الاثنين ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٤
بقلم فراس حج محمد

درويش والاحتفاء بذكراه!!

منذ سنوات وأنا أحتفي بدرويش مرتين سنويا، مرة في ذكرى مولده (13-3-1941)، والثانية في ذكرى وفاته (10-8-2008)، أحتفي به ليس لأنه فلسطيني، وليس لأنني أحبه شاعرا مقتدرا، بل لأنه يفيض وجعا في كل حرف، فأكتب عن إحدى أعماله الشعرية أو النثرية!

بالطبع في شعر درويش وحياته الكثير من مواطن الخلاف بينه وبين الكثيرين من النقاد والشعراء، بعضهم يريد أن يخرج من سيطرة روح درويش ويريد تمزيق عباءته اللفظية والمعنوية، ليكون صوت روحه وسمت نفسه، وهذا من حقه، ولكن ليس من حق أحد مهما ادعى لنفسه الرسوخ في عالم الشعر سلب درويش حقوقه وجحد ما أنجزه من مظاهر إبداع، فلا يعرف الفضل إلا أولو الفضل!

كان درويش سيد شعراء عصره، بعد أن لم يكن هناك درويش، كان درويش يوما شاعرا مبتدئا، كتب شعرا متوسطا ورديئا، ولكنه كان جريئا فحذفه وتخلص من عبء حمل يتعب الروح قبل البدن، درويش كان شاعرا مسحوقا وفقيرا ولاجئا ومتسكعا، ولكنه كان مغامرا وشجاعا، ربما شجاعا في الباطل أو في الحق ليست هنا المسألة، المهم أنه عاش وولد إنسانا حساسا، مشى ما كتب عليه من خطوات، وقطع الطريق إلى آخره سيرا في حقل من الألغام ، عانى كثيرا حتى أصبح الشاعر الشاعر، فمن أراد هزيمة درويش فنيا فليتفوق عليه شعرا وغناء ووجعا إنسانيا ناضجا، ومن أراد أن يكون البديل فليقدم ما هو أعظم من درويش ومعاناة درويش، وليضئ لنا روحه كما أضاء لنا درويش يوما روحه وفكره!
كتب درويش كثيرا وكان شاعرا مجتهدا مثقفا قارئا نهما متنوع الثقافة في مصدرها وتنوعاتها الحيوية الإنسانية من عربية وإسلامية ومسيحية وتوراتية وعالمية، هضم عقله ما لا عد له من الأفكار ليعيد لنا إنتاجها فكرا وشعرا بطعم خاص ومزاج خاص، فكانت قصائده أسفارا ثقافيا مكتنزة ومشبعة بالعمق الثقافي، ولم تكن قصائد يقتات بها الصغار على قارعة الطريق، فدرويش ليس بريئا من حروف الآخرين. ولكنها ليست تلك الاتهامات التي يلقيها شانئوه في مقالاتهم العجلى الفجة الساذجة،

كان درويش محملا بالعبء الإنساني العالمي بثقافاته المتجذرة في عمق أعماق الوجود الإنساني وكاتب يحصي المرارة كما يحصي النجوم، حاولت أصابعه أن تقبض وهج الشمس، فسرت في جسد القصيدة رعشة الحياة الأبدية، وصار مولده عنوانا للثقافة في فلسطين في يوم الثقافة الوطني!

هذا هو درويش فمن منكم مثله أيها القابعون في هوامش الصفحات الأدبية تعانون من رطوبة الروح الكسولة الخائرة التي تحجرت فيها الحروف وغدت ميتة تنتظر إماما ليشيعها إلى مثواها الأخير، لك المجد أيها الشاعر الكبير، وعلى هؤلاء ما عليهم من قلق الريح الذي تحركهم في كل اتجاه طمعا في صورة مؤطرة على جدار صفحة من جريدة بائسة لا يقرأ سوادها غير الأسود من الناس قلبا وشعورا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى