الجمعة ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٢
بقلم رامز محيي الدين علي

جمعيّاتُ المعجمِ اللُّغويِّ

بعدَ أن أُصيبَت مفرداتُ اللُّغةِ بالمللِ والجمودِ في قوقعةِ المعجمِ اللُّغويِّ، قرَّرَت أنْ تقومَ بثورةٍ شاملةٍ على واقعِها المتخلِّفِ الّذي يسيطرُ عليهِ طغاةُ التَّصريفِ والاشتقاقِ والنَّحتِ والبلاهةِ والجمودِ، فأعلنَت عن تمرُّدِها على ذلكَ النِّظامِ اللُّغويِّ العفِنِ، لتُحْدثَ نقلةً نوعيَّةً في الفكرِ والتَّعبيرِ الحرِّ، لكنَّها باءَت بالفشلِ، نتيجةَ تآمرِها على نفسِها وعمالتِها لمفرداتٍ خارجيَّةٍ هدفُها تدميرُ المعجمِ اللُّغويِّ الفصيحِ برمَّتِه..
وضمنَ هذا الفشلِ الذَّريعِ الّذي مُنيَتْ بهِ مفرداتُ اللُّغةِ بعدَ أنْ تصدَّعَ بنيانُ المعجمِ اللُّغويِّ واستمرارِ النَّهجِ اللُّغويِّ القديمِ على كرسيِّ الخطابةِ والبلاهةِ والتَّخلُّفِ، قرَّرَت المشتقَّاتُ اللُّغويَّةُ العشرةُ تأسيسَ جمعيَّةٍ تقودُ الإصلاحَ من داخلِ الكلمةِ بالاعتمادِ على الأوزانِ الاشتقاقيَّة المعروفةِ، وهنا تجلّى الصِّراعُ على حكمِ الجمعيَّةِ!
فقامَ المصدرُ -قدَّسَ اللهُ سرَّهُ- باعتبارِه أصلَ المشتقَّاتِ بحسمِ الخلافاتِ من خلالِ توزيعِ المَهامِّ والمسؤوليَّاتِ، فعيَّنَ نفسَه رئيساً وقائداً عامَّاً لجمعيَّةِ المشتقَّاتِ، ووزَّعَ حقائبَ الوظائفِ على النَّحْوِ الآتي:
• اسمُ الفاعلِ: مسؤولُ العلاقاتِ الخارجيَّةِ بينَ مفرداتِ اللُّغةِ.
• اسمُ المفعولِ: مسؤولُ العلاقاتِ الدَّاخليَّة بينَ المفرداتِ.
• الصِّفةُ المشبَّهةُ باسمِ الفاعلِ: مسؤولةُ الشُّؤونِ الاجتماعيَّةِ لتفاعلِ المجتمعِ بالمفرداتِ.
• مبالغةُ اسمِ الفاعلِ: مسؤولةُ الإعلامِ والصِّحافةِ لإظهارِ البهرجةِ والبلاغةِ والخيالِ.
• اسمَا الزَّمانِ والمكانِ: مسؤُولا توثيقِ العلاقاتِ التَّاريخيَّةِ بينَ القديمِ والحديثِ، وإيجادِ مخارجَ جديدةٍ للكلماتِ، والبحثِ عن الأمكنةِ والمكاتبِ المناسبةِ لاجتماعاتِ الأعضاءِ منَ المشتقَّاتِ.
• اسمُ الآلةِ: مسؤولُ الشُّؤونِ الحركيَّةِ والألفاظِ والمصطلحاتِ العلميَّةِ الصِّناعيَّةِ والتِّجاريَّةِ والاقتصاديَّةِ وغيرِها.
• اسمُ التَّفضيلِ: مسؤولٌ دلاليٌّ للبحثِ عن أفضلِ السُّبلِ من أجلِ تطويرِ مكاتبِ المشتقَّاتِ في قوقعةِ المعجمِ الّذي عجزَت عن تطويرِه جهابذةُ الفكرِ.
• الأفعالُ الثَّلاثةُ: الماضيْ والمضارعُ والأمرُ: مراجعةُ ما تمَّ العزمُ على تنفيذِه، واستخدامُ السِّينِ وسوفَ لتنفيذِ ما تمَّ الإعلانُ عنهُ..
وأمامَ هذهِ النَّزعةِ الطَّاغيةِ للتَّفرُّدِ بالإصلاحِ، ينقسمُ المعجمُ على نفسِه، فتتَأسَّسُ جمعيَّةُ حروفِ العطفِ، وتنافسُها جمعيَّةُ حروفِ الجرِّ، وتغارُ منهُما حروفُ العلَّةِ فتؤسِّسُ جمعيَّتَها، وتزدادُ الغَيرةُ فتتقدَّمُ كانَ وأخواتُها لتُؤسِّسَ جمعيَّةً جديدةً تبدأُ برنامجَها بالرَّفعِ وتنتَهي بالنَّصْبِ، ويتأجَّجُ الصِّراعُ والتَّنافسُ، فتُشكِّلُ إنَّ وأخواتُها جمعيَّةً باسمِها تفتِتحُ عملَها بالنَّصبِ وتختتِمُه بالرَّفعِ، وكذلكَ تُعلنُ كلٌّ من أفعالِ المُقاربةِ والرَّجاءِ والشُّروعِ عن تأسيسِ جمعيَّاتٍ مستقلَّةٍ.. وهكَذا يستمرُّ الصِّراعُ داخلَ المعجمِ اللُّغويِّ حتّى تتمرَّدُ الحركاتُ وتنقسمُ على نفسِها، فتُؤسِّسُ جمعيَّاتٍ عديدةً: جمعيَّةُ الكَسْرِ، وجمعيَّةُ الضَّمِّ، وجمعيَّةُ الفتحِ، وجمعيَّةُ السُّكونِ، ومنْها تتولَّدُ جمعيَّاتٌ فرعيَّةٌ، كجمعيَّةِ الجبْرِ ضدَّ الكسرِ، وجمعيَّةِ التَّفريقِ ضدَّ الضَّمِّ، وجمعيَّةِ الإغلاقِ في مناهضةِ الفتحِ، وجمعيَّةِ (البركةُ في الحركةِ لا في السُّكونِ)..
وهكَذا ينقسمُ المعجمُ إلى مئاتِ المعاجمِ: معجمُ المشتقَّاتِ، ومعجمُ حروفِ العطفِ والجرّ والنَّفي والاستِفهامِ، ومعجمُ كانَ وأخواتِها وإنَّ وأخواتِها، وبناتِ عمَّاتِهن أفعالِ المقاربةِ والرَّجاءِ والشُّروعِ، ومعجمُ الحركاتِ والسّكناتِ، ومعجمُ الألفاظِ الحسّيَّةِ والألفاظِ المعنويَّةِ، ومعجمُ ألفاظِ المدحِ والذَّمِّ، ومعجمُ ألفاظِ النَّباتِ والحيوانِ والزّراعةِ والصِّناعةِ والتِّجارةِ، ومعجمُ ألفاظِ الجنسِ والزَّواجِ، ومعجمُ ألفاظِ العِصمةِ والخُلْعِ والطَّلاقِ.. إلى ما لا نهايةَ له من معاجمَ.. وهنا يكونُ العالمُ قد سكنَ المرِّيخَ بكلِّ مفرداتِه ومعاجمِه، ولم يبقَ على سطحِ الكرةِ الأرضيَّةِ غيرُ المعاجمِ العربيَّةِ وغيرُ اللِّسانِ العربيِّ المبينِ، وهنا تكونُ الأرضُ قد اقتربَتْ منَ السَّماءِ بالمفهومِ الموروثِ، ويكونُ الطَّريقُ إلى العالمِ الآخرِ سالِكاً بسهولةٍ، واللُّغةُ جاهزةٌ للتَّفاهُمِ، وينتَهِي الصِّراعُ المعجميُّ، وتتوحَّدُ اللُّغةُ من جديدٍ أمامَ خدورِ الحوريَّاتِ!
14/1/2022

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى