الأحد ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠
بقلم حياة محمود

حياة

تمضي الأيام بسرعةٍ مخيفة،تمضي و تتوالى بِمُضِيِّهَا السنين ثم تتكدس في رصيد عمرنا سنواتٍ من حياة.وفي كل يوم تزداد صعوبة الحياة؛لأن هذه الحياة لم تكن كما وصفوها لنا ولن تكون.

الحياة تعني أنك موجود في حيز الوجود،شأنك مسؤول، و يا لها من مسؤولية عظيمة منحنا الله فيها الروح والجسد،حيث علينا أن نرعى أرواحنا فلا نظلمها ولا نؤذيها ونهذبها ونضبطها حتى لا تظلم أو تؤذي غيرها. وهل هذا بالشيء السهل؟!، لا ليس كذلك؛ لإنه علينا أن نسيطر على جوارحنا في كل لحظة،مثل كلمة قد تخرج من اللسان نظنها نحن مجرد كلمة لكنها بالواقع قد تبني وتهدم قلوب،أو نظرة تبدأ وتنهي علاقات، أو فِعل يُغير مسارَ الطريق.

ليست فلسفة للمصطلحات والمشاعر ولكننا من سرعة الأيام و روتينها القاتل قد نعيش حياة لا نفهمها،وربما حياة لم نكن نُريدها نحن كذلك، أو حياة لا ندرِكُها؛لإننا نعيش بالإعتياد، نعتاد على أشخاص، أماكن، أشياء،أحداث، نحب ونكره، نتفق ونختلف، نخوض الصراعات، نعيش البدايات والنهايات،و نستمر وتستمر الحياة، لكن متى أدركنا أن كل هذه الحياة مسؤوليتنا؟! متى آخر مرة تذكرن فيها أن كل تفصيل في حياتنا سنحاسب عليه؟!، متى أدركنا تلك الصعوبة؟!، صعوبة أن تكون موجود في حيز الوجود.

نحن نعيشو كأن الحياة هي التي تمر من جانبنا كل يوم،ننام ونقوم، نرتبط وننفصل، نبني ونهدم، ثم نقول مرت الحياة، وننسى الحقيقة وهي أننا نحن من نمر بها كما مروا من كانوا قبلنا؛ننسى لأن الداء هو نفسه منذ الأزل (داء التعلق بالحياة). الداء الذي أصاب كل نفس بشرية وتوارثته الأجيال. في الحقيقة حب الحياة والتعلق بها داء يستمر في اجتياحنا دون توقف؛ لأنه ولد معنا وفطرنا عليه، مثل حديث ولادة أخذ نفسه الأول في هذه الحياة ثم تلاقفته الأحضان وعاش شعوره الأول بالإهتمام والحب ثم كبر وكبر وكبرت بداخله فطرة حب الحياة. كبر دون أن يدرك صعوبة المسؤولية التي مُنحت له.

نكبر ويُلهينا التكاثر، نبني العلاقات ونعيش الحكايات،وتظهر في طريقنا شتى أنواع المغريات، ثمَّ يداهمنا الموت فجأة دون سابق إنذار،يقهرنا ويسحب حياة الروح فينا، وإذ أن كل ما عشناه كان طريق ! كان مجرد ممر!.... كله شيء عابر .. كيف قويت نفوسنا على هذا الحمل الثقيل؟!،وكيف خضنا إختبار الحياة الصعب هذا؟!.

في عقديتنا الإسلامية نحن المسلمين، الحياة الدنيا التي نعيشها ما هي إلا متاع الغرور،ما هي إلا لعب ولهو، ماهي إلا اختبار لدخول حياة الآخرة ولكن أعمالنا في الحياة الدنيا هي من تقرر مصيرنا في الحياة الآخرة. وفي عقدتنيا أيضاً نحن من اختار خوض اختبار الحياة الدنيا الصعب هذا، اخترنا حمل هذه الأمانة العظيمة بكل جهل ،آية رقم٧٢ من سورة الأحزاب في القرءان الكريم توضح ذلك حيث قال الله عز وجل: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ). ومعنى ذلك أن الله تعالى عرض طاعته وفرائضه وحدوده على السموات والأرض والجبال، على أنها إن أحسنت أُثيبت وجُوزيت، وإن ضَيعت عُوقبت، فأبت حملها إشفاقًا منها (أن لا تقوم بالواجب عليها )، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا. و يا له من ظلم و جهل!. عن نفسي لو لم أكن بهذا الجهل كله لما اخترت حمل الأمانة و لما اخترت الوجود في حيز الوجود هذا أصلاً؛ لأن ذلك صعب جداً جداً بقدر الصعوبة التي يواجهها ظمآن في شرب رشفة ماء واحدة فقط سُمحت له مع أن البحر كله أمامه. لطالما تمنيت أمنية ربما تمناها أحدكم أيضاً أو سيتمناها لكنها دون جدوى وهي لو أنَّي لم اختر حمل الأمانة في هذه الحياة الدنيا بل اخترت أن أكون ملاكاً خاضعاً لأوامر الله في السماء، لا أعصي ،لا أذنب،لا أعرف سوى النور و النقاء.

وعلى اختلاف عقائدنا تبقى كل روح إنسانية تستصعب تواجدها في حيز الوجود؛ لأن الحياة دوامة نبقى فيها نتلاعب مع الروتين حتى يأتي القدر ويصعقنا بفاجعة أعظمها الموت و أصغرها الفشل في أحد أهدافنا وربما حينها نأخذ الدرس الذي لقنتنا الحياة إياه على محمل الجد ونتأثر بصاعقة القدر ونتغير وربما نسلك مسار جديد نقوى فيه على هذه الحياة الفانية لكن مع مرور الزمن ننسى، حتى وجع الموت والفقد يبقى قهراً في قلوبنا لكن تواريه الأيام وتغطيه ظلال الذكريات وينثر النسيان رماده على ذاكرة الزمان. وتمضي الأيام ونعود لنفس الحلقة المفرغة و نعاود تعلقنا بالحياة واعتيادنا عليها! وتستمر هذه الدوامة.

نعم الحياة شيء كهذا.. الحياة صعبة.. الحياة زمن يمضي بسرعة مريبة ومخيفة.. الحياة حكاية لا ندركها إلا في المشهد الأخير والوجود في حيز الوجود صعب ماذا نفعل هذا ما جُبلنا عليه ؟ماذا سنستفيد من كل هذا الكلام.؟!. حسناً لنتذكر أن إختبار الحياة المعنوي العظيم هذا مثل اختباراتنا المادية. ألسنا في الإختبارات المدرسية أو التعليمة المادية بشكل عام كلما زادت الصعوبة زاد اجتهادنا من أجل النجاح، حتى أننا نحاول وذوينا بكل ما لدنيا من طاقة لتجاوز الإختبارات الصعبة وذلك بالتحضير لها والتخطيط من أجل النجاح فيها بشتى العوامل والطرق، حتى ذوينا لأنهم هم من يحملون مسؤولية رعايتنا يقلقون و يستمرون بالقلق حتى نستطيع الإجتياز. قلة هم من يتمكن اليأس من جرح أرواحهم بحدته، قلة هم من يستسلمون لهذه الصعوبة ويقولون هذا اختبار صعب والفشل فيه محتم، ونحن في الحياة لنكن ذوي أنفسنا،دعونا نقلق على الروح التي نرعاها،ونستمر في كل لحظة بالتحضير لاجتياز اختبار الحياة هذا.

وما قبل النهاية ليس هناك أفضل من روح إنسانية أو قلب بشري فَهِم أنه في أي لحظة قد تكون الكلمة كلمته الآخيرة والنظرة نظرته الآخيرة و الفعل فعله الآخير وأنه سيعبر سبيل الحياة تاركاً خلفه حكايته بأكملها، ومضى دون أن تعرقله المغريات وتخنق أنفاسه العقبات، مضى عن مدرسة الحياة إنسان،مضى وترك خلفه حياة وفاز بحياة أخرى.

وفي النهاية هذه الحياة مهما كتبت عنها لا تنتهي الكلمات، أجمع الحروف لتعطي حياة للكلمات فتنشر وتتكاثر وتتكرر و يستمر الفيض؛ لأن مداد الحياة هذه خالق عظيم، مداد الحياة الأول الذي ليس قبله شيء و الآخر ليس بعده شيء، ومع هذا كله لم ولن تعبر السطور بعد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى