الأحد ٧ شباط (فبراير) ٢٠٢١
بقلم محمد زكريا توفيق

خطورة تطور الفيروس التاجي

الفيروس التاجي، كورونا المستجد، يتحوّر — ولكن ما الذي يحدد سرعة ذلك؟

الفيروسات بصفة عامة ليست كائنات حية بالمعنى المتعارف عليه. بالرغم من أنها تتحور، مثل كل الخلايا الحية، وتنتج متغيرات وطفرات جديدة طول الوقت.

بدون الطفرات الوراثية والتطور، لن يوجد إنسان على سطح هذه البسيطة. ولن يكون هناك أي كائن حي على الإطلاق - لا الثدييات، ولا الحشرات أو النباتات، ولا حتى البكتيريا. اللهم اجعل كلامنا خفيف على مشايخنا الكرام ورجال الاعجاز العلمي. ونرجو منهم الصمت التام، في هذه الأيام الصعبة، أيام انتشار هذا الوباء المميت.

هذه الأخطاء العشوائية الصغيرة، التي تحدث عند نسخ الخلية الحية أو الفيروس لنفسه، هي المادة الخام اللازمة لحدوث تطور الكائنات. شئنا أم أبينا، نظرية التطور صحيحة، صحيحة يا ولدي.

الطفرات تخلق تباينا بين الأفراد. مما يسمح للانتقاء الطبيعي بتضخيم الصفات التي تساعد الكائنات على الحياة والتكاثر والانتشار. وتجعل رقبة الزرافة طويلة للوصول إلى الفروع العالية، وتجعل اليرقات تنمو وتأخذ شكل الإخراج حتى تهرب من الطيور الجائعة. فالطيور لا تأكل إخراجها.

لكن، في خضم وباء كورونا المستجد، كلمة "طفرة" تثير الرعب، وننسى أننا قد أتينا عن طريق الطفرات. الفيروسات، وهي من الناحية الفنية ليست كائنات حية، هي أيضا تتحور وتتطور، ومفيش حد أحسن من حد. عندما تهاجم الخلية الحية وتتكاثر داخلها.

الفيروس الجديد المعدل وراثيا، يمكنه أن ينتقل بسهولة أو بسرعة أكبر بين الناس، أو الهرب من دفاعات الجهاز المناعي بطريقة أمكر وأخبث. طفرات ثلاثة لفيروس كورونا المستجد جعلت العلماء تضاعف جهودها للحد من انتشار الفيروس السريع.

لكن هذه الفيروسات الثلاثة المعدلة، ليست سوى عدد قليل من بين آلاف الفيروسات المعدلة، التي ظهرت منذ بدء انتشار الوباء. نحن السبب في خلق الفيروسات الجديدة المعدلة في الوقت الراهن، لأن لدينا الكثير من البشر المصابين.

لقد اختفى العديد من هذه الفيروسات المعدلة منذ ذلك الحين. فلماذا تختفي بعض الفيروسات، ولماذا يتغير الفيروس في المقام الأول؟ ما هي الآليات التي تلعب دورا أساسيا للفيروسات المتطورة؟

الفيروس الناجح هو الذي يستطيع أن ينسخ نفسه بأعداد مهولة. لكن هذه الكيانات الصغيرة لا تستطيع أن تفعل الكثير بمفردها. الفيروسات هي في الأساس لفائف من مواد وراثية محشوة في قذيفة بروتين.

لكي يتم نسخه، يجب على الفيروس أن يجد مضيفا. يهبط على خلية المضيف، ثم يحقنها بمواده الوراثية، فيما يشبه عملية خطف واغتصاب. وذلك لصنع جيل جديد من النسل الفيروسي.

لكن في كل مرة يتم فيها خلق نسخة جديدة، هناك فرصة لحدوث خطأ، أو طفرة. الطفرات هي مثل الأخطاء المطبعية في سلسلة من "الحروف" التي تشكل حبلا من الحمض النووي (DNA) أو الحمض النووي الريبي (RNA).

معظم الطفرات ضارة بالفيروس أو الخلية نفسها بعد النسخ، مما يحد من انتشار الفيروسات بين السكان. على سبيل المثال، يمكن أن تتسبب الطفرات في تغير لبنات بناء البروتينات المشفرة في الحمض النووي أو الحمض النووي الريبي، مما يغير الشكل النهائي للبروتين ويمنعه من القيام بعمله المقصود.

العديد من الطفرات الأخرى محايدة، ليس لها أي تأثير على مدى كفاءة الفيروس، أو الخلية عند تناسخها. تنتشر هذه الطفرات في بعض الأحيان بشكل عشوائي، عندما ينتشر الفيروس الحامل للطفرة إلى مجموعة من الناس.

مع ذلك، بعض الطفرات المختارة تكون مفيدة للفيروس. على سبيل المثال، يمكن أن تجعل بعض التغييرات الفيروس أفضل في الانتقال من مضيف إلى آخر. وهذا ما حدث في المملكة المتحدة، ثم انتقلت هذه الطفرة بسرعة إلى عشرات البلدان في جميع أنحاء العالم. سرعة انتقال هذا الفيروس المعدل تزيد 50 في المائة عن الفيروس السابق. وهذه تعتبر من وجهة نظر التطور، ميزة للفيروس.

قد تحدث الطفرات بشكل عشوائي. إلا أن الإنزيمات التي تستنسخ الحمض النووي (DNA)، وتسمى بوليمرات الحمض النووي، يمكنها تصحيح الأخطاء وإصلاحها في السلاسل الناتجة عن الحروف الوراثية، لكن تترك طفرات قليلة في كل جيل من النسخ.

لكن الحمض النووي الريبي (RNA) لفيروسات، مثل فيروس كورونا، يفتقد مهارة تصحيح الأخطاء، مما يجعله عرضة لمعدلات طفرات عالية - تصل إلى مليون مرة أكثر من طفرات الخلايا المحتوية على الحمض النووي (DNA).

فيروس كورونا له معدل طفرة أقل قليلا من العديد من الفيروسات الأخرى، لأنه يمكنه أن يقوم ببعض التصحيحات الجينية الخفيفة. لكن هذا لا يكفي لمنع هذه الطفرات من التراكم. لذلك مع انتشار فيروس كورونا الجديد في جميع أنحاء العالم، كان لا بد من أن تظهر مجموعة من الفيروسات المعدلة.

معدل الطفرات الحقيقية للفيروس من الصعب قياسها. إلا أن معظم هذه الطفرات تكون قاتلة للفيروس نفسه، ولن تراها بين المصابين.

بدلاً من ذلك، يمكن أن تساعد الدراسات الاستقصائية الجينية للمرضى في تحديد ما يعرف بمعدل التثبيت، وهو مقياس لمدى تكرار الطفرات المتراكمة التي تصبح "ثابتة" داخل مجموعة من السكان.

إن فهم هذه الديناميكيات التطورية لفيروس كورونا المستجد أمر حيوي، لضمان مواكبة العلاجات واللقاحات للفيروس. في الوقت الراهن، اللقاحات المتاحة فعالة في الوقاية من الأمراض الوخيمة الناتجة عن جميع المتغيرات الفيروسية. فلا داعي للقلق. خطر أخذ اللقاح، أقل بكثير من عدم أخذه.

Johnson & Johnson files for FDA approval of its COVID-19 vaccine
These are the COVID-19 vaccine prospects that have made it to phase three trials and beyond.

كما أن دراسة تطور فيروس كورونا المستجد، تساعد في الإجابة على سؤال آخر يلوح في الأفق: من أين جاء فيروس كورونا المستجد؟ المعروف أن المرض قد نشأ على الأرجح من الخفافيش، إلا أنه لا تزال هناك فصول مفقودة في حكاية انتقال المرض إلى الإنسان. هل جاء من الصين؟ عن قصد أم بدون قصد؟ ملء هذه الفراغات يمكن أن تساعدنا على تعلم كيفية حماية أنفسنا في الحاضر والمستقبل


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى