الثلاثاء ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٢٣
بقلم عبد الكريم المحمود

رسالة الزلزال

أفاقوا في المضاجع فازعينا
وصاحوا معولين وصارخينا
غياثك ربّنا من شرّ خطبٍ
به الزلزالُ يضرب ظالمينا
قد اهتزّتْ مواضعُهم فقاموا
على أقدامهم مترنّحينا
يغطّون الرؤوسَ حذارَ سقفٍ
ترنّح في تصدّعه مَهينا
وهبّوا للخلاص بغير رشدٍ
بداراً للمخارج راكضينا
وعدّادُ الهلاك على ثوانٍ
يعدّ مصيرَهم في الهالكينا
هي اللحظاتُ بين حياة بذخٍ
وموتٍ فاجعٍ يُذكي الشجونا
فمن أمٍّ تنادي في ذهولٍ
بنيها قاصرين وبالغينا
وآباءٍ من الأهوال صاروا
بغوث عيالهم متحيّرينا
وأطفالٍ علا منهم بكاءٌ
ونادوا للحماية خائفينا
تهاوتْ فوقهم جدُرُ المباني
وأسقفُها فما من سامعينا
قد انهارتْ عمائر شاهقاتٌ
بمَن ألِفوا حِماها ساكنينا
بهم دُكّت مساكنُهم وكانوا
نياماً في الأسرّة آمنينا
غدوا تحت الركام فلا صريخٌ
يساعدهم وما من منقذينا
قد اهتزّت طِباق الأرض حتى
تفلّق سطحُها فِلَقاً مئينا
بزجرة قاهرٍ رجفتْ خضوعاً
تدكّ بأمره الحصنَ الحصينا
تطوّح بالأعاظم من قصورٍ
تهدّ عمادها الصلب المتينا
فألقتها ركاماً من حطامٍ
وأنقاضاً تخيف الناظرينا
وتحت ركامها نِعمٌ أبيدت
فعاد سرورُها بؤساً حزينا
وتحت ركامها آمالُ ضاعت
وأبقت يأسها للآملينا
وأحلامٌ تلاشت من خيالٍ
أحاط ظلامُها بالحالمينا
وأهواءٌ وأشواقٌ بقلبٍ
قضى تحت الصفائح مستكينا
وأصبح تحتها بطلٌ تردّى
يكابد ثقلها للعيش حينا
يصارع سحقها من غير جدوى
يردّ بصدره جبلاً مكينا
اذا أنفاسُه خرجت بزفرٍ
فلا أنفاس في شهقٍ يلينا
يجاهد فوقه كُتلاً ترامت
من الخرَسان سُلّح أجمعينا
يدافع حملَها بيدٍ وصدرٍ
وليس لثقلها من حاملينا
على أعضائه هبطت جثوماً
فصار خليطُها بدمٍ عجينا
فأصبح ذلك البطلُ المعافى
قتيلاً تحت وطأتها دفينا
وتحت ركامها أمٌّ أحاطت
رضيعاً رام من يدها مُعينا
فنازع كفّها حجرٌ مهولٌ
يقيّد ثقلُه يدها اليمينا
فتحضنه الشمالُ برغم ضعفٍ
وتعطف حوله صدراً قرينا
يثير بكاؤه منها بكاءً
ومن عطفٍ تحنّ له حنينا
تباعد عنه أحجاراً ورملاً
وأتربةً وأسياخاً فُرينا
وتدعو يا مُجير أجرْ ضنانا
فإنك أنت أرحم راحمينا
فعلّق فوقها جبلاً تداعت
له كُتلٌ مسلّحةٌ رُمينا
على الأرض التي هاجت كبحرٍ
بعنف هياجه يُلقي السفينا
فسبحان الذي نجّى ضعيفاً
وقد حلّ الهلاك به يقينا
فأخرجه سليماً من صخورٍ
تحيل جماجمَ الصرعى طحينا
لئن رجع الأنام بروح يأسٍ
عن الإنقاذ صاروا عاجزينا
فقد حضر المُغيث لدى الدواهي
هو القهّار ربّ العالمينا
يُطيح الظالمين اذا تمادوا
وصاروا بالعدالة ساخرينا
يعمّ ديارَهم إثمٌ وفسقٌ
وبالأرزاق أمسوا جاحدينا
تجافوا عن عبادة مَن براهم
وللشيطان صاروا عابدينا
فما ركعوا لخالقهم خضوعاً
وللشهوات خرّوا ساجدينا
وليس لهم عن الآثام ناهٍ
وبالمعروف ما من آمرينا
يسود عتاتُهم بطراً وظلماً
ويضطهدون قوماً مبلسينا
وإن خطر الهدى فبه استرابوا
وأمسوا بالضلالة مؤمنينا
وإن عمّ الفساد له استراحوا
وللإصلاح باتوا منكرينا
شبابٌ داعرون بكل صوبٍ
تراهم في الغواية سادرينا
فلا يلقون رشداً من حكيمٍ
ولا نصحاً لهم من ناصحينا
وإن سمعوا خطيباً فاه وعظاً
به سخروا وفرّوا معرضينا
فلا أنسٌ لهم إلّا بفحشٍ
وجلّ سماعهم للمطربينا
وكل حياتهم عبثٌ وطيشٌ
وإن زعموا لها هدفاً رصينا
غزا أذهانَهم فكرٌ مريضٌ
تُبثّ سمومُه من ملحدينا
وعاد فسادُهم طبعاً جموحاً
أزمّته بأيدي المجرمينا
فعاثوا في البلاد بكل قبحٍ
له ذو غيرةٍ يندى جبينا
أما علموا بأن الله يرضى
بإمهالٍ ويمقت مهمِلينا
فيأخذ بالعذاب شرار قومٍ
وأخياراً رضَوهم ساكتينا
ويُنجي من يشاء بفيض لطفٍ
يُعيد مضلّلاً في المهتدينا
ويصحو غافلٌ من سكر عقلٍ
ويرجع طالحٌ في الصالحينا
وذلك سُنّةٌ لله دارت
على مرّ الدهور بسابقينا
على أممٍ عتتْ عن أمر ربٍّ
وعن آياته في المرسَلينا
فمنهم مَن أُبيد بعصف ريحٍ
ومنهم بالخسوف قضى رهينا
ومنهم صيحةٌ أردته فوراً
ومنهم من أبيدوا غارقينا
ومنهم بالزلازل قد أميتوا
وما كانوا جميعاً معجزينا
وما قصد الإله لهم بظلمٍ
فأنفسَهم أباروا ظالمينا
فهل تمحو العقولُ سطورَ شكٍّ
وتعرف قدْرها في العارفينا!
وهل تصفو القلوب من المعاصي
وتُخلص حبّها في المخلصينا!
وهل تعنو الوجوه لمن براها
وتعلن ذلّها في الخاضعينا!
وهل تُلقي الجباه غرورَ كِبرٍ
وتسجد ذلّةً في الخاشعينا!
وهل يذر اللسانُ حديثَ لغوٍ
ويذكر ربّه في الذاكرينا!
وهل تدَع النفوسُ هوى فجورٍ
وتعرُج في زكاة المتّقينا!
وهل تمضي الجوارحُ طائعاتٍ
أوامر ربّها في الطائعينا!
وهل لمليكها الأسماعُ تصغي
وتأخذ قولَه شرعاً ودينا!
ومن لم يبتغِ الاسلامَ ديناً
فوجهتُه ضلال الخاسرينا
فهل يأتي الشباب الى صلاةٍ
وصومٍ طائعين وراغبينا
ويُلغون المراقصَ والملاهي
ويأتون المعارفَ مرتقينا
ويُلغون الخمور وكلّ سكْرٍ
وكلّ مذمّةٍ للعاقلينا
ويُلغون الاباحة في فسوقٍ
الى خلُق الفضائل قاصدينا
ويمحون الفساد فلا لصوصٌ
يديرون المناصبَ سارقينا
ويحمون العقيدة من مضِلٍّ
يحاول هدمها للفاسقينا
حمىً للدين أنصاراً وجنداً
لإزهاق الضلال مجنّدينا
ويحمون الضعيف فلا قويٌّ
يصادر حقّه من غاصبينا
حباهم دينُهم علماً ووعياً
فعادوا في الهدى متفقّهينا
فلا يرضَون تقصيراً بحقٍّ
وليسوا في التطرّف واغلينا
يرون العدلَ أجملَ كلّ شئٍ
يزيد جمالُه في العادلينا
وتقوى الله أحسنَ كل زادٍ
اذا وقف العباد محاسَبينا
فيفلح من رعى لله حُكماً
ويدخل في جنان الفائزينا
ويسقط مُعرضٌ ولّى كفوراً
الى نارٍ تحيط بكافرينا
وفي الدنيا لكل الناس عهدٌ
من الرحمن أصدق صادقينا
بأنْ لو آمنوا بالله صدقاً
وعاشوا متّقين موحّدينا
فإن الخيرَ يُفتح من سماءٍ
ومن أرضٍ عليهم راغدينا
ولكنْ كذّبوا بالحقّ كفراً
وكانوا للمآثم كاسبينا
فذاقوا بأسه أخذاً وبيلاً
سواء نائمين ولاعبينا
وذلك سُنّةٌ لله تجري
بأول خلقه والآخِرينا
لقد فاز الألى صدقوا وتابوا
ومن كذبوا تولّوا خاسرينا


الأعلى