الاثنين ١٤ شباط (فبراير) ٢٠٢٢
بقلم محمد زكريا توفيق

جحا والحمار

ادعى جحا أنه يستطيع جعل الحمار يتكلم في خلال 20 سنة. أعطاه الملك حمارا من النوع الحصاوي، حتى يختبر صدقه. جحا يعلم جيدا أن الحمير بصفة عامة، لا ولن تتكلم ولو بعد مائة سنة. لكنه كان يأمل في حدوث أمر من ثلاثة أمور، ينقذه من هذه الورطة. وهو موت الحمار، أو موت الملك أو موته هو نفسه.

أخذ الحمار الحصاوي وذهب به عائدا إلى بيته. في الطريق، سمع الحمار يكلمه قائلا: "ليه يا جحا تقول إنك تقدر تخليني أتـكلم؟ هي يا عم جحا، الحمير تقدر تتكلم؟"

جحا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أنت حمار أم جان أم شيطان؟

الحمار: "أنا حمار ابن حمار، وجدي كمان كان حمار"

جحا: طيب بتسخر مني ليه وتقول، يا عم جحا هي الحمير تقدر تتكلم؟ ما هو انت بتتكلم زي البني أدمين أهه.

الحمار: اتفرجت يا عم جحا على فيلم على بابا والأربعين حرامي؟ فاكر الحمار بتاع على الكسار اللي كان بني آدم ودعت عليه أمه فسخط حمارا لمدة سنتين؟ آه أنا الحمار ده.

جحا: يا سلام!! هو أنا عبيط زي على الكسار في الفيلم؟ ثم إذاي تنط وتخرج من الفيلم وتصبح حمارا بصحيح؟ هو أنا داقق عصافير؟

الحمار: يا سيدي ما تخدش في بالك، دي حكاية خيالية. ما هو أنت كمان شخصية خيالية. لكن، يعني إيه داقق عصافير؟

جحا: الفلاح زمان لما كانت عيناه توجعه، كانوا يحطوا له ششم في عينيه، ويدقوا له وشم في شكل عصافير على صدغيه، بين العين والأذن، علشان يطيب. "هو أنا داقق عصافير"، عبارة تعني: هو أنا فلاح ساذج عديم الخبرة بالحياة؟

الحمار: على فكرة، عصافير دي كلمة ممنوعة من الصرف.

حجا: أوعى تكون سيباويه؟

الحمار: لا، أنا حمار ابن حمار. مثل الحمار الذهبي، ل أبوليوس، وحمار بلعام، وحمار الحكيم.

جحا: إلا قول لي، هم سموك حمار ليه؟

الحمار: علشان جدودي الأقدمين كان لونهم أحمر. ومن الحمرة جاءت الحمير. زي السودان، جه الاسم من اللون الأسود. ولو كانوا بيض كانوا سموهم حاجة ثانية.

جحا: أيوه فهمت. هيه الحمير ورايا ورايا. كان عندي عشرة حمير. أرادت عدها، وكنت أركب أحدها. فوجدت العدد 9. وعندما نزلت، وجدت العدد 10. فقلت لنفسي، أمشي وأربح حمارا، أحسن.

الحمار: أنت اللي حمار يا جحا. لقد نسيت أن تعد الحمار الذي كنت تركبه. الله يضحكك. ممكن تحكي لي ماذا حدث لما أخذت حمارك للسوق لبيعه، وكان معاك ابنك الذي لا يقل ذكاء عنك.

جحا: أخذت ابني أمامي وركبنا الحمار. ونحن في طريقنا إلى السوق، بدأت الناس تنظر إلينا شذرا. عقبت فتاة في الطريق قائلة، كيف يركب بغلان مثلكما على حمار ضعيف مثل هذا. أليست في قلوبكما رحمة بالحيوان؟

أنزلت ابني من على ظهر الحمار لكي يسير إلى جواري. وإذا بمجموعة نساء تسبني وتلعن سلسفين جدودي: كيف أركب وأستريح، وأترك ابني الصغير يجري ويلهث خلفي وقت الظهيرة في حر بؤونة.

قلت، أمشي أنا ويركب ابني. وإذا بمجموعة من الشيوخ، تمطرني توبيخا ولوما. فهم يتأففون من فساد أخلاق هذا الزمن الأغبر، الذي فيه يركب الصبي وينشكح ويهز رجليه، بينما والده كبير السن يلهث خلف الحمار.

قلت لولدي، دعنا نمشي ونترك الحمار. لكن لم نسلم أيضا من نقد المتسكعين والمارة. انظروا إلى هؤلاء المجانين، كيف يتركان الحمار دون أن يركبه أحدهما. قمة في الغباء.

لم يبق لي ولولدي إلا أن نحمل الحمار. ربطناه في عصا طويله من رجليه، وحملناه وهو بالمقلوب على أكتافنا. أثناء سيرنا فوق الجسر الموصل للسوق، خاف الحمار وظل ينهق بشدة. إلى أن فك وثاقه وقفز لكي يغرق في النهر.

الحمار: يا جحا، إنك لن تستطيع أن ترضي كل الناس.

جحا: نعم، هذا الدرس كلفني حمارا بالكامل. لكن، ما هي حكاية الحمار الذهبي الذي ذكرته في حديثك؟

الحمار: هي حكايات جمعها وكتب بعضها أبوليوس. وهو أديب أمازيغي من شمال أفريقيا، ولد عام 125م. عن شاب اسمه أبوليوس (نفس اسم المؤلف)، تحول إلى حمار بالخطأ. تصف الحكايات لنا، وهي على لسان الحمار، الحياة في الإمبراطورية الرومانية أيام مجدها القديم. وتحكي قصصا عن عصابات اللصوص، وفساد رجال الدين، وظلم السادة للعبيد في هذا الزمن البعيد.

جحا: طيب، وحمار بلعام؟

الحمار: هيه حكاية جاءت في العهد القديم وأيضا باختصار شديد في القرآن. ملخصها، إن بالاق بن صفور، ملك موآب، أمر بلعام بن باعوراء بلعن شعب نبي الله موسى، حتى يمنعهم من دخول مملكته، ووعده بالتضحية بسبعة ثيران وبسبعة كباش.

بينما كان بلعام في طريقه راكبا حماره، متوجها إلى الملك بالاق، وإذا بملاك الرب في يده سيف طويل، يقف في طريقه لكي يمنع حماره من الوصول إلى ملك موآب. الملاك قد أرسله يهوه.

رأى حمار بلعام الملاك، فتوقف عن السير. لم يكن بلعام يستطيع أن يرى الملاك، لذلك ظل يضرب الحمار بكل قسوة حتى يجبره على مواصلة السير. وإذا بالحمار يتكلم ويسأل بلعام: "لماذا تضربني؟

‏بلعام: جعلتني أبدو كالأحمق. لو كان لدي سيف لكنت قد قتلتك به. ‏

‏الحمار: هل عصيتك مرة كهذه من قبل؟

‏بلعام: كلا.

الحمار: هناك سبب يمنعني من مواصلة السير.

ثم يظهر الملاك ل بلعام، حتى يراه، ويسأله.

الملاك: لماذا ضربت حمارك؟ لقد أتيت لكي أمنعك من الذهاب لملك موآب، ولعن شعب نبي الله موسى. ولولا حمارك وخروجه عن الطريق، لكنت قد قتلتك.

بلعام: لقد أخطأت.‏ ولم أكن أعرف أنك واقف تسد الطريق.

ثم سمح الملاك لبلعام بمواصلة السير. فينطلق بلعام ويقابل الملك بالاق. وبدلا من أن يلعن شعب إسرائيل، جعله يهوه يباركهم ثلاث مرات.

جحا: وما هي حكاية "حمار الحكيم"؟

الحمار: هي رواية لتوفيق الحكيم. كتبها عام 1940. عن حمار صغير اشتراه وأخذه معه في الفندق الذي يقيم فيه. والرواية تبين لنا أحوال الريف المصري والفقر والمرض والجهل المتفشي بين الفلاحين في ذلك الحين. أسلوب الرواية سهل واللغة بسيطة بها مفردات عامية، ولا تخلو من الطرافة والمواقف المضحكة.

جحا: عندك حكايات أخرى عن الحمير؟

الحمار: عندي كتير. لكن يجب أن تعرف أولا أن الحمار حيوان اجتماعي جدا، أكثر من الحصان. يعني يحب اللمة والصحبة ويفضل الزرائب اللي مليئة بالحيوانات. الوحدة قاتلة بالنسبة له. كما أن الحمار صبور جدا، وذكي. يستطيع العودة إلى داره ومعرفة طريقه بسهولة.

متوسط عمر الحمار، 30 سنة، لكنه مع الرعاية، يمكن أن يعيش 40 سنة.

الحمير الحصاوي، أصلها سعودي. جاءت من المنطقة الشرقية، الإحساء، بالمملكة. لونها أبيض وطويلة الساقين، وتستطيع حمل 50% من وزنها بسهولة. بعضها لونه أسود. تم استيرادها بكثرة أيام حكم محمد علي باشا الكبير. كان اسمها الحمار الحساوي، ثم حرف الاسم إلى الحصاوي.

جحا: وإيه كمان؟

الحمار: هذه بعض المعلومات عن الحمير.

لقد دخل المسيح عليه السلام أورشليم على ظهر أتان. والأتان هي أنثى الحمار. البغل، أبوه حمار وأمه فرسة. والنغل، أبوه حصان وأمه أتان.

في عام 1932، أنشأت في مصر جمعية اسمها، "جمعية الحمير"، كان من بين أعضائها: طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم. وبلغ عدد أعضائها أكثر من ثلاثين ألف عضو. استمرت حتى عام 1963م.

الحمار كشعار للحزب الديموقراطي الأمريكي، يرجع للحملة الرئاسية لأندرو جاكسون عام 1828. خلال الحملة، كان يصفه معارضوه بالحمار. أي أنه عنيد وغبي. لم يرفض جاكسون هذه التسمية، بل كان فخورا بها.

جاكسون، من أبطال حرب التحرير عام 1812، خدم في وقت لاحق في مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأميركي. أدرج صورة الحمار في ملصقات حملته الانتخابية. نجح جاكسون وصار أول رئيس ديمقراطي في أميركا. في سبعينيات القرن التاسع عشر، ساعد رسام الكاريكاتير السياسي توماس ناست في تعميم رمز الحمار للحزب الديمقراطي بأكمله.

أيسوب له حكاية عن حمار، ذهب للصيد مع أسد وثعلب. اتفق الثلاثة على أن يتقاسمون ما يصطادونه بالتساوي. في أول يوم، اصطاد الأسد غزالة. ثم طلب من الحمار أن يتولى عملية القسمة. الحمار بصبره وجلده، قام بعمل ثلاثة أقسام متساوية من لحم وعظم وجلد الغزالة، ثم طلب من الأسد أن يختار نصيبه.

نظر الأسد شذرا إلى الأكوام الثلاثة، ثم ضرب الحمار ضربة أردته قتيلا في الحال. بعد ذلك وضع الأسد جسم الغزالة وجسم الحمار معا، وطلب من الثعلب القسمة العادلة بينهما.

قطع الثعلب ذيل الحمار، ووضعه في جانب. وفي الجانب الآخر، وضع كل جسم الغزالة، وكل جسم الحمار بدون الذيل. ثم طلب من الأسد اختيار أحد الجانبين. تبسم الأسد، وقال مخاطبا الثعلب: "من علمك فنون القسمة العادلة؟"

قال الثعلب وهو يرتجف من الخوف: "الحمار، يا مولاي"

حكاية أفريقية أخرى تقول: عندما ضجت الحمير من ظلم الإنسان، قررت إرسال أحدها إلى الله في السماء للشكوى. لكن الحمار لم يعد من فوق. لذلك، عندما يتقابل حماران على الطريق، يتبادلان في صمت وحزن هذا الحوار:

"هو لسة ما رجعش؟"
"لسة"
"خايفين ما يرجعش"
"لا حيرجع"

ويستمر الإنسان في ظلم الحمير، وتستمر الحمير في انتظار المخلص.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى