الخميس ٢ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم ليلى كوركيس

صدفة

صدفة.. وُلـِدتُ فتاة ً
اصطبغَ جسدي بِسَمرةِ أبي
كان شعري مثل شعره
وملامح وجهي تشبهـُهُ
وحين أتعب وأنعس يبح صوتي مثل صوته
فأرتجف خوفاً من أن أفقده قبل أن أقول أني أحبه
وصدفة.. مثلهُ أحب النخيلََ على شاطئ البحر ِ
أَليس غريباً أن أزرع وأبي أحلامنا شجراً
صدفة.. سقطت أمنياتنا في بئر ٍ إبتلع كل أوهام الصبر
كم انك صابر ٌ يا "بابا".. وكم أشبهك َ!!
 
* * *
 
صدفة.. هجرتُ بيروت الى مونريال
كنتُ والمدينة نتكلم ُ الفرنسية
فكان انسجام واتفاق، مع بعض الحيرة، يتفيآن
تحت مظلة وطن جديد.. يتفيآن
هل أرتدي زي المدينة أم ترتادني هي مجاملة ً؟
وصدفة.. هتفَ لي نهرُها
"لا تقلقي يا حلوتي، جزري الصغيرة كثيرة
وانتِ جزيرة هاربة ذاب ملحُ جسدِها في مائي
فصرتُ بيروتي المذاق صدفة ً"
أتكون صدفة أن يهمس السان-لوران في أذني
وأن يمسح بذيل فستاني جبينَه
ليصبح َ بيروتي الهوى؟!
 
* * *
 
صدفة.. ذهبتُ في ذلك اليوم الى متجرٍ عربي
صدفة.. وجدتُ صحيفة عربية
كانت حروفها كالحية تتلوى
من غربتي اقتلعتني
صدقتُ همسَها فكان حتفي
الا تكون صدفة ً أن نموت سوية ً على صدر جريدة
في عمق الخبر..
في قاع محبرة أغرتها القواميس فترجمتها
وصدفة.. تثاقلَ حرفها السرياني فصار عربياً
أتكون صدفة لو كتبت ُ بالعربية
وأَحببتُ الموتَ في قوافي قصيدة وهمية؟!
 
* * *
 
صدفة.. اخترتُ لإبنتي دميةً تشبهني
كانت تهوى الشِعرَ مثلي
وكان شَعرُها داكناً.. غجري الخـِصالِ والخُصَـل
مثل ليل ٍ أطفأ قمرَه عنوةً
صدفة.. أُغرمَت دمية ُ ابنتي بالبشر
عشقت وتعذبت حتى الألم
امرأة ً صارت من دم ٍ وروح ٍ وجسد
أحرقت ماضيها مكرهة ً بمكر ِ لمسة ٍ وقبلة
وصدفة.. طلب منها حبيبـُها الحبَ على وشك
وأن تعودَ دمية ً يعاشرها متى يشاء ابن البشر
صدفة.. خلعت دميةُ ابنتي جلدَها وعطرَها
لتعودَ طفلةً تغفو وتصحو دونَ وجع
صدفة.. كَسَرَت ابنتي عنقَ دميتِها فَـبَكَت
.. عادت دميةُ ابنتي تشبِهُـني
فهل تسكن هي ايضاً جسدَ القصيدة في نفق؟!
 
* * *
 
صدفة.. دخلتُ ذلك النفق ولم أعُد
لم أذهب مع الريح.. لم أسقط.. لكني لم أعُد
ابتلعتني دورة الحياة بلا كلل
طواحين ٌ..
زوابع ٌ..
حروبٌ وانكسارات تفجرت فشظَّـت ذلك النفق
صدفة.. صار قلبي يرتجفُ
كمركبٍ يتأرجح بين سرير ضيق ٍ وصدر رجل
صدفة.. غلَّـفَني ذلك النفق
أثلجَ شمسي في ظلمة القدر
صدفة.. تراصت كل الكلمات يسندها حبٌ مضى
كالريشة مضى..
هَجَرَ الغصنَ والشجر
وصدفةً ارتطم رأسُهُ برأسِه فوقع
كالريشة وقع
أكملتُ سيري وحيدة ً
أخاطبُ نفسي بنفسي
ونفسي أصبحت أنا هو والوطن
كلنا في ذلك النفق
نسير.. نسبح.. نطير.. للحياة
نغوص بالشعر في ذلك النفق
صدفة.. دخلتُ ولم أعد
لم أذهب مع الريح.. لكني لن أعود
لن أعود
لن أعود
..
 
21 تموز/ يوليو 2007

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى