السبت ١٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم فتاحي حسناء

جرعتان من يأس

موجة عصيّة وشاطئ ينساب، زلال هذا الماء لكن اللج جارح، تهديني الظهيرة لحظة نقاء وجرعتان من يأس. على لظىٍ رمليّ أقلّب بذرة الآتي، يعصاني المقبل ويعاند مشيئته، قوة تنضج والقادم إليّ يخطئ الطريق. أضيّع جوربي الطفولي الباقي ويهوى بي نبضي إلى الحضيض، يتوجع الحبق، يشحب الياسمين، يعزّ على سطح البيت القديم، يبثّ الشكوى، ألبّي، أرمم الشقوق، وطائر الفينيق ينكث.

لا طير يرفرف خلف الشمس، لا أمل يسير نحو القاتم.

كنا نشرب الأمل حليبا وقهوة صباحية، وتكفينا حنطة السنين العجاف إذ تُطْحن مع الحلم لنَصلَ الكَفاف. دمع تفجر كمياه جوفية على برعم شبّ في العتمة، على شجرة جوز ظللت جهلا عقرب الشعاب، كان الجوز محليا، وكنا كاليمام، ننقر الحَبَّ والسّموم، نرعى العشب ونروض الهموم، وسجالٌ لامتساو شقّ العظمَ والدربُ تباعدَ، غصنٌ تَفرّع ودَمِيَ النخيلْ.

شتاء جاف وثقيل، تهتزّ أوراق الشجر من الجزع، عند أول منعطف تطلّ الربوات، يَصْفرّ الأخضر، تعصر مرضعة نهدَها، قد جف الحليب. بين البؤس الأول والاندحار الأخير، تطأطئ سنبلة، يُبْعَثْ الباطل، أتناسى ما حلّ بي، وألوي بين إبهامي وسبّابتي مِشْبَكا، لولا هذه النفوس العليلة، ما صَرعَ الثّرى أبناءَه.

عَتَبً على القلب يُصَّدق ذبذباته، ليت القلب يرنو إلى ترنيمات المستحيل، هو التوحد ينبثق من أوج التشظي. حصى الجُرْف يواصل كَسْحَ ما تبقّى من القامات. يجف الطقس، ييْبس عود الكلام، يتسلّل الصقيع إلى الحكايات، نتوحد في العدم، لم نكن لنتشابه كقطرات الماء، كانت الحقول تلوّننا، لم نكن يوما كالآخرين، كانت تميّزنا الألوان، إفريقيا أرض الألوان، إفريقيا أرض المجاعات، إفريقيا أرض الأخضر، إفريقيا، لا أرض ولا سماء


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى