الخميس ٣١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

رحلة في أعماق كاتبة

كانت رحلة عصيبة بالنسبة لي وأنا التقط أنفاسي وسط رفوف الكتب الذي نثرت غبارها وأتعبتني، كما أن مهمة البحث عن كتب ليست باليسيرة خاصة إذا كان موعد رحلتك قد أزف .. والموظف المشغول يترك لك حرية الغوص وسط أمواج وأثباج من الكتب الثقيلة والرفوف العالية ومع هذا تبقى متعة البحث من أجمل ما يمكن أن يسطر خاصة إذا كان الكاتب أو الكاتبة يستحق منا ذاك العناء ..
وربما كنت أجدف بيد صغيرة وسط أمواج هائلة كادت أن تبتلعني كي أبحر في أعماق ..
الكاتبة والأديبة ( مي زيادة ) ؛؛؛

*مي زيادة 1895-1941 م اسمها الحقيقي ماري إلباس، وقد اختارت لنفسها اسم مي ذلك الاسم الذي عرفت به والذي ربما كان يعني لديها الكثير مما جعلها تتسمى به على أية حال هذه الشاعرة من مواليد فلسطين قرية الناصرة ولدت مي لأب لبناني أقام في فلسطين وتعلمت بمدارسها ثم أكملت تعليمها في لبنان بمدرسة عين طور ثم ذهبت إلى مصر مع والديها وبدأت تكتب في جريدة المحروسة ومجلة الزهور
وكانت الشاعرة مي بالإضافة لموهبتها الفذة الفريدة في عالم الأدب تتقن عدة لغات منها الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والأسبانية وتميزت بذهن صافي وقريحة بارعة
*وتعد مي زيادة من أكثر أديبات الشرق موهبة وثقافة.
كما أنها كانت تكتب في العديد من الصحف مثل الهلال، والرسالة والعديد منهم .ولها من الآراء الفلسفية والفكرية العديد المتميز الذي جعلها تتبوأ تلك المكانة الأدبية الفريدة
*وكان يجتمع في دارها أو لنقل في صالونها الأدبي المنعقد كل يوم ثلاثاء كبار الأدباء والمثقفين حتى أصبح منتدى أدبي حافل، يتردد عليه كبار الشعراء والكتاب أمثال: أحمد شوقي، عباس العقاد، خليل مطران مصطفى الرافعي، طه حسين لما تتمتع به من فصاحة وبيان وموهبة، كما ساهم صالونها في تنشيط التبادل الفكري بين رواده.

*معاناتها:ـ

تعرضت مي لكيد أقربائها إذا ألقوا بها في مستشفى الأمراض العقلية وبقيت قرابة عامين حتى خرجت بعد ذلك

*أعمالها:ـ

* كتبت مي مجموعة أشعار بالفرنسية، وتعددت مؤلفاتها مثل بين مد وجزر، الحب في العذاب، ابتسامات ودموع, الصحائف, ابتسامات ومقالات, سوانح فتاة وهناك الكثير من أعمالها.
كما أن لديها الكثير من الإبداعات المختلفة كالمحاضرة، والمقالة، والخاطرة ومازال قسم كبيرٌ منها لم يجمع بعد .
* واقرأ للكاتب نبيه قاسم "ما كتبته مي زيادة في لحظة حزن عندما تخلى عنها كل من عرفتهم وأحبتهم
هكذا ظلت كلماتها حزينة هادئة مستجدية تقول " أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينُصفني".!
ومن للغريب إلا الغريب !!
وقد ضاع من إنتاجها وكتاباتها ومقالاتها الكثير الوافر المتناثر مابين الصحف والمجلات والأدراج الخاصة ، وهي تنتظر من يلتفت إليها ويعيد إليها الحياة ويبعث فيها الحركة.
*أرى أن هناك تعتيم على إنتاج مي الإبداعي فقد ذكر البعض أن لها كتابات مجهولة جمعها البعض وهي لم تر النور حتى الآن!
وتعتبر أعمال الأديبة مي زيادة ثروة أدبية نادرة تتمتع بذخيرة عالية من الثقافة والأدب العالمي المتميز بسعة الثقافة والخيال .

*وفاتها : ـ

توفيت يوم الأحد التاسع عشر لعام 1941 م .
يقال هناك من أسعف أعمال مي وأنقذها من الحشرات وغبار الزمن .
ولكن هل أنصفت هذه الأديبة المتميزة وأعطيت حقها في حياتها وبعد مماتها أعتقد لا !
فقد عاشت وهي تزرع البسمة والأمل للجميع ، وماتت وهي تدرك أنها لن تُنصف !
*مي زيادة هي الحاضرة الغائبة بأعمالها وتراثها الغزير النادر الذي يجب أن نُعنى به وننقذه من خطرِ الانقراض!
اخترت لها من إحدى مجموعتها هذا النص :

أنا والطفل

هناك بعيداً عن المدينة وضوضائها ، على شط النيل النائح في سيره ، على رفاتالعذارى المبعثر في أعماقه .. قصدت إلى الحديقة في صباح يوم منير . نبذت عني عادات المدينة فافترشت الثرى كما يفترش سكان البادية رمال الصحراء .
لم أرَ حولي سوى سيدتين إنجليزيتين مع إحداهما ثلاثة أطفال . وإن هي إلا دقائق حتى اقترب مني أحد هؤلاء ، وهو صبي في الرابعة من سنواته فناديته قائلة : تعال إليّ أيها الصغير ؛ فدنى واجفاً باسماً، فسألته : ألا تجلس على ركبتي ؟ !
فجلس صامتاً .. فملت إلى الطفل أمتص من حلاوة وجنتيه ، لاهية بتلك القبلة عن كآبتي المتصاعدة من فؤداي كما يتصاعد الغيم من أطراف البحار .
ما أعذب قبلة الأطفال وما أطيب طعم ابتسامتهم !
إلى أن كتبت : فنظرت إليه وخاطبته همساً :
هذه اليد التي تنقل إشاراتها اليوم ما حفظته من إشارات ، هذه اليد التي لا تمتد إلا لمداعبة الندى ولمس الأزاهير ، هذه اليد الصغيرة الطرية سوف تصير يد جندي !
سوف تقبض على السيف والحرية وتطلق النيران من أفواه المدافع !
سوف تفتك بحياة البشر أشراراً كانوا أم أبرار .

من أجواء ــــ سوانح فتاة ــــ

الفتاة

التي اعتادت الانقياء لآراء والديها وعجزت عن اتيان عملٍ فرديٍ تدفعها
اليه ارادتها بالاشتراك مع ضميرها ماهي الا عبدة قد تصير في المستقبل (
والدة ) ولكنها لا تصير ( أماً ) وان دعاها ابناؤها بهذا الاسم . لان في
الامومة معنىً رفيعاً يسمو بالمرأة الى الاشراف على النفوس والافكار
الخير اصلٌ في الحياة وليس الشرُ شراً الا لأننا اشرار .. ولا ظلام حولنا الا الظلام المنبثق من شكوكنا وأحزاننا ومطامعنا .

بإمكانك وضع باريس في زجاجة ان استطعت استعمال كلمة " لو
"الذكاء يتعب والعلم يعذب والحرية الفكرية تقلق النفس
 ان حب الرجل لا يُكتسب بالتهتك بل بالتكتم .

كم
من امرأة تحسب آية في جمالها وفي تناسبها وملاحتها ومع ذلك غير جميلة
اذا سر أمرؤ بمشاهدتها مرة أو مرات فهو لا يتمنى مجالستها ويمل كلامها
وسخافتها بعد أن يعرفها قليلا .. إذ يرى أن أحسن ما فيها هو هذا الشيء
الخارجي الذي لا يكفي لامتلاك القلوب واكتساب الارواح .

إن
الجمال الذي تسمونه جمال الشباب ما هو الا جمال القشور .. اما الجمال
الاخر فهو جمال الجوهر .. الآلام تطهره والمصائب تنقيه .. والعواطف تفعمه
قوة ونبلا .. هو الجمال الذي يبقى ناميا مدى الحياة .. هو مسعد العائلة وهو
مساعد الزوج وهو مهذب الاطفال وهو السلام والبركة .

بعض

أوقات سجلت في كتاب الحياة ... اتمنى رجوعها لحظة ويأسف لانقضائها قلبي
ولكن فكري ليس ليشتهيها لأننا في عالم نسوء وارتقاء ولأن اكتفى جزء من
النفس مرة فهناك جزء آخر يبقى متفلتا من اظلال الماضي تائقا الى المستقبل
المجهول لا يعرف لذة الارتواء وسعادة الاكتفاء .

من
عجائب الحديث النسائي ان السيدات اما يصغين جميعاً ولا تتكلم منهن واحدة
وهذا نادر .. واما يتكلمن جميعا في آن ولا تصغي منهم واحدة .

قالت مي: أنا امرأة قضيت حياتي بين قلمي وأدواتي وكتبي، ودراساتي وقد انصرفت بكل تفكيري إلى المثل الأعلى، وهذه الحياة "الأيدياليزم" أي المثالية التي حييتها جعلتني أجهل ما في هذا البشر من دسائس " .


مشاركة منتدى

  • ربنا يحفظك ويحميكي ويوفقك ودائما وأبدا موفقه بإذن الله تعالي في إبداعاتك الأدبيه وإن كان هذا يدل إبن الوز عوام بنت الاديب الكبير والشاعر العظيم أستاذنا الفاضل الكريم ا عبد الفتاح حفظه الله ودام الله عليه نعمة الصحه والعافيه وبطول العمر يارب العالمين

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى