الاثنين ٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم هاني قدري

ساكن اللوحات

قصة للأطفال: (المرحلة العمرية من ٦ إلى ٩ سنوات)

اسمي جميل.. ملحوظة جميل هذا ليس وصفًا لاسمي بل هو اسمي الحقيقي.. فكثيرًا ما يحدث سوء تفاهم بسبب اسمي، فحين يسألني أحدٌ عن اسمي، أجيب: اسمي جميل، فيبتسم السائل ويقول: مؤكد اسمك سيكون جميل مثلك، ثم يكرر علي مسامعي نفس السؤال ثانية ما اسمك؟ لحظتها ابتسم له، وأقول له كما قلت لكم: جميل هذا ليس وصفًا لاسمي بل هو اسمي الحقيقي.

آسف فقد أطلت عليكم كثيرًا في تعريفكم باسمي، لكني أعدكم ألا أطيل عليكم وأنا أحكي لكم حكايتي، فأنا أحب الرسم جدًا، وخاصة رسم المناظر الطبيعية الخلابة، وكثيرًا ما أرسم حدائق جميلة تتزين أرضها بالزهور الملونة البديعة، والأشجار الخضراء وارفة الظلال، وفوق أغصانها تغرد الطيور.

نسيت أن أخبركم بأمرٍ هامٍ وهو أن الرسم ليس هوايتي الوحيدة، فلدي هواية أخرى قد ترونها غريبة بعض الشيء وهي هواية التخيل! نعم التخيل لا تتعجبون.. فبعدما أنتهي من رسم حديقتي على الورق أتخيل نفسي أسكنها.. أستنشق رائحة زهورها العطرة.. أتجول بين أشجارها الخضراء الجميلة.. ألعب، أجري وأجري حتى أتعب فأجلس؛ لأستريح تحت ظل أحد أشجارها الوارفة.

أبي لا يروقه جلوسي وحيدًا معظم الوقت، فدومًا ينصحني ألا أنشغل كثيرًا بالخيال، وأعيش معهم على أرض الواقع، وفي كل مرة ينصحني أبي بتلك النصيحة أقول له: إن الواقع ليس جميلًا مثل الخيال، والدليل تلك الأرض الواسعة التي تتوسط شارعنا، والتي يجتمع فيها كل أصناف التلوث، وصارت مأوى للذباب، والحشرات التي تأتيها من كل صوب وحدب.

تبسم أبي ذات مرة وهو يسمع ردي المعتاد، وقال: ما رأيك يا جميل نغير هذا الواقع القبيح، ونجعله جميلًا كلوحاتك التي ترسمها، فسألته مُتعجبًا: كيف؟! فأجاب: نقوم بتنظيف تلك الأرض الواسعة ثم نزرع داخلها أشجارًا خضراء عالية، ثمارها يانعة، وأزهارًا من كل شكلٍ ونوع كالتي ترسمها في لوحاتك.

أعجبتني فكرة أبي كثيرًا رغم أني كنت أرى أنه من الصعب تنفيذها؛ لأن تلك الأرض كبيرة جدًا ومليئة بالقاذورات ومن الصعب على اثنين فقط تنظيفها، هاتفت زميلي عمر وأبلغته بالفكرة؛ ليساعدنا، فأعجب بالفكرة كثيرًا وقرر مساعدتنا، واتفقنا أن نبدأ العمل من الغد.

في صباح اليوم التالي ذهبت مع أبي إلى الأرض الواسعة، وتفاجأت بالعشرات من الأطفال في مثل سني جاءوا ليشاركونا تنظيفها، سألتهم كيف عرفتم بالأمر؟ وكانت المفاجأة!

أشار عمر إلى صديقه حسام وقال: لقد أخبرت حسام بالفكرة فأعجبته، وقرر مشاركتنا، ثم أشار حسام إلى سيف، وقال: وأنا عرضت الفكرة على سيف فأعجبته، وقرر مشاركتنا، ثم قال سيف وأنا عرضت الفكرة على مروان فأعجبته، وقرر مشاركتنا، وهكذا ظل كل واحدٍ منهم يشير إلى صديقه الذي أخبره بالفكرة.

بدأنا العمل، وأثناء تنظيف الأرض تفاجأنا بالكثير والكثير من سكان الشارع يشاركوننا العمل.. يبدو أن الجميع كان في انتظار أن يبدأ أحد بتنظيف تلك الأرض ليشاركوه.

نظفنا الأرض جميعًا، ثم زرعنا فيها الأشجار الخضراء، والأزهار الملونة إلى أن صارت حديقة جميلة.. أتعرفون إنّ رائحة الزهور التي زرعناها في الحديقة أجمل بكثير من تلك التي كنت أتخيل أني استنشقها حين أسكن لوحاتي، وكذلك ظل شجرتي التي زرعتها أكبر بكثير من ظل الشجرة التي رسمتها في لوحتي بل أكبر من اللوحة نفسها.

ذات يوم كنت ألعب مع أصدقائي في الحديقة، كنا نجري نسابق الفراشات الملونة، ونغرد مع الطيور، ومن بعيد شاهدت رجلًا يمسك فرشاته وألوانه، ويبدو أنه أعجب بحديقتنا وأخذ يرسمها، ذهبت إليه استأذنته في رؤية اللوحة، وسعدت جدًا حين شاهدت نفسي داخل لوحته وأنا ألعب مع أصدقائي.

= انتهت =


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى