الثلاثاء ١١ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم محمد محمود قرانيا

حَديقَةُ الْوَطَنِ

قصة للأطفال

في الْحَديقَةِ العامَّـةِ أنواعٌ مِنَ الْوَرْدِ وَالزَّهْرِ والطَّيرِْ.. تَعيشُ بِجَانِبِ بَعْضِها بِسَلامٍ. .

"الْوَرْدُ الْجُورِيُّ الأَحْمَرُ" بِخُضْرَةِ أَوْراقِهِ..

وَ"النَّرْجِسُ الأَصْفَرُ" بِجَمالِ أَزْهارِهِ...

وَ"الطُّيورُ الْمُغَرِّدَةُ" بِأَلْوانِها الزَّاهِيَةِ وَرَفْرَفَةِ أَجْنِحَتِها الْجَميلَةِ...

كُلُّها سَعيدَةٌ مَسْرورَةٌ.. وَكُلُّ شَيْءٍ كانَ جَميلاً ماتِعاً في الْحَديقَةِ الْعامَّةِ...

النَّاسُ يَأْتونَ إِلَيْها مِنَ الصَّباحِ إِلَى الْمَساءِ، يَصْحَبونَ أَطْفالَهُمْ.. يَجْلِسونَ عَلَى الْمَقاعِدِ. يَتَمَتَّعونَ بِالْمَناظِرِ الْبَهيجَةِ، وَيَسْتَنْشِقونَ النَّسيمَ الْعَليلَ، وَيَسْتَمْتِعونَ بِسَماعِ هَديلِ الطُّيورِ وَتَغْريدِها... وَالأَطْفالُ يَلْعَبونَ فَرِحينَ فَوْقَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ..

كانَ كُلُّ شَيْءٍ جَميلاً مُنْعِشاً، يَبْعَثُ السَّعادَةَ وَالْبَهْجَةَ في النَّفْسِ.

ذاتَ مَساءٍ غابَتِ الشَّمْسُ خَلْفَ غَيْمَةٍ داكِنَةٍ سَوداءَ، قَدِمَتْ مِنَ الْغَرْبِ، وَهَبَّتْ ريحٌ عاصِفَةٌ بارِدَةٌ!.. فَانْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ زِيارَةِ الْحَديقَةِ، وَخافَ الْجَميعُ!...

خافَتِ "الْوَرْدَةُ" وَتَمايَلَتْ وَانْكَمَشَتْ عَلَى نَفْسِها!!!..

وَارْتَجَفَتْ "زَهْراتُ النَّرْجِسِ"!!..

وَاخْتَبَأَتِ "الطُّيورُ" في أَعْشاشِها!!..

فَقالَ "بُرْعُمٌ صَغيرٌ" لِـ"أمِّهِ الْوَرْدَةِ":

 أَنا خائِفٌ يا أُمَّاهُ. الرِّيحُ تَشُدُّني وَسَتَأْخُذُني بَعيداً عَنْكِ!!..

قالَتِ "الْوَرْدَةُ الأُمُّ":

 تَماسَكْ يا صَغيريْ... لا تَخَفْ.. غَداً تَهْدَأُ الْعاصِفَةُ وَتُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنْ جَديدٍ...

وَقالَتْ "زَهْرَةُ نَرْجِسٍ صَغيرةٌ" لِـ"أُمِّها":

 أَكادُ أَموتُ مِنَ الْبَرْدِ يا أُمِّي. أَنا أَرْتَجِفُ!!..

قالَتْ "أُمُّها":

 اِخْفِضِي رَأْسَكِ قَليلاً، حَتَّى تَمُرَّ الْعاصِفَةُ... غَداً... غَداً يا حَبيبَتي يَنْتَهي كُلُّ شَيْءٍ...

وَقالَ "فَرْخُ الْعُصْفورِ الدُّورِيِّ" لِـ"أُمِّهِ":

 مَتَى سَتَتَوَقَّفُ الْعاصِفَةُ يا أُمِّي؟!. إِنَّها تَهُزُّ الْعِشَّ، وَأَخافُ أَنْ تَكْسَرَهُ!!..

قالَتِ "الْعُصْفورَةُ الأُمُّ":

 لا تَخَفْ يا صَغيريْ ما دُمْتَ بِجانِبي.. غَداً سَتَنْتَهي الْعَاصِفَةُ، وَتُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنْ جَديدٍ، وَتَعودُ لِلْحَديقَةِ بَهْجَتُها...

لَكِنَّ الْعاصفَةَ لَمْ تَتَوَقَّفْ، وَاسْتَمَرَّتْ يَوْماً آخَرَ.. عِنْدَئِذٍ اشْتَدَّ الخوفُ بـ"زَهْراتِ النَّرْجِسِ"، فَمالَتْ عَلَى "شُجَيْراتِ الْوَرْدِ" وَاحْتَمَتْ بِها...

وَنَزَلَتِ "الْعُصْفورَةُ" مَعَ "فَرْخِها" مِنَ الْعُشِّ في أَعْلَى الشَّجَرَةِ، وَحَطَّا بَيْنَ "شُجَيْراتِ الْوَرْدِ" وَ"النَّرْجِسِ".

شَعَرَ الْجَميعُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَمانِ إِلَى جانِبِ بَعْضِهِمْ...

صَبَاحَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ هَدَأَتِ الْعاصِفَةُ، وَأَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، وَعَادَ الْهُدوُءُ الْجَميلُ إِلَى الْحَديقَةِ...

فَتَحَتِ "الْوَرْداتُ" أَوْرَاقَها..

وَضَحِكَتْ "زَهْراتُ النَّرْجِسِ"..

وَغَرَّدَتِ "الْعُصْفورَةُ" وَشَقْشَقَ "الْفَرْخُ" وَطار مَعَ أُمَّهِ، ثُمَّ حَطَّا عَلَى غُصْنِ شَجَرَةٍ، وَهُما يُغَرِّدانِ... فَلَمَّا بَدَأَتِ الشَّمْسُ تَميلُ إِلَى الْمَغيبِ عَادا إِلَى الْعُشِّ..

في الَّلَيْلِ.. سَألَتِ "النَّرْجِسَةُ الصَّغيرَةُ" "أُمَّها":

 حَديقَتُنا جَميلَةٌ!... ما اِسْمُها؟..

فَكَّرَتِ "النَّرْجِسَةُ الأُمُّ"، ثُمَّ قالَتْ:

 لا أَدْري!.. وَلَكِنْ سَنُسَمِّيها: (حَديقَةُ النَّرْجِسِ).

سَمِعَ "بُرْعُمُ الْوَرْدِ" كَلامَ "النَّرْجِسَةِ"، فَاقْتَرَبَ مِنْ "أُمِّهِ"، وَسَأَلَها:

 حَديقَتُنا جَميلةٌ!.. ما اِسْمُها؟..

فَكَّرَتِ "الْوَرْدَةُ الأُمُّ"، ثُمَّ قالَتْ:

 لا أَدْرِيْ، وَلَكِنْ سَنُسَمِّيها: (حَديقَةَ الْوَرَدِ).

سَمِعَ "فَرْخُ الْعُصْفورِ" كَلامَ "الْوَرْدَةِ"، فَأَسْرَعَ إِلَى "أُمِّهِ"، وَسَأَلَها:

 حَديقَتُنا جَميلَةٌ!.. ما اِسْمُها؟..

قالَتِ "الْعُصْفورَةُ الأُمُّ":

 لَسْتُ أَدْرِي.. وَلَكِنْ سَنُسَمِّيها: (حَديقَةَ الطُّيورِ).

في تِلْكَ الَّلَيْلَةِ.. كَتَبَ الْجَميعُ لافِتاتٍ عَلَى أَضْواءِ الشُّموعِ...

"الْوَرْدَةُ" كَتَبَتْ بِالْخَطِّ الْعَريضِ: "حَديقَــــــةُ الْوَرْدِ".

وَ"النَّرْجِسَةُ" كَتَبَتْ: "حَديقَـــــــــةُ النَّرْجِسِ" .

و"الْعُصْفورَةُ" كَتَبَتْ: "حَديقَـــــــــةُ الطُّيورِ".

وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ كَتَبَ لافِتَةً لِلَحَديقَةِ بِاسْمِهِ...

وَفي هَدْأَةِ الْلَيْلِ.. خَرَجَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ لِتَعْليقِ (لَوْحَةِ الْلافِتَةِ) الْتي كَتَبَها فَوْقَ مَدْخِلِ الحَديقَةِ، وَعِندَما شاهَدوا بَعُضَهُمْ، شَعَروا بِالدَّهْشَةِ والاسْتِغْرابِ، وَحَدَثَ حِوارٌ بَيْنَهُمْ... فَارْتَفَعَتِ الأَصْواتُ... وَكادَتْ تَحْدُثُ مُشاجَرَةٌ، لَوْلا وُصولُ "الْحارِسِ" الْمُتَقَدِّمِ في الْعُمْرِ، الَّذي سَمِعَ الأَصْواتُ، فَجاءَ مُتَهَلِّلَ الْوَجْهِ يَحْمِلُ بِيَدِهِ قِنْديلاً.

سَأَلَ "الْحَارِسُ":

 ماذا أَصابَكَمْ يا أَصْدِقائي؟!..

حَكَتِ "الْوَرْدَةُ" لِـ"الْحارِسِ" أَسْبابَ الْخِلافِ ثُمَّ قالَتِ:

 سَأُسَمي الْحَديقَةَ بِاسِمي لأَنِّي أَحَقُّ بِها... فَأَنا الطَّبيعَةُ الصَّامِتَةُ النَّابِضَةُ بِالْحَياةِ، وَأَنا رَمْزُ الطُّهْرِ وَالْعَفافِ وَالْحُبِّ وَالْحَنانِ، يَتَهادانِي الأَحْبابُ في الْمُناسَباتِ، وَيَتَغّنّى بيَ الْكُتَّابُ وَالشُّعراءُ.. أَوْراقي دائِمَةُ الْخُضْرَةِ، وَلَوْنيَ الأَحْمَرُ يَجْذُبُ الْفَراشاتِ الْمُلَوَّنَةِ، وَالنَّحْلاتِ الْجَميلاتِ الَّلَواتي َيصْنَعْنَ الْعَسَلَ...

ثُمَّ تَقَدَّمَتِ "الْعُصْفورَةُ"، وَقالَتْ:

 سَأُسَمّي الْحَديقَةَ "حَديقَةَ الطُّيورِ" لأَنَّها تُحِبُّ الْحُرِّيَّةَ.. نَحْنُ نُحَلِّقُ عالِياً تَحْتَ السَّماءِِ الزَّرْقاءِ.. لا نَعْبَأ بِالْحَواجِزِ، وَلا نَهْتَمُّ بِالْقُيودِ وَالحُدودِ الأَرْضيَّةِ، كُلُّ الْبِلادِ لَنا، وَعَلَى كُلِّ الأَشجارِ نَبْني أَعْشاشَنا الْفَريدَةِ في صُنْعِها.. نَمْلأُ الْجَوَّ تَغْريداً يُطْرِبُ الآذانَ. نَطيرُ عِنْدَ الْفَجْرِ، نُرَفْرِفُ بِأَجْنِحَتِنا.. نُغَرِّدُ وَنَحُطُّ عَلَى الشُّرُفاتِ وَحافََّاتِ الشِّبابيكِ.. نَنْقُرُ الزّجاجَ.. نُوقِظِ الأَطْفالَ كَيْ يَذْهَبُوا إِلَى مَدَارِسِهِمْ..

اِعْتَرَضَتْ "زَهْرَةُ النَّرْجِسِ" وَقالَتْ:

 لَنْ يَكونَ اِسْمُ الْحَديقَةِ غَيْرَ "حَديقَةِ النَّرْجِسِ" أَلا تَعْلَمونَ أَنَنَّي زَهْرَةٌ تُحْكَى عَنْها الْحِكاياتُ.. أَعيشُ عَلَى ضِفافِ الأَنْهارِ، وأَطْرافِ السَّواقي، وَفي الْبَراري.. ثُمَّ أَنا جَميلَةُ الْجَميلاتِ.. أَلا تَرَوْنَ قامَتي الْمَمْشوقَةِ، وَسِحْرَ تُوَيْجِيَ الأَصْفَرِ، وَجَمالَ بَتْلاتيَ النَّاعِمَةِ الْمُلَوَّنَةِ بِدِقَّةٍ عالِيَةٍ، وَالَّتي تُضْفي عَلَى الأَمْكِنَةِ الْحَياةَ والْحُبَّ، وَتَنْشُر الْعَبيرَ الْفَوَّاَحَ في الأَرْجاءِ.. فَيَأْخُذَني النَّاسُ وَيَضَعونَني في كُؤوسِ الْماءِ، عَلَى الطَّاوِلاتِ يُزَيِّنونَ بُيُوتَهُمْ؟!..

وَظَهَرَ الْخِلافُ مِنْ جَديدٍ!...

كُلُّ واحِدٍ يُصِرُّ عَلَى أَنْ تُسَمَّى الْحَديقَةُ بِاسْمِهِ...

وَقَفَ "الْحارِسُ" الْوَقورُ لَحَظاتٍ، وَقَدْ بَدا عَلَيْهِ الْتَفْكيرُ، ثُمَّ تَبَسَّمَ وَأَشارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ، فَصَمَتوا جَميعَاً، ثُمَّ قالَ:

 مهلاً.. مهلاً أيُّها الأصدقاءُ... أَنْتُمْ يا مَنْ تَصْنَعونَ الْجَمالَ, وَتَجْعَلونَ الْحَياةَ جَميلَةً.. لا تَخْتَلِفُوا.. الحَديقَةُ لِلْجَميعِ.. ما رَأْيُكُم أَنْ نُطْلِقَ عَلَيْها اِسْماً واحِدَاً تُشارِكُونَ فيهِ جَميعُكُمْ.

عَلَتْ الدَّهْشَةُ الْوُجوهَ وَارْتَسَمَتْ عَلاماتُ الاسْتِغْرابِ، وَتَساءَلوا بِصَوْتٍ واحِدٍ:

 كَيْفَ؟!... أَخْبِرْنا أَيُّها الْحارِسُ الْحَكيمُ...

قَالَ "الْحارِسُ":

 إِذا كَتَبْنا (الْواوَ) الْحَرْفَ الأوَّلَ مِنْ اِسْمِ الْوَرْدِ...

ثُمَّ كَتَبْنا (الطَّاءَ) الْحَرْفَ الأَوَّلَ مِنْ اِسْمِ الطُّيورِ...

ثُمَّ كَتَبْنا (النُّونَ) الْحَرفَ الأَوَّلَ مِنْ اِسْمِ النَّرْجِسِ...

فَماذا يُكونُ اِسْمُ الْحَديقَةِ يا أَصْدِقائي؟...

صاحَ الْجَميعُ فَرِحِينَ مَعاً:

 حَديقَــــــةُ الْوَطَنِ!... حَديقَـــــةُ الْوَطَنِ!...

شَكَرَ الْجَميعُ "الْحارِسَ الْحَكيمَ"، وَقَدْ شَعَرُوا أَنَّهُ بِحِكْمَتِهِ وَبِقِنْديلِهِ الْمُضِيءِ قَدْ غَمَرَ قُلُوبَهُمْ بِالْمَحَبَّةِ، ثُمَّ عادَ كُلُّ منْهُمْ إِلَى شَأْنِهِ..

"العُصْفورَةُ" تُغَرِّدُ..

وَ"الْفَرْخُ" يَنُطُّ وَيُزَقْزِقُ وَيَحِطُّ وَهُوَ في طَريقِهِ إِلَى عُشِّهِ الْقَريبِ..

وَ"زَهْرَةُ النَّرْجِسِ" تَتَراقَصُ وَتَتَمايَلُ مَعَ النَّسيمِ..

وَ"الْوَرْدَةُ الْجُورِيَّةُ تَزْدَهي بِلَوْنِها الأَحْمَرِ تَحْتَ ضَوْءِ الْقِنْديلِ...

وَمِنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، عِنْدَما تُشْرقُ الشَّمْسُ يأْتي النَّاسُ إِلَى حَديقَةِ الْوَطَنِ زَرافاتٍ وَوُحْدانا..

الأَطْفالُ يَمْرَحُونَ وَيَسْرَحونَ فَوْقَ الْمُروجِ الْخُضْرِ، وَبَيْنَ الأَزْهارِ وَالْوَرْدْ، وَيَسْعَدُونَ بِأَصْواتِ الطُّيورِ وَجَمالِ الْحَديقَةِ...

وَعِنْدَما تَهُبُّ الْعَاصِفَةُ... يَنامُ "النَّرْجِسُ" في أَحْضانِ "شُجَيْراتِ الْوَرْدِ"...

وَتَخْتَبِئُ "الطُّيورُ" وَ"العَصافيرُ" بَيْنَ "الْوَرْدِ" و"النَّرْجِسِ"...

وَيَعيشُ الْجَميعُ أُسْرَةً واحِدَةً مِنَ الْحُبِّ وَالْوِئامِ داخِلَ "حَديقَـــةِ الْوَطَنِ" الْغَنَّاءِ... (انتهت)

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى