الأحد ٢٦ آب (أغسطس) ٢٠١٨

رسالة اعتراف إلى القدس

زياد الشيخ نمر

يا من يلفّ قلبها الحزين
الشوق والحنين
إلى صهيل الخيل والرماة والسهام
إلى مواكب اللواء والرايات والأعلام
في ذكرى سبيكِ السبعين
وبعد طول صمتنا المشين
على من استباح عرضكِ المصون
واستحت العيون بعدما
صار الحياء عندنا دفين
ما بين صاغرٍ والعِرض عنده يهون
وخائنٍ شدّ على أيدي بني صهيون
أهديكِ قبلةً مليئةً بالشوق والحنان
وحفنةً كبيرةً من البلاغ والبيان
فبعد أن توارى عن عيونكِ الفرسان
وصارت السيوف في غياهب النّسيان
وأصبح الرّمح في زماننا مُدان
إلاّ إذا أصاب صدركِ العريان
وطاب للأمير مشهد الطِّعان والهوان
وكَبّل السلطان أيدي الشهم والمقدام
فلا خيار يا مدينة الإسلام
إلاّ بأن نلوذ عن حماكِ بالكلام
فيا حبيبة المسيح والسلام
ويا مدينةً تلفّها الأشجان والآلام
رسالتي أخطها إليكِ في عصر الظلام
فلا نَزال منذ قرنٍ غارقين في المنام
كأنّما أصابنا الموت الزؤام
فمنذ أن سبيتِ يا عزيزتي
وأُدميتْ رباكِ بالجراح
لم ينهض الصّباح ... لم نشعل المصباح
وامتنع الديك عن الصِياح
فالبوح عن حبكِ يا حبيبتي غير مباح
والهمس عن عشقكِ في عصر السكون والسكوت
يغيب في غياهب السجون أو يموت
فيا أرملةً يهفو فؤادها السّجين
إلى عناق سيف فارسٍ متين
كيف لديكِ لا تموت الأمنيات
وقد غدا من كان يفديكِ بروحه رفات؟
وما يزال الخنجر المسموم في ظهركِ مغروس؟
وتعرفين أنّ من يعالج الجروح
يئنّ مثلما تئنّين من الأوجاع والقروح
بلا طبيبٍ أو مواسٍ كي
يضمّ قلبه المجروح
سوى جدارٍ موحشٍ
يفوح منه الموت في الحبوسْ
يعانق الدماء والدموع
وتعرفين أنه ما زال في قبضة جلادٍ
يُكسّر العظام والضلوع
مُكبَّل الأقدام والأيادي
فكيف لا تزال عندكِ الآمال في الأعالي
تجاوز السحاب والغمام
كطفلة بريئة تعيش في الأحلام والأوهام؟
أيا يبوس كيف تحلمين بالمحبوس
وتأملين منه أن يجول في ساحاتكِ؟
يختال راكباً جواده كما
يختال في بهائه الطاووس
وتبسم الشفاه والعيون
ووجهك العبوس
وتضحك السماء من جديد
وبسمة تزور منزل الشهيد
وتنثر النساء في ساحاتكِ الورود
ويصعد الصِّبية حائط البراقِ كي يعانقوا الهلال والنجوم
ويُسقطوا نجمة داوود
ويمسحوا عن الأسوارِ
والحجارة الحزينهْ
وعن قبابكِ الجميلهْ
طلاسم التلمود
ويهدموا وهم بناء الهيكل المزعوم
ما أجمل اليوم الذي به تودّعين أدمع الفراق
وترتوي عيناكِ فرحةً لعودة الرفاق
ليستردّوا مجدكِ التّليد
وتستردّي راية التوحيد
لكنّما يؤسفني يا قدس أن أقول دونما نفاق
بأنّ هذا اليوم قد يموت في رحم الزمان
وقد يظلّ حسرة مخنوقة في الأعماق
ما دمتِ تجرعين ما سقيتِ من سمومْ
وأمة المليار أصفار بلا لزومْ
فأين من يسقيكِ قطرةً من الترياق
ونحن ياعزيزي لسنا سوى
فقّاعة عظيمة ليس بجوفها دواء
ما أنجبتْ أمّتنا معتصماً
يكفكف الدمع المراق
أو ذا عمامة لديه أضعف الإيمان
ليس مداهناً لظالمٍ ولا يسجد للسلطان
يبرأ من خطيئة الأشرار
يطلب منكِ العفو والغفران
يفشي لكِ الأسرار يا مدينة الأبرار
عن من تخلّى عن ثراكِ والديار
مَن سلّم الصخرة والأسوار
مَن قايض المسجد والمسرى
بصولجانٍ وسوارينِ لكسرى
مَن الذي سنّ الخطيئة التي
تَنصّل الشيطان منها
ذاك الذي ساوم بالقِبلهْ
على شفاه مومسٍ وقُبلهْ
مَن الذي اغتال الرجوله
(وإن تنافخنا بها عرضاً وطولا)
ومَن مَحى من كتب الأطفال تاريخ البطوله
حتى وإن تهامس الآباء أنها قضتْ مع أهلها، وأنها من ألف عامٍ وهي مقبوره
فكفكفي وحدكِ دمع عينكِ المسفوح
وضمّدي فؤادكِ المجروح
ووحدكِ اِمسحي الدّمى ولملمي الجراح
وأغمضي عينيكِ يا جميلتي وأطفئي المصباح
لا ترقبي وقع خطى معتصمٍ ولا صلاح

زياد الشيخ نمر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى