الأحد ٢٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٢

حَلّقَ صَدى تَكبيراتٍ على طَرَاوَةِ نسائِمَ فجرٍ ذي...

علي الجنابي

حَلّقَ صَدى تَكبيراتٍ على طَرَاوَةِ نسائِمَ فجرٍ ذي يومٍ رَبيع، وتَألّقَ بندى تَعبيراتٍ على ضَرَاوةِ أضغاثِ زَجرٍ مُريع.

جاهَدْتُ لنهوضٍ كأنّي بليدٌ وضيع، أو لكأنِّي وليدٌ رضيع، ثمَّ إنسَلَلْتُ فتَسَلَّلتُ بعدَ وضوءٍ خاطفٍ سريع، بِخُطىً مُرتَجفةٍ بين أزقةِ حَيِّنا الوديع، الى حيث مسجدِها المُستَقِّر على ضفةِ دجلةَ، وذلك نهرٌ رئيسٌ أنيسٌ ونيسٌ، وعذبٌ وديع!

بيد أنَّ أمرَ المسجدِ مُستَغرَبٌ عندي وفظيعٌ! فبُيُوتُ الحيِّ مُضطجِعةٌ خلفَهُ، فمالِ بناةُ قومي جعلوهُ لضفةِ النَّهرِ ضَجيع! أوليسَ المساجدُ قلبٌ لمنازلَ أهلِ السجودِ ومَن أرادَ أن يطيع، فما بالُ مسجدنا من أقصى الحيِّ لآذانهِ يُذيع. أوليسَ ذاكَ الأمر يُصَيِّرُ من رمي الخطى للمساجدِ مُقَيَّداً بمَن يستطيع، وإنَّما ذلكَ في الفقهِ وفي الهندسةِ خطبٌ شنيع!

وإذ كنتُ أرمي خُطايا وسطَ ظُلمةٍ في الحيّ تُخفي البلايا، وأحمي جُملةً من حمايا وسطَ سبتٍ لقاطنيهِ من الرّعايا. إذ كانوا غرقى في صمتٍ إلتقمَ عظايا الحيِّ، ومِمّا فيهِ من سحايا. وإذ كنتُ أنَقِّبُ مُتَلَمِّساً موطئَ قدمٍ لكلِّ خطوةٍ من خُطايا، ومُتَغَمِّساً بحُظْوَةِ مَغفِرةٍ أمحو بها لمَمَي واالخَطايا، ومُتَحَمِّساً ألّا تقعَ الخطى على هُرَيْرَةٍ جاريَ "حَمدان"، جارٌ ودودُ السّجايا. لكنَّ هرَّتَهُ لعوبٌ مُتَعجرِفةٌ، فَأُفزِعُها فَتُفزِعُني، وكلانا نبيلٌ وحَسِنُ النوايا، أو أن تَنتهِكَ خُطايا ملكيّةَ جدارٍ لكلبٍ مُستَرخٍ يلهثُ مُحَذِّراً منَ بلايا: "لا تقربْ يا أنتَ فالهوى هاهنا هوايا". فيَغضبُ فيُطلقُ دَوِّياً بكاتمِ حنجرةٍ، فنَبحةَ تُميتُ النبضَ والحنايا. نبحةٌ يأبى تِكرارَها ولو أمدّوه بمددٍ من كلابِ صيدٍ في سَرايا، فنَركسُ نحنُ الإثنانِ في نِزاعٍ جاهلٍ بتفاوضٍ (دبلوماسي) معهودٍ في ذي قضايا.

أو أن تقعَ خُطايا وسطَ بُحيرةٍ آسنةٍ من بحيراتٍ فضيةٍ مُتناثراتٍ في الزوايا. بحيراتٌ وُلِدَتْ من رَحِمِ حَيَوِيَّةِ النساءِ لنهارِ قد إندثرَ في الطوايا، ومن حَيَوِيَّةِ ما وَلَدنَ من صُبيانٍ وصَبايا. صَّبايا مُتَأنِّقاتٍ بِتَبَسِّماتٍ مُتَغَنِّجةٍ، ومُتأَلَقاتٍ بتَجَسّماتٍ مُتَسَرِّجةٍ من حِليةٍ قِبَالَةَ مُعَلَّقاتٍ من مرايا. صبايا مُتفَلِّقاتٍ بتكتُّلاتٍ مُتَشَنِّجةٍ، ومُتحَلِّقاتٍ بتَفَتُلاتٍ من قلائدَ ومن عَطايا. وتراهُنَّ مُتَمَلِّقاتٍ بكسوةٍ، بعضُها مبتاعٌ بثَمنٍ بخسٍ بعد سَومٍ مجٍّ يصعقُ الجبلَ وماأحيطَ به من ربايا، وأكثرُهنَّ إستعارةٌ من نسوةٍ بتبادلِ منفعةِ، أو بتعادلِ هَدايا.

وإذ دخلتُ الحرمَ فطاشَتْ رعشاتُ جَفلتي في سماءِ رحمتِهِ وشَفَقَتِهِ، وتلاشَت وحشاتُ رحلَتي في فضاءِ رِفْقِهِ ورِقَّتِهِ، وجاشَت تحتَ تَلألُؤِ حُنُوِّهِ الحنايا، وَعاشَتِ الرُّوحُ في رحمةٍ مَمنوحةٍ لأهلِ مسجدي، وأولئكَ قومٌ زُكاةُ المَزايا.

وقفتُ بين يديهِ لأُناجِيَهُ، ومَاذا عَسَاي! ومَاذا عَسَاي!

مَاذَا عَسَانيَ أنْ أنَاجِيَهُ، وذا كياني بِآثامِ شَهوَتهِ مُضَرَّج، ولساني..

مَاذا عَسَانِي، وذا بناني مُبتَبِسٌ سَريرَةَ حَرفِهِ، ولِسَانِي

مَاذا عَسَانِي، وذا بياني مُحْتَبِسٌ جَريرَةَ ذَرفِهِ، وسنانِي

مَاذَا عَسَانِيَ، وذا طَائِري في عُنُقي مُتَلَمِّسٌ، وجَنَاحَاهُ لطَرائِقي مُتَعَسّسَانِ

مَاذَا عَسَانِي، إلّا أَنْ أعتَصِرَ لأنتَصِرَ لِعَبَراتِ ذَرفِي، فِي ظلالِ إلهٍ حَميدٍ أُنْسِيتُهُ وَمَا نَسَانِي

مَاذَا عَسَانِي، إلّا أَنْ أختَصِرَ لأحتَصِرَ نَظَرَاتِ طَرفِي، لِجلالِ رَبٍّ رَشِيدٍ إنْ عَصَيْتُهُ وَاسَاني

مَاذَا عَسَانِي، إلّا أنْ أَفِّرَّ إلى عليمٍ غَفُوُرٍ، فَيُعَدِّلُ عُيُوبي، بلُطفِهِ لبستانٍ من حِسَانِ

مَاذَا عَسَانِي، إلّا أنْ أُسِرَّ لحليمٍ صَبُوُرٍ، فَيُبَدِّلُ ذُنُوبي بعَطفهِ لرضوانٍ وإحسَانِ

سُبْحَانَهُ، وإذ هوَ في عَورَاءَ مَسالِكي يَرعَانِي، وفي حَضِيضِهُمُ أَنْجَدَني ومَا سَجّانِي

سُبْحَانَهُ، وإذ هوَ في غَبْرَاءَ مَهَالِكي وَعَّانِي، لِيَفكَّ أسْريَ مِن طغيانيَ ومن سَجَّانِي

سُبْحَانَهُ، وإذ هوَ ينادينِي كُلَّمَا مَسَّنيَ طَائِفٌ مِن الشَّيطانِ وَبِلَمزِهِ دَسَّانِي

سُبْحَانَهُ، وإذ هوَ يَتَقَبَّلُ عنِّي كلَّ آنٍ صَلاةً أستحي مِمّا حوت مِن لهوٍ وسَهوٍ ونِسيَانِ

سُبْحَانَهُ، وإذ هوَ يَتَقَبَّلُ بلطيفِ حنانِهِ صلاةَ ساهٍ واهٍ، شاهٍ لاهٍ، شَارِدٍ نَعسَانِ.

أكملتُ نُسُكي، فكررتُ عَوْداً في رحلةٍ متأنيةٍ ومُزدَلِفة، الى دفءِ سريرٍ مُرتَقبٍ، والنَّفسُ مُتَلَهِّفة، إلى تَرَفِ قريرٍ على وسادةٍ ناعمةٍ غيرِ مُتَصَوِّفة.

بيدَ أنَّ رِحلةَ العَودِ كانَت عن إختِها الأولى مُختَلِفَة، فالشَّمسُ قد أطلّتْ بخدودٍ خَجولةٍ مُؤتَلَفَةٍ مُؤتَلِفَة، لتمحوَ الظّلمَةَ مَحوٍاً موقوتاً، حتّى تَنحوَ يدايَ الى طيّباتٍ مُعتاشَةً ومُغتَرِفة، وحتّى تَصحوَ هُريرةِ "حمدان" اللعوبِ المُتَعَجرفة، فتَلهوَ معَ خصيميَ الكلب ذي الميولِ المُتَطَرِّفَة.

أجل، أطلّتِ الشَّمسُ بخدودٍها المُؤتَلِفَة، وفضَّةُ البحيراتِ في دروبِ الحيِّ أضحَت مرئيةً، ولها مُزَخرِفة. ولمّا وردّتُ بابَ الدّارِ، رَصَدّتُ حذوَ عَتَبَتِها بتَفَكُّرٍ وبتَدَبُّرٍ ذاكَ الخَدَّ ذاكا، خَدَّ شمسٍ آسِرةٍ، ويكأنّهُ خَدُّ برتقالةٍ رَمى بحجابهِ يَبتغي لُقياكا! ورَنَى بعُجابهِ لنَداكَ، وإنحَنَى بشرابِهِ لسُقياكَا!

ويكأنَّهُ تَدلَّى فدَنَى لمُحيّاكا! وتَحَنَّى بحنَّةِ حنانٍ على الخدِّ ليرتقيَ الى سماكا.

ويكأنَّهُ تَغَنَّى بغُنَّةِ سنانٍ، وكانَ يَنتَقي لخُطاكا، وبكَ سيلتقي بعدَ رحلةِ دُجىً في مسراكا، وبكَ سيَتَّقي من غضبِ الرّحمنِ، إذ الناسُ في غفلةٍ من شَخيرٍ، بِومضةٍ من تُقاكا.

عانقْتُ خدَّ الشّمسِ، وتَمتَمتُ بهَمسٍ قبلَ أن ألِجَ لمنامِي بِثقيلٍ مِن رثاء:

يالِبهاءِ خَدِّ برتقالةٍ قد غَيَّبَتْها عنّي أحداثُ "عَوْلَمةٍ" عمياءَ عن بصائري بجَفاء

وعَيَّبَتْها أجداثٌ أرقَمَةٍ بكماءَ، تُدبِرُ عن الوفاءِ بصفاء، وتُقبِرُ الهناءَ بدهاء، وتُخبرُ عن فصيحِ عطاءٍ ونماءِ، وهناءٍ وبهاء، بشحيحِ بصلٍ وعدسٍ وفومٍ وقثاء.

إيهٍ يا سناءَ خَدِّ الشَّمسِ: لِلَهوٍ منّي بِعتُكَ، وعن سهوٍ مني أضعتُكَ، أو رُبَما عن غباء. و ...

(إنَّ أحَدَكم لن يموتَ حتَّى يستوفيَ رِزْقَه، فلا تستبطِئوا الرِّزقَ، واتَّقوا اللهَ، وأجمِلوا في الطَّلبِ، خُذوا ما حَلَّ ودعُوا ما حرُم).

حقيقُ عليكِ -أعولمةُ- أن تعيَ كلامَ سيدِ الأنامِ والأنبياء.

وقِمنٌ لكِ ذلكُ إن إمتلكتِ خردلةً من ذكاء.

علي الجنابي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى