الأربعاء ٣ شباط (فبراير) ٢٠١٦
بقلم جميل السلحوت

رواية البلاد العجيبة في اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السّابع الثقافيّة في المسرح الوطنيّ الفلسطينيّ في القدس رواية "البلاد العجيبة لليافعين" للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، وتقع الرّواية التي صدرت أواخر العام 2015 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وصمّم غلافها ومنتجها شربل الياس في 83 صفحة من الحجم المتوسّط.

ممّا يذكر أنّه سبق وأن صدر للرّوائيّ السلحوت عدّة روايات للأطفال والفتيان منها: "عشّ الدّبابير" و"الحصاد".
بدأ النّقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:

رواية تقترب من روح الجيل وخياله الجامح، وتبني عالما من العلم والعمل على أرضيّة القدس، في روايته الجديدة التي خصّصها لليافعين عاش الكاتب (جميل السلحوت) في عالم فئته المستهدفة، فبنى لها عالما من خيال آسر في مقابل واقع طاحن.

ومن المعروف أنّ هذه الفئة لا تقبل النّصح والإرشاد المباشرين لاعتزازها بذاتها، الباحثة عن هويتها واستقلالها الذّاتي، وهي تتأرجح بين الطّفولة والنّضج، إنّها المرحلة العمريّة الأصعب في مسيرة الفرد، وفي علاقته بمحيطه القريب والبعيد.
العيش في الأحلام والخيال الخصب لدى أبناء هذه المرحلة وبناتها يتطلّب من الكتّاب تفهّمه ومحاورته بلغتهم، لذا جاءت (البلاد العجيبة) لتحقّق لهم عالمهم المشتهى، ولترشدهم إلى الوسيلة القادرة على تحقيق هذا الشّغف وهي: العلم الذي يقود إلى المساواة والسّلام والطمأنينة.

العلم والذّكاء للقارئ على أرضيّة القدس مدينة عراقة وانتماء واعتزاز هما المحوران اللذان قامت عليهما (البلاد العجيبة). وهي تسدّ نقصا بيّنا في الكتابات التي تخاطب فئة الفتيان والفتيات؛ لترشدها إلى الوسيلة الكفيلة بتحقيق الخيال ليصير واقعا.

وقالت نزهة الرملاوي:

البلاد العجيبة بين الواقع والخيال

رواية خيالية لليافعين تحمل في ثناياها حقائق تاريخية حول معالم دينية وأثرية في القدس، أبدعها الكاتب الفلسطيني جميل السلحوت، يسرد لنا الكاتب بطريقة لافتة حكاية أسرة فلسطينية تعاني من الفقر فتح الله لها أبوابا من الرّزق بطريقة عجيبة، وقد أحسن الكاتب اختيار تلك الطريقة لتحقيق ما يحلم به اليافعون من ثراء تمثّل بالملابس التي كان يحدّق بها محمود على(الملكان ) ولكن لايستطيع شراءها، وتمثّلث الثّروة بالمجوهرات التي بيعت بملايين الدّولارات عن طريق المزاد العلنيّ في بريطانيا، فحقق الأب ثراء خياليّا لم يكن ليصدّقه، وزواجه من ابنة الشّيخ تلك الحوريّة التي فتنته بجمالها .
لقد وفّق الكاتب حين دمج ما بين الخيال والتّكنولوجيا الحديثة، والوسائل المستخدمة في حياتنا الحاضرة، حتى لا يكون هناك فجوة ما بين الحاضر والمقروء، فقد تمثّل ذلك بأبنية المدينة العجيبة وشوارعها وهندستها، والخدمات المميّزة المجّانيّة التي نفتقدها في عالمنا الواقعيّ، فالطعام والتّعليم والخدمات الصّحّيّة كلّها مجّانيّة، وواجهات المنازل الزّجاجيّة التي لا يرى من بداخلها، ونساؤها الفاتنات الحوريّات، هذه المشاهد لا بدّ أنّ الكاتب استوحاها ممّا قرأنا عنها في كتب التّفسير عن نعيم الجنّة.

لقد تميّزت الرّواية بالخيال الخصب غير المحدّد، فرافق الرّواية منذ ظهور الشّيخ وأخذه محمود إلى المسجد الأقصى ليلا؛ ليروي له أنّ القدس منبع الخيرات وبوّابة السّماء، وهنا يحثّه على الفوز بها، وكأنّه يطلب منه أن يحارب لأجل بقائها.
لقد سخّر لنا الكاتب المركبة على بساط الرّيح الذي كان يأخذنا كلّما جنح خيالنا إلى الفضاء البعيد، أنّه يقول لنا أنّ القدس هي طريق الوصول إلى الجنّة، حيث لا رأت عين ولا خطر على قلب بشر.

لقد حثّ الكاتب هذه الفئة من الشّباب على التّمسّك بالدّين والقدس، وأثار تحيّزا واضحا لحكم المرأة في الكوكب المثاليّ السّعيد، لأنّ المرأة ذات حكمة، وتكمن المثاليّة في ذلك الكوكب في تطوّر الزّراعة والمصانع وغزارة الانتاج ، وعدم الفوضى والقتل والتّدمير والتّسلط والجرائم والدّم التي يتميّز بها كوكبنا، هم بشر مثلنا ولكن يختلفون عنّا في تفكيرهم وإبداعهم وتنوّع محاصيلهم وجودتها، وفائض انتاجهم وثرائهم وتوزيعهم المهامّ بين أفراد شعبهم، يؤمنون بكلّ ديانات السّماء، لا تنازع ولا تفرقة طائفيّة، فنّانون وصنّاع للحياة السّعيدة الكريمة الخالية من الخداع المؤمنة بالحبّ.
تميّز أسلوب الكاتب بالتّشويق في عرض الأحداث وتسارعها، إضافة إلى غرز الكثير من القيم النّبيلة في شبابنا، كالوفاء بالعهد والإحسان الى الآخرين، ومشاركة الأخوة بالأفكار والعمل، والوحدة والتعاون والتّفكّر في المعاني السّامية للحياة الفاضلة.

لقد أسدى الكاتب نصائح جيّدة بطريقة شيّقة لبناة المستقبل.

وقالت ديمة جمعة السمان:
بلاد السلحوت عجيبة.. ولكنها ليست غريبة
سكانها أكثر قناعة وحكمة وثراء وعلما.. بالمحبة والصدق والعمل حققوا الأحلام.
رواية " البلاد العجيبة" للكاتب جميل السلحوت تمسك بيد اليافع من الصّفحة الأولى حتى أخر صفحة بأسلوب شيّق جميل.. تحلّق به في عالم الخيال.. عالم الأحلام.. فما جاء في الرّواية لا يتعدّى حلما يتمنّاه الكبير قبل الصّغير.. فالكوكب الذي تحدّث عنه الكاتب خيراته تفوق خيرات الأرض.. سكّانه أكثر قناعة وحكمة وثراء وعلما من سكّان الأرض.. هم أيضا أكثر جمالا.. فالجمال جمال الرّوح،ينعكس على وجوههم.. فيشع نورا وجمالا .. كيف لا؟ فهم قانعون.. صادقون لا يكذبون.. يحبّون بعضهم البعض ولا يضمرون الشّرّ لغيرهم.. هي رسالة ذكيّة من الكاتب يقول فيها أنّ جمال الانسان بسلوكيّاته وليس بشكله الخارجيّ فقط.

أمّا من يخرج عن القانون منهم فيعاقبونه بنفيه إلى جزيرة بعيدة.. يتركونه يعيش حياته.. يأكل ويشرب ويلبس كما يشتهي.. لكنّه يعيش شعور العزلة والرّفض من مجتمعه.. وهذا أصعب وأشدّ عقاب.. فيموت مقهورا في الجزيرة البعيدة ويدفن فيها.. ويؤخذ أطفالهم منهم لتتمّ تربيتهم تربية تليق بالكوكب العجيب. أمّا من يتوب توبة صادقة فيسمح له بالعودة؛ ليعيش بينهم من جديد.. يتمّ العفو عنهم بنفسٍ طيّبة ولا يعايرونه بفعلته.. يعطونه فرصة أن يفتح صفحة جديدة في حياته لينسى ماضيه.. وليعود أهلا للكوكب الذي يعيش فيه.. فالهدف ترويض النّفس.. فما أن يعترف بخطئه ويعد بأنّه لن يكرر فعلته.. يعود إلى دفء حضن مجتمعه معزّزا مكرّما،فلا سجون ولا تعذيب ولا قتل ولا إرهاب. كوكب عنوانه الأمن والأمان.. والسّلم والسّلام بعيدا عن الأوباش اللئام.

المرأة هي التي تحكم الكوكب.. فقناعة الكاتب أنّ المرأة أقدر على قيادة الكوكب.. جعله يتحدّث بثقة عن نجاح الكوكب.. وحسن تدبير أمره.. فالكاتب يقول أنّ الرّجل يحكم بعضلاته.. أمّا المرأة فتحكم بعقلها.. الرّجل لا يتعدّى كونه عاملا.. أمّا المرأة فتتقلد أعلى المناصب.. فمن يحكم البلاد "ملكة" وليس ملكا.

يبدو أنّ الكاتب متأثّر بطبيعة حياة النّحل.. فالجميع يعمل بجدّ ونشاط.. لا يوجد للكسل عندهم مكان.. قائد المسيرة هي الملكة الأنثى.. وليست الذّكر..قوانينهم تحكم الرعية بعدل..لا يتساهل بها أحد.. كما أنّ النّحل معروف بنشاطه.. حتى أنّ المثل يضرب به في جدّه ونشاطه وعطائه واتقانه لعمله.

الكاتب في روايته جمع بين الخيال العلميّ والموروث الثّقافيّ والدّيني.. فأبى أن تطير المركبة دون فرشها ببساط أخضر.. وأبى أن تنطلق المركبة إلا من جانب قبّة الصّخرة المشرّفة، فوظّف معرفة الفتيان بعلاء الدّين وبساطه السّحريّ..ومعرفتهم بـِ "طائر البراق" الذي عرج بالنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى في خدمة عمله الرّوائي، كما أنّه أكد في أكثر من موقع في النّصّ بأنّ تفوّق سكان البلاد العجيبة بعلومهم سهّلت عليهم كلّ صعب. فالرّحلة من الأرض إلى الكوكب لا تأخذهم وقتا طويلا.. فالمركبة متطوّرة سريعة..حتّى البيوت عندهم تعمل بالأزرار.. فبالتّكنولوجيا والعلم سهّلوا معيشتهم واختصروا جهدهم ووقتهم.

لقد ضرب الكاتب أكثر من عصفور بحجر واحد.. ليصل بفكرته إلى اليافع.

ولم يغفل عن التّطرّق للاحتلال ومحاولته تهويد القدس، وسلب خيراتها وتزوير تاريخها. فحتّى أناس البلاد العجيبة يعلمون أنّ القدس عربيّة بناها الملك ملكي صادق.. ويأبى المحتلّ الصّهيونيّ أن يعترف بذلك.. جاء ذلك على لسان الطّفلة زينب.

تحدّث الكاتب عن بلاد عجيبة يقودها العلم.. تسودها المحبّة والعطاء والصّدق والتضحية والامان والسّلام.. في زمن يقوده الجهل.. انتشر فيه البغض والطّمع والاستغلال والأنانيّة والظّلم وحبّ السّيطرة واحتلال الأرض والشّعب .. فالبلاد حقّا عجيبة.. ولكنّها ليست غريبة،بل بلادنا هي الغريبة .. فالغريب أن ينتصر الجهل على العلم.. والبغض والكره على المحبّة.

لقد نجح الكاتب بتقديم المعلومات الهامّة للقاريء اليافع من خلال الحوار الذي كان يتمّ بين الشّخوص بأسلوب موفّق غير مقحم.
وفي الختام.. ملحوظة لا بدّ منها.. كانت رحلة أسرة عبد المعطي إلى البلاد العجيبة موفّقة،عاد محمود وأخته زينب منها سعيدين.. ولكن يا حبّذا لو انتهت الرّواية وأمّ محمود توقظ ابنها من نومه العميق ليذهب إلى مدرسته.. فما ورد حلما.. لا يريد محمود أن يصحو منه.. علّه يتحقّق يوما. بمثل هذه النّهاية يكون الكاتب قد أجاب على أسئلة كثيرة تدور في خلد القاريء ولم يجد لها جوابا.

وقال عبدالله دعيس:

رواية البلاد العجيبة ومزج الخيال بالواقع ما أن يطالعك غلاف رواية البلاد العجيبة، وترى ذاك الدرج الذي يصعد إلى الغيوم، والجنّية الطيّبة التي تطلّ من بينها، والأكواخ التي تشبه الفطر، حتّى تتأهب لرحلة خياليّة في عالم الأطفال البريء، وتتذكّر القصص التي قرأتها في طفولتك، والمستمدّة في معظمها من الحكايات العالميّة، وتدرك أنّ هذه الرّواية الموجّهة لليافعين، لا بدّ أن تكون رحلة خياليّة تليق بعقولهم وخيالهم الواسع المحلّق فيما وراء الطبيعة.

تبدأ الرّواية بوصف مفصّل لمدينة القدس بأبوابها وأسواقها ومسجدها الأقصى دون خيال أو بلاد عجيبة، ليتساءل القارئ وهل القدس بلاد عجيبة؟ ويجيب نفسه، وهل أعجب من هذه البلاد؟ أليست القدس مهبط الرّسالات وبوّابة السماء؟ وما يلبث القارئ أن يرى بوّابة تنفتح في باحات المسجد الأقصى لينطلق محمود، بطل الرّواية، على بساط الرّيح في رحلة إلى كوكب آخر تعمّه السّعادة والمحبّة وتسوسه النّساء. ويذكّرني هذا بحكاية كنت سمعتها من جدّتي، -رحمها الله- عن صيّاد تبع غزالة حتّى فُتحت له بوّابة في الأرض وولج إلى عالم آخر يسوده الخير، فيه كلّ ما تشتهيه الأنفس، وتستطيع أن تحصل على ما تشاء منه بالكلمة الطيّبة عوضا عن المال، وتحكمه أيضا النّساء بعيدا عن تسلّط الرّجال. وهنا نجد أن الكاتب يدمج بين الحكايات العالميّة والحكايات الشعبيّة؛ ليخلق عالما جديدا تسوده المحبّة ويعمّه الإخاء، يعيش في كنف العلم بعيدا عن الحرب والصّراع.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى