السبت ٤ آب (أغسطس) ٢٠١٢
بقلم أحمد غانم عبد الجليل

دوامـات الـلـيـل...

استيقظت فزعا من نومي، أنرت المصباح المنضدي القريب، نقَلت نظراتي بين أركان غرفة النوم الفاخرة, المرتبة بعناية، مرآة التسريحة المؤطرة بالنقوش والمواجهة للسرير، تحتل عطورها الفواحة وعلب مكياجها الغالية جل مساحتها, شماعة الملابس التي تصر ألا نعلق عليها سوى مناشفنا، الستائر المزركشة التي اختارت ألوانها ونقشاتها ونوع قماشها بعد بحث طويل في الأسواق، كاد يدفعها إلى تأجيل موعد الزفاف، تغيظني دقتها الشديدة، ولعها بالتفاصيل، رغبتها بأن يكون كل شيء في مكانه دوما، مما قد يدفعني أحيانا إلى اتهامها بالوسوسة إلى حد الجنون، بينما تتهمني هي بالفوضوية واللامبالاة وحدة المزاج التي سوف يرثها أولادنا عني... اختلاف طباعنا كان سببا في نشوب مشاكل كثيرة لم تدر في خلد أي منا قبل الزواج, بعد عدة سنوات من حبٍ صاخب، حفزني على النجاح في تجارةٍ بدأت بمزاولتها منذ دخولي الكلية...

استرجت نظراتي من جسدها المستلقي بجانبي في سكونٍ جميل إعانتي على نسيان ذلك الحلم الغريب الطويل، تلك الأعوام, وتلك الحياة التي رحَلتني إلى أقدار أخرى، لا صلة لها بحياتنا، ولا بأي شيء يخصني على الإطلاق...

لم أستطع منع يدي من الزحف نحوها واحتضانها، التمسك بها بقوة, معتذرا عن كل حماقة ونزوة عابرة جمحت بي بعيدا عنها، رغم معرفتي شدة مقتها تلك الطريقة في إيقاظها، وإن كان شيء منها يحب تلك المباغتة الشهوانية، ظللت أعانقها بشغفٍ عنيف, صار استيقاظي المفاجئ يشهق لهفته...

صداعٌ شرس يثقل رأسي, تتحرك يدي ببطءٍ متثاقل نحو سلك المصباح، تدحج نظراتي الغائرة أرجاء الغرفة الصغيرة الموحشة، السرير الضيق مخلخل الألواح الخشبية، الأثاث البسيط القديم, ستائر الشباك حائلة اللون, يواجهني شيب شعر رأسي في ذات المرآة التي شهدت بؤس ملامحي يوم سماع خبر ارتباطها بشخصٍ آخر، وجهها المزدان بفرحة العروس يتلاشى شيئا فشيء أمامي....

أفتح عينيَ جفِلا على ظلام دامس يلف الغرفة بالكامل، فلا أجرؤ على إشعال المصباح...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى