تنبؤات الروح
كل عام وأنتِ أنتِ ... قالَها ... وانتهت الكلماتُ عند هذا الفصل الذي يجمد الروح من انطلاقتها ، ويرمي بالسؤال عن الكينونة إلى آفاق تحتمل التأويلات ...
نعم .. أنا كما أنا ... هل كان يظن أن الشتاء سيغيرني ، وأن المسافات ستقلع من الذاكرة تلك الأمكنة ، وأن عاماً جديداً إذا ولج روحي سأنتفض كعصفور بلله المطر لألقي عن كاهلي شوقي وانتظاري .
لا ... لم أتغير ... ولن يغيرني صمتٌ يفتّت القلبَ ، لكن دعني أتكلم ... دعني أخبرك عن تنبؤات روحي ...
سـتأخذني الريحُ إليكَ ، وستفتح الكواكبُ لي طريقاً إلى مجرتكَ ، ولن تحيرني القصائدُ إن أشرقتْ حروفُها أو غربت ، فمازال المعنى متحفزاً للإمساك بأصابعي ...
زلزالٌ سيهز أعماقكَ وستدهش من هزة تثير فيكَ أحاسيسكَ ، ولن تقف واجماً أمامي ، ستغرقك الروحُ بوابل عطرها ، ولن تستطيع فكَ الحصار أو سحبَ البساط من تحت المكان ... سترفعُ الرايةَ آنئذ وتعلن انهزام حنينك أمامي .
* * *
أعلم أن الذكريات حين تختفي ، ويحاول المرء جاهداً الإمساك ببعض أطرافها ، يسقط متعباً من هول الزمان ، لكن ذكرياتي تأبى الرحيل ، وتتشبث بفكري رافضة الاندحار أمام النسيان ، وأبدأ بمطالبة خيالي أن يفكك أجزاء الكلام ، ويحلل سر الشخصية التي لاتزال تتربع بين الحروف ، فلا أجدني إلا وأفكك هذا الوجود مستحضرة في ذهني كل ما قرأت .. ولا أعلم أي اكتشاف سينقضّ عليه فكري حين أنتهي من التأويل .
* * *
المعجزة التي بقيت تحاصرني هي أن صبراً لايزال يغلّف نفسي ... صبراً لم أكن أتوقعه ، هل تدري ماسر تشبثه بي حين رفضتُ أن يسكنني .
* * *
ستأخذ الريح أجزائي ، ولن أبوح لها بما يعتمل في حروفي ، سأجعلها تختار لي المسار لأدركَ هل لامستْ الغيومَ التي تركتُ أوراقي مبعثرة فوقها ، فتستشفَ طريق الحياة التي خبرتُها ، وهل أدركتْ أني حين حاصرني المكانُ وددتُ أن ألقي بنفسي لأنزع عني الحنين .
* * *
خفيفاً من الأيام ، مرتحلاً من كل كلام يجعلك أسير الذكريات ، تحمل أوراقكَ وتمضي متأبطاً بقايا الحروف ، وتنهض حين يكتمل الشتاء لتغادر الوقت إلى وقت آخر ، موقناً أنني مازلتُ أنا أنا ... لم يغيرني شيء ، ولا البرد جمّد حنيني ، ولا الرياح اقتلعت جذور اشتياقي ... في أي زمن ستغادرني هذه الدهشةُ التي أعيشها مابين صبري وصمتي ..
كل عام وأنتَ بفضاء متحرر من ذاتك ، وكل عام وأنا أنا متشبثة بكل قيودي .