السبت ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠

ستشرق عينا الأسير فرحا

عبد السلام العابد

منذ أن استقر به المقام، في المعتقل، وهو يحلم بذلك النهار الذي يعانق فيه نور الحرية، ويلتقي بأحبته الذين لم يغيبوا عن ذاكرته الخصبة، منذ ست سنوات، بلياليها، وأيامها الطويلة.

صمّم على أن تكون تجربة المعتقل مفيدة وثرية؛ لذا فقد رسم خطة، وحدد معالم الطريق التي لا تتقيد بحدود الجدران والأسلاك الشائكة.

حاور نفسه، في أول ليلة أمضاها، بعد النطق بالحكم الجائر: عليك أن تواصل تثقيف نفسك، صحيح أنك أنهيت دراستك الجامعية، ولكن هذه الشهادة لا تكفي.ابتداء من الغد، ستعكف على القراءة، ومطالعة الكتب الثقافية والعلمية، على اختلاف أنواعها، بلغتك العربية الجميلة، وستطور لغتك الإنجليزية، وستعكف على تعلم اللغة العبرية، قراءة وكتابة، وستتعمق في دراستها؛ حتى تتعرف على أسرارها، ومكنونات أفكار ومخططات أصحابها، وستكون يوما ما قادرا، على ترجمة ما تعتقد أنه مفيد لوطنك، وستكون أمينا وواعيا ومدركا لما تقرأ وما تترجم.

مضت الأيام والسنون، وتحقق له ما أراد، وأصبح مرجعا ثقافيا، و علَما محبوبا من أصدقائه المعتقلين الذين أحبهم بدوره، ولم يبخل عليهم بمعلومة، بل كان يجيب عن الأسئلة برحابة صدر، ويشكل طاقة إيجابية مشعة وملهمة.

في الأشهر الأخيرة من سنوات اعتقاله، كان يرسم في مخيلته تلك اللحظات المفعمة بالمشاعر الحزينة، حينما يودع إخوته ورفاقه الأعزاء، ويغادر المعتقل، ويتركهم.

وفي الوقت ذاته، كانت ترتسم أمام عينيه مشاهد الاستقبال، واللقاء بالأم الحنون،والوالد العطوف،والجدين العزيزين، والأخوات والإخوة والأصدقاء والمعارف، فيبتسم، وينشرح صدره،وهو يتوقع أن تشاركه الطبيعة فرحته بمعانقة فجر الحرية، فتتزين الروابي والسهول والجبال بالعشب الأخضر، والأشجار الريانة، وشقائق النعمان الحمراء، والأزاهير على اختلاف أنواعها وأشكالها، أجل...فسيكون موعد خروجه في الربيع،في شهر نيسان، أجمل الشهور.

لم يدُر بخَلَدِه أن خروجه من المعتقل، سيكون في صورة مناقضة لما رسمه وتخيله. فلن يتمكن من احتضان أمه،وأبيه وجديه، ومعانقة إخوته وأصدقائه ومعارفه.

لن يسمح لنفسه،أن يكون سببا لشقاء أو مرض إنسان ؛بسبب فايروس الكورونا، سيضحي بكل هذه الطقوس الدافئة، وسيكتفي بأن يختزنها في تلافيف وجدانه، وأن يحتضن الفرحة في قلبه، وسيكتفي بحاسة النظر، ستشرق عيناه بالفرح، وهو يرى أحباءه فرحين معافين أصحاء، وسعداء،وهم يلوحون له بأيديهم، و يطيرون قُبَلهم في هواء الحرية الذي يتنفسه لأول مرة، بعد غياب استمر ست سنوات.

عبد السلام العابد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى