الجمعة ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٦
قصيدة من الشام
بقلم عزت السيد أحمد

سيفنا في أعناقنا

السَّيْفُ أَقْوَى وَفِيْ أَقْوَالِهِ الكَذِبُ
وَلَيْسَ فِي حَدِّهِ جَدٌّ وَلا لَعِبُ
 
أَقْوَى وَلانَتْ بِلا جَهْدٍ عَرِيْكَتُهُ
مِنْ بَعْدِ مَا العُرْبُ مِنْ دُنْيَا السَّنَى هَرَبُوا
 
قَدْ كَانَ يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ نَاطِقَنَا
وَكَانَ يَطْرَبُ مِنْ أَفْعَالِهُ الأَدَبُ
 
يُسَطِّرُ العِزَّ فِيْ أَوْرَاقِ ذَاكِرَتِنَا
وَلَيْسَ يَشْكُوْ وَلا يَنْتَابُهُ التَّعَبُ
 
وَيَصْنَعُ المَجْدَ لا يُبْدِيْ مُكَابَدَةً
وَلَيْسِ يُغْرِيْهِ ضَوْضَاءٌ وَلا صَخَبُ
 
مَا خَانَهُ سَاعِدٌ يَوْماً بِمَعْرَكَةٍ
وَلا تَخَاذَلَ فِيْ صَوْلاتِهِ سَبَبُ
 
وَلا نَبَا حِيْنَها فِي كَفِّ مُعْتَصِمٍ
وَلا بَنَا قَصْدَ أَنْ يُهْدَى لَهُ لَقَبُ
 
قَدْ كَانَ يَبْنِي بِلا شَكْوَى وَلا ضَجَرٍ
لا البَأسُ يُثْنِيْهِ عَنْ نَصْرٍ وَلا النَّصَبُ
 
قَدْ كَانَ يَبْنِيْ بِإِخْلاصٍ وَتَضْحِيَةٍ
وَكَانَ يَبْنِي لِيَسْمُو فِي السَّما العَرَبُ
 
دَانَتْ لأُمَّتِنَا فِي ظِلِّه أُمَمٌ
وَدَامَ مَا دَامَ بَتَّاراً لَنَا الغَلَبُ
 
لكِنَّهُ لَمْ يَدُمْ، قَدْ مَاتَ مُعْتَصِمٌ
وَجَاءَ أُمَّتَنَا مِنْ بَعْدِهِ العَجَبُ
 
قَوْمٌ يُحَرِّكُهُمْ إِيْمَاءُ مُرْتَجِلٍ
أََْو عَابِثٌ تَافِهٌ أَوْ فَاسِدٌ جَرِبُ
 
يَقُوْدُهُمْ لِضُرُوْبِ العُهْرِ كُلُّ هَوًى
ضَاعَتْ لِعُهْرِهُمُ الأَنْسَابُ وَالرُّتَبُ
 
كُلُّ المَرَاكِبِ مِنْ أَجْلِ الهَوَى رَكِبُوا
وَكُلَّمَا أَشْبَعُوا لَذَّاتِهِمْ رُكِبُوا
 
وَكُلَّمَا سُئِلُوا للهِ مَسْأَلَةً
تَضَاحَكُوا ثُمَّ قَالوا: إِنَّنَا جُنُبُ
 
قَوْمٌ تَتَالَى عَلَى هُزْءٍ بِهِمْ أُمَمٌ
بَلْ أَصْغَرُ النَّاسِ أَخْلاقاً بِهِمْ لَعِبُوا
 
قَوْمٌ غَدَا السَّيْفُ مِنْ تَقْصِيْرِهِمْ ثَلِماً
مِنْ اِسْمِهِمْ خَجِلاً يَبْكِيْ وَيَنْتَحِبُ
 
فَلَيْسَ يَفْرِيْ وَلا يَكْوِيْ وَلا يَثِبُ
وَصَارَ مِنْ ضَعْفِهِ يَفْرِيْ بِهِ الخَشَبُ
 
السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً غَدَا نَبَأً
فَالْوَعْدُ زُوْرٌ وَفِيْ أَقْوَالِهِ الكَذِبُ
 
قَدْ كَانَ مَعْدِنُهُ فِيْمَا مَضَىْ ذَهَباً
وَاليَوْمَ مِعْدِنُهُ الغَالِيْ هُوَ الحَطَبُ
 
قَدْ كَانَ يَحْمِلُهُ الفُرْسَانُ فِيْ طَرَبٍ
وَاليَوْمَ مِنْ ذِكْرِهُ يَنْتَابُنَا التَّعَبُ
 
يَنْتَابُنا المَغْصُ وَالإِسْهَالُ مِنْ جَزَعٍ
مِنْ حَمْلِهِ وَتُرَى فِيْ وَجْهِنَا الكُرَبُ
 
قَدْ كَانَ مَا كَانَ مِنْ مَجْدٍ وَمِنْ شَرَفٍ
حِيْنَمَا اسْتَحَقَّ الحَيَاةَ الحُرَّةَ العَرَبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا صَنَماً
مَضْمُوْنُهُ صَدِئٌ وَالشَّكَلُ مُضْطَرِبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا صَنَماً
مَا فِيْهِ شَيءٌ إِلَى الأَمْجَادِ يَنْتَسِبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا عَرَبٌ
أَشَدُّ مَا فِيْهُمُ الْهَذْرُ وَالعَتَبُ
 
سِلاحُنَا اليَوْمَ قَبْلَ الغَيْرِ يَجْرَحُنَا
يَفْرِي بِنَا مِثْلَمَا يَفْرِي بِنَا اللَّهَبُ
 
تَارِيْخُنَا الفَذَّ وَالجَبَّارُ صَارَ سُدًى
عَلَيْهِ نَبْكِي وَيَبْكِيْنَا وَيَنْتَحِبُ
 
أَخْلاقُنَا انْدَثَرَتْ أَوْ رُبَّما انْتَحَرَتْ
أَسًى وَصَلَّى عَلَيْهَا عَقْلُنَا الخَرِبُ
 
وَلَمْ تَعُدْ مِثْلَمَا كَانَتْ مَكَارِمُنَا
وَرَاحَ يَسْرَحُ فِيْها العَتُّ والجَرَبُ
 
وَسَيْفُ أَمْجَادِنَا صِرْنَا لَهُ هَدَفاً
مِنْ بَعْدِ مَا فَاتَهُ فِيْ غَيْرِنَا الغَلَبُ
 
أَغْوَتْهُ جَائِزَةٌ أَوْ بَعْضُ أَوْسِمَةٍ
أَغْرَاهُ مَهْمَا غَلَتْ أَثْمَانُهُ اللَّقَبُ
 
فَرَاحَ يَطْعَنُ فِي تَارِيْخِنَا طَرِباً
وَرَاحَ يَقْلِبُ مَا أَجْدَادُهُ كَتَبُوا
 
فِيْمَا مَضَى كَانَ فِي أَمْجَادِنَا سَبَباً
وَاليَوْمَ يَنْتَابُهُ مِنْ ذُلِّنَا الطَّرَبُ
 
يُسَجِّلُ الذُّلَّ فِي أَوْرَاقِ ذَاكِرَتِنَا
فَخْراً وَتَنْقُلُ تَسْجِيلاتِهِ الكُتُبُ
 
وَيَصْنَعُ الْمَجْدَ لِلأَعْدَاءِ مُفْتَخِراً
وَإِنْ رَأَى الْمَجْدَ فِيْنَا شَقَّهُ الوَصَبُ
 
ضَاعَتْ هُوُيَّتُهُ، ضَاعَتْ هُوُيَّتُنَا
وَضَاعَ مَنْبَتُنَا وَالأَصْلُ وَالنَّسَبُ
 
كُنَّا نُسَاعِدُهُ مِنْ أَجْلِ عِزَّتِنَا
وَاليَوْمَ إِنْ كَانَ فِيْنَا العِزُّ نَكْتَئِبُ
 
دَانَتْ لأُمَّتِنَا فِيْمَا مَضَى أُمَمٌ
وَاليَوْمَ نُرْكَبُ فِي ذلٍّ وَنُحْتَلَبُ
 
نَلْقَى الهَوَانَ فَلا نُبْدِيْ مُمَانَعَةً
وَلا يَثُوْرُ عَلَى خِذْلانِنَا الغَضَبُ
 
تَبْكِيْ هُوُيَّتُنَا مِنْ بُؤْسِ حَالَتِهَا
وَكُلُّ مَا عِنْدَنَا مِنْ مُنْجِدٍ تَعِبُ
 
تَبْكِيْ كَرَامَتُنَا مِمَّا يَحِلُّ بِهَا
مِنَ الأَذَى فَتُدَاوِيْ جِرَحَهَا الخُطَبُ
 
نَثُوْرُ فِيْ وَجْهِ أَهْلِيْنَا كَعَاصِفَةٍ
وَعَنْ مُوَاجَهَةِ الأَعْدَاءِ نَحْتَجِبُ
 
وَنَمْنَعُ الخَيْرَ عَنْ أَصْحَابِنَا سَفَهاً
وَإِنْ مَشَى لِلْعِدَا يَنْتَابُنَا الطَّرَبُ
 
وَيَرْقُصُ القَلْبُ إِنْ أَعْدَاؤُنَا انْتَصَرُوا
وَيَعْتَرِيْنَا الأَسَىْ إِنْ أَهْلُنَا غَلَبُوا
 
نُغْزَى فَلا نَشْتَكِيْ مُسْتَعْمِراً أَبَداً
مَهْمَا عَلَيْنَا اعْتَدَى أَوْ رَاحَ يَغْتَصِبُ
 
بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ ضَمَّتْ أُمْتِيْ عَجَباً
مَا قَبْلَهُ عَجَبٌ مَا بَعْدَهُ عَجَبُ
 
نَدْعُو الغُزَاةَ إِلَيْنَا لا حَيَاءَ بِنَا
فَإِنْ تَأَخَّرَ غَازٍ هَزَّنا الغَضَبُ
 
نَعَمْ، هُنَا هَزَّنَا مِنْ عُمْقِنَا الغَضَبُ
فَهَلْ حَوَتْ مِثْلَنَا فِي ذُلِّنَا الحِقَبُ
 
فِيْ مِثْلِ أَقْوَالِنَا وَالفِعْلِ مَا شَهَدِتْ
أَشْبَاهَنَا تَحْتَها أَوْ فَوْقَهَا التُّرَبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا صَنَماً
مَضْمُوْنُهُ صَدِئٌ وَالشَّكَلُ مُضْطَرِبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا صَنَماً
مَا فِيْهِ شَيءٌ إِلَى الأَمْجَادِ يَنْتَسِبُ
 
هَلْ نَسْتَحِقُّ الحَيَاةَ اليَوْمَ يَا عَرَباً
مَاتُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ بُنْيَانِهِمْ عَصَبُ
 
مَاتَ الرِّجَالُ وَأَشْبَاهُ الرِّجَالِ بَقُوا
هذِي المَلايِيْنُ فِي بُنْيَانِهَا العَطَبُ
 
لَوْ لَمْ تَكُنْ خَرِبَتْ هَلْ كَانَ يَنْهَشُهَا
كَلْبٌ وَتَرْكَبُهَا الأَرْزَاءُ وَالنُّوَبُ
 
«أَكَادُ أُوْمِنُ مِنْ شَكِّيْ وَمِنْ عَجَبِي»
بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَدَّ المَدَى عَرَبُ
 
وَلَمْ يَكُنْ مَا مَضَى تَارِيْخَنَا أَبَداً
وَأنَّ أَمْجَادَنَا كُلاًّ هِيَ الكَذِبُ

مشاركة منتدى

  • السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    قلبتَ الطاولة على أ...

    صحّ لسانك يا دكتور، ولافُضّ فوك،

    لقد أسعدتني بقصيدتك ، فأنا أمام شاعر فصيح بليغ، ومثقّف ملّم بأحداث الماضي والحاضر، ومستشرفٍ لآفاق المستقبل، وذي حسّ شعريّ مرهف، متمكّن من اللّغة والنّحو، وتأتيه الكلمات متدفّقة مطواعة.

    والحقيقة بقدر إعجابي كانت دهشتي! حيث قلبتَ الطاولة على أبي تمّام، ونجحت في خلط الأوراق، فأصبحت سيّد اللّعبة، ورسمت بدقّة وأمانة ما وصلنا إليه من ضعف، مع مقارنة شفّافة، وسخرية لاذعة نابعة من قلب كواه الألم، وهزّه الأسى،

    ولكن أقول لك : في أمّتنا ألف معتصم، وألف أبي تمّام، ولقد ركبت متن البحر البسيط، فحلّقت بعيداً وكفّيت ووفّيت، واكتشفت عوالم جديدة في إطار من الصور والخيالات المدهشة الممتزجة بألوان فتّانة ساحرة. وفقط أشير إلى كسر طفيف أعتقد أنه ناتج عن الطباعة في قولك: "حِيْنَمَا اسْتَحَقَّ الحَيَاةَ الحُرَّةَ العَرَبُ " فما هنا كسرت الوزن ، وأعود وأكرر بأن ذلك ناتج عن الطباعة لا غير .

    أحيّيك وأشدّ على يديك مباركاً ومعجباً

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى