الجمعة ٢٥ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

تِمثال مِنْ ذهب

من خلال متابعتي لما يجري في هذا الوطن الكبير، والدماء تسيل، والصدور عارية تواجه رصاص من يقمعون الشعوب لآخر قطرة، على يد مرتزقة من الداخل والخارج. بعد ما رأيناه يجب عمل تمثال من ذهب للحاكم الذي تنحى عن السلطة بأقل عدد من القتلى.

للأسف بالنهاية كانت الشعوب تـُنعت بـ«الجرذان» و«الغوغاء» و«المندسين»، الذين تستغلهم جهات خارجية، لإثارة البلبلة، لتعكير صفو العيش الذي يتمتعون به. للأسف، في العديد من الدول كان السيناريو سيئا جدا، والممثلون فاشلون، حيث عمدت السلطات في الغالب إلى تشويه صورة كل من يحاول قول كلمة حق، أو يطالب بإصلاح سياسي أو اجتماعي، أو اقتصادي.

يجب أن يفهم كل من هم في سدة الحكم ويسيطرون على مقدرات الأوطان، بأن زمن الرعب قد ولىّ إلى اللارجعة منذ اشتعال النار في جسد «البوعزيزي»، وفوبيا الاتهام بالعمالة لجهات معادية قد أفل، إذ أنها كانت تهمة كافية لإنهاء حياة أي مواطن.

يظهر متحدث باسم الحكومة، ويقول إن الإعلام مغرض حاول تشويه صورة الوطن. وقتل الناس وسحلهم عيانا بيانا لا يشوه صورة الوطن، كل هذا أمر مباح، والذين قـُتِلوا هم أهلنا، وقتلناهم من فرط حبنا لهم، وكلكم تعرفون أن من الحب ما قتل، وسينال هذا الحبّ كل من يحاول أن يتشبه بهؤلاء من أبناء الوطن "فردا، فردا" في كل «زنقة».

يظهر المسؤول فيقول: كل شيء يمكن مناقشته، ومطالب الشعب هي محل اهتمامنا وتحظى برعاية كريمة من لدنـّا، وليس هناك من هو أحرص منا على شعبنا، وسنشكل لجانا للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين من خلال توزيع شوك وسكاكين «ستانلس ستيل»، الذي لا يقبل الصدأ، وسنضمن حرية التعبير عن الرأي، وسنحارب الفساد بكل أنواعه. هذا الكلام كأنه موضوع إنشاء لطالب غير متفوق. ما هي الآلية لعمل كل ذلك؟ وما هو السقف الزمني؟ وما هي معايير قياس الأداء؟

أود أن أختم بقصيدة «اعتذار» للشاعر الكبير أحمد مطر، حيث يقول فيها:

صِحـتُ مِـن قسـوةِ حالـي:
فـوقَ نَعلـي
كُلُّ أصحـابِ المعالـي!
 
قيـلَ لي: عَيبٌ
فكرّرتُ مقالـي.
 
قيلَ لي: عيبٌ
وكرّرتُ مقالي.
 
ثُـمّ لمّا قيلَ لي: عيبٌ
تنبّهتُ إلى سـوءِ عباراتي
وخفّفتُ انفعالـي.
 
ثُـمّ قدّمـتُ اعتِـذاراً
.. لِنِعالـي!

كلمات لها معنى:
 الصدور العارية: هي تلك التي تلمع كالرخام في حفلات أصحاب المعالي.
 الرصاص: هو ما يطلقه الحكام على الشعب رأفة بهم لحمايتهم من جهلهم.
 المرتزقة: هم من امتطوا الجمال والخيل للهجوم على "ميدان التحرير"، وأولئك الذين امتطوا الدبابات والمصفحات لقمع المظاهرات.
 الحاكم: هو الذي يدرك مطالب الشعوب غالبا بعد فوات الأوان، وتكون عملية فصله عن الكرسي من أصعب وأعقد العمليات في العالم.
 الشعوب: هي التي ترزح تحت فقر مدقع غالبا، وينعتها الحاكم بالعظمة، عندما يخطب وتصفق له، لكنه ينعتها بأبشع الأوصاف إذا حاولت التعبير عن الرأي.
 كلمة الحق: إن لم نستطع الجهر بها، علينا السكوت، وعدم السعي لإيجاد مسوغات للممارسات القمعية من قبل الأنظمة.
 البوعزيزي: هو الشخص الذي يلعنه الحكام، ويترحم عليه المسحوقون والمغبونون.
 المتحدث باسم الحكومة: هو الشخص الذي يفشل في إقناع نفسه بما يتحدث به قبل إقناع الآخرين.
 الأمر المباح: كل ما هو مسوغ للحاكم للبقاء في كرسي السلطة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى