الندم إلا بالدعاء لكل فرد من قلب خالص وأن نتغاضى عن الأخطاء والهفوات وكذلك الاقتراب منهم ومشاركتهم التفاصيل الدقيقة في حياتهم وحتى تقديم الهدايا البسيطة التي تقدم بود.

ومن واقع الحياة شهدت على علاقة بين أخوين لم تكن قوية كما يجب أن تكون، فكان التواصل بينهما ضعيف وافترقا في لحظة دون إصلاح الخلل ويعملان على تقوية تواصلهما للأحسن، ولي ولمن يقرأ درس في هذا الأمر، علينا أن نهتم بهذه العلاقات نصلحها...نوطدها...نعمل على دعم تواصلنا مع الأقارب والأرحام.

كما ذكرت سابقا علينا أن نتعلم من كامل العلاقات التي تمر بحياتنا أيا كانت فهي إضافة لخبرات الحياة التراكمية، وكما هو معروف فهناك أمران يصقلان شخصية المرء ما يقرأه من كتب ومؤلفات من جانب ومن جانب آخر الاشخاص الذين نلتقيهم، فلنبحث عن الذين إذا أقتربنا منهم سنقترب من العلم والمعرفة والثقافة.

وعلينا أن لا نغتر بالأشكال والأنساب والمناصب والمؤهلات لدى من نراهم، الافعال تبقى الأداة الحقيقية لتقييم هذه العلاقات، فكم من أنسان فسدت أخلاقه كونه أراد رضا صاحب منصب وهذه سعادة مؤقتة وتجلب المنفعة المؤقتة للإنسان لكنها في المقابل تجعل معتقداته وأخلاقه وسمعته في خطر وربما تجره من مستنقع لآخر ومن سقوط لآخر.

لمن يقرأ هذه التأملات المتواضعة وطد علاقتك بأقرب الناس لك، لسنا دائمين لبعضنا البعض، البعض يقع في فخ الأمل والوهم حين يعطي لنفسه الأمل في التقرب من أسرته حينما يتفرغ أو يبلغ سن متقدم أو يضعه كمشروع مستقبلي.

بادر أخي / أختي الآن وأنطلق إليهم وأطلب الصفح منهم وكن واسع الصدر في تصرفاتك معهم وشاركهم تفاصيليهم الصغيرة حاضرا أو كنت غائبا بجسدك، كن حاضرا بقلبك وروحك ومشاعرك وتأكد إن لم تستطع فعله الآن فلن تفعله في أي وقت آخر.

هيثم بن سليمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى