الأربعاء ١٣ نيسان (أبريل) ٢٠١١
بقلم فلاح جاسم

حَبيبَتي زَعِيمٌ عَرَبـِي

أيها القارئ المُبجل سأروي لك حكاية شخصية واقعية ليست من نسج الخيال. أحببْتـُها عندما التقينا صدفة، عن طريق «المسنجر»، وعَبّرَتْ لي عن إعجابها، وشرحتْ لي عن نفسِها، كما تشاء، وأعطتني اسما عربيا، له وقع في نفسي؛ (هند) كان هذا اسمهاً المزعوم، فتعلقتُ بها منذ الوهلة الأولى لا أدري ما السبب، أهو حبي للتراث العربي، وكثرة ورود هذا الاسم به، الذي أصبح يحمل دلالة خاصة! مثل قصة عمر كلثوم مع عمر بن هند، وغيرها. غير ذلك لم تفصح لي عن أي شيء عن نفسها، أصبحتْ جزءاً لا يتجزأ من صباحي، حتى أنني بإمكاني التفريط بقهوتي الصباحية، التي أدمنتها منذ سني الدراسة الثانوية، ولا أتوانى عن الحديث معها والإستمتاع بما تحكي، لا أكتمك سرا حديثها يتميز بالطلاوة والعذوبة، وهي على ثقافة عالية، مواكبة للموضة في جميع ألوانها وخطوطها.

تكرر هذا الطقس الصباحي لمدة سنة تقريبا، لا تتخلله سوى انقطاعات بسيطة، أحسُ خلالها بالضيق في صدري وانعدام الأكسجين في الجو، مما يضطرني أن أرخى ربطة عنقي، أم أرخيتُ لها عِناني. خلال تلك الفترة عَرفـَتْ كل شيء عني؛ منذ سني عمري الأول، وذهابي إلى المرعى راعيا «للطليان، التي هي جمع طلي، أي الخروف»، أتمنى ألا يخطر في بالك بأنني كنت أرعى الطليان أي الايطاليين، أو الأمريكان ( كما يفعل من يتظاهرون بمناصبتهم العداء في العلن، ويكونون معهم سمنا على عسل في الواقع)، لا أريد أن أتحدث في السياسة، دعني أخبرك عن قصتي مع حبيبتي، التي لم أعرفها. كانت علاقتنا فترة ممتعة، نحلق في الأعالي نتوسد السحاب، ونلمس النجوم بأيدينا. حتى أني كنت أقول لها: يا امرأة ساحرة، يا نكهة الحَرْف الذي لا يذبل، عَذب مجيئك يا نهرا من الخَجل، مُرّ غيابك، كيوم انهال التراب على جثة أمي ..أريدُ أن أكون معك وحدي، وأغرق أصابعي في شعرك، لا أريد أن أبحثَ عن وجهي الغارق في ثلج صدرك، وجمر حلمتيك الملتهبتين، أبحثُ عن التماع الدمع في عينيك، من شدة اللذة.. يا حقلا من الآهات اللذيذة، والحارة.. أبحث عن طعم أحمر الشفاه الدافئ، ورائحته، التي تجعلني مخلوقا من شفاه، كالإخطبوط، لي آلاف الأفواه كي استطيع مسح جسدك كاملا.. هل يتسع صدرك لضم حرماني، ونهمي إليك؟؟؟

دعيني أقبلك حتى أرى فراشات من لهب تخرج من عينيك، كي أرى قمرين متحديين يخرجان من سماء فستانك العنابي...أنتِ تحفة الله الفنية... سبحان الله ! هل أنت طينة من عسل وعطر؟ معجونة بزفرات القلوب؟

منذ أن عرفتها أعلنتُ ضِحْكـَتها نشيداً وطنياً لإمارة حُبّنا. وبقينا هكذا، هي الحاكم المطلق وأنا حَاجـِبه، كنا نتحدث في تفاصيل كل شيء حتى مستقبلنا، والبيت الذي سيأوينا، وأولادنا، وكيف سنختار لهم أسماءهم. ظنـّتْ حبيبتي إنني سعيد بهذا الوضع، وأحسد نفسي على ذلك الفردوس، لأنها اعتادت أن أكتب فيها شعرا ونثرا، لم يدر في خلدها أنه ربما يأتي يوم، ويسعى هذا المستكين المسكين إلى التحرر، ويعلن عصيانه دفعة واحدة. كنا في قمة النشوة في حديثنا معا، وغاية الانبساط، حين قلتُ لها: قررتُ منذ هذا اللحظة يا حبيبتي ألا أكون مغفلا، فارتبكتْ جداً، وسألتني مستفسرة ماذا أقصد؟ فقلت لها: خلال فترة علاقتنا لم أعرف أنت من؟ وابنة من؟ ومن أي بلد؟ وكيف هو شكلك، ولونك، بيضاء أم سمراء، أنفك عربي أشَم، أم تـَتري مُفلطح، وسردتُ لها قائمة طويلة من التساؤلات التي تنبتُ في عقلي كعشب من المسامير، وختمتُ الأمر بقولي: هل أنتِ رجلٌ أم امرأة؟ لا يوجد لديّ دليلٌ. لا أخفيك بأنها فوجـِئتْ جداً، واستغربتْ أن هذا الرجل الوديع، يعمل كشف حساب دفعة واحدة، لعلاقة كانت هي المسيطر الأوحد، وصاحب الكلمة العليا فيها، حَاولتْ المُكابرة في البداية، وترويضي كما في السابق، عن طريق شدّ العنان، لكنها عندما عَلِمتْ جَديتي في الموضوع، بدأتْ في تقديم التنازلات؛ تماماً كزعيمٍ عربي، لم يحسب حساباً ليوم تثور فيه الشعوب، التي لم تكن نائمة أبداً كما يُخَيّل له. حاولتْ فتح الكاميرا في "المسنجر" مباشرة كي أرى صورتها، فرفضت ذلك، حاولتْ أن تهاتفني كي أسمع لكن دون جدوى، ثم حاولتْ إعطائي اسم أبيها، وعنوان البيت بالتفصيل كي أتقدم لها، وقالت إن أهلها ليس لديهم مانع من زواجنا بعد أن كانت تقول لي: لا يمكن موافقة أهلي على زواجنا، وربما من رابع المستحيلات، التي لم تعد كذلك، فالغول موجود، والعنقاء نهضت من تحت الرماد، والكل يرى ذلك، والخل الوفي موجود هو الآخر، يضحي بدمه من أجلي ومن أجلك، قدمتْ كل هذه التنازلات دفعة واحدة، فقلت لها: لقد جاء كل شيء متأخراً، فأصبح باهتاً لا معنى له، كمن يلبس حلة العيد بعد حلوله.. باختصار يا حبيبتي، أنتِ زعيم عربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى