السبت ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم عبد الخالق عبده سليم الجوفي

صــَدِيــقـِي والـعـِيــد

التقينا في ثاني أيام ِالعيد فعاتبتهُ على قضائه ِالعيد وحيدا ً في غرفـَتـِهِ
(( المنفى )) كما يُحب أن يسَّميها فقال :. إذا عُـرِفَ السببُ بطل العجبُ كما يقولون

 أي سببٍ يجعلكَ تعتزلُ الناسَ في يوم ِالعيد ؟
 لي عُذري في ذلك ... ولو علمتهُ لأدركتَ ذلك .
 لا أعتقدُ أنَّ لكَ عذراً أبداً.
 إذن اسمعني ، ثم أحكم بعد ذلك .
 حسنا ً ... تفضل .

 (( كانت ليلة ُالعيد ِمن أشد الليالي وطأة ً على نفسي حيث تأرجحت فيها بين أمرين أحلاهما مُر ، إما العودة لمنزلي لقضاءِ ما تبقى من ساعاتها ، أو البقاء على رغم كراهتي لذلك ، فهي ليلةٍ ليست كأي ليله ... والعيدُ ما عاد يفصلنا عنهُ سوى سويعات قليلةٍ حتى يُـطِلُ علينا بعقبهِ وحلته ِالجديدة التي تكسي عواده وصفائه الذي يطهِّرُ سرائرَ الناس فيجمعهم في باكر صبحه للعناق والسلام ... كان من المفترض أو بشفافية أكبر كان لزاما ً علي ألا ترسل الشمس أول خيطانها الذهبية إلا وأنا في منزلي ...بل في غرفتي القابعةُ بتواضعٍ في الجزء الشمالي من سطحِ المنزل الواقع في الشرق الأوسط من العاصمة صنعاء ، وبالتحديد في إحدى الضواحي التي تستلقي كحوريةٍ فاتنةٍ على سفح نـُقم الأشم , هناك ... حيث لا تزال الطبيعة تحتفظ بطابعها مكونة ًمنتَزها ًمًُطلا ً على صنعاء تقصده الأسر والعائلات من المناطق البعيدة والقريبة .

ذلك الإلزام ليس لرغبةٍ في نفسي أو شوق ٍوشغف ٍلقضاء ِأجمل وأجلَّ أيام ُالسنةِ في أحضانِ أسرتي التي أصبحت ممزقة ، ولكن لرغبة ٍفي التوري عن عيونِ الناس الذين لا بد ستلفت أنظارهم ملابسي التي بات من الواضح قدمها ... وشعري الذي إستطال وما استطعتُ حتى تقصيرهْ ... وحذائي الذي بتُّ أخجلُ من انتعالهُ بالأيام ِالعاديةِ ، فكيفَ بالعيدِ ؟!!.

وقَضيتُ ليلتي أو بقيتها كما سلف من ساعاتها ... بل أشدَّ وأقسى خصوصا ً كلما اقترب الصبحُ وكأنها الساعاتُ الأخيرة ُفي حياتي ... أو لـَكـَأنِي أُقبـِل على الموت لا يفصلني عنهُ سِوى لحظاتِ شروق شمس العيد فبتُّ لذلك أعد الدقائقَ والثوانْ ... اسمعُ ضحكات من حولي فأحاول ُمُجراتهم في سرورِهم مُتصنعا ً الابتسامة ُالتي كِدتُ أنساها في مثل ِهكذا مناسباتٍ حتى لا أكونُ نكرة ًبينَ المعارف ومُحاولا ًكذلك إخفاءَ معالمَ الحزن ِالمرسومة ُكوشم على وجهي برغم جَلائِها لنـَاظـِرِيَّ الذين ذبحتني نظراتهم ُالمتسمة ُبالعطف ِوالشفقة ِالتي لا أحَُبذها ولا أتحمَلـُها .... إلى إن أذنَّ للفجرِ فذَهبتُ للصلاة ِوعـُدتُ بعدها لأخذ ِأوراق ٍكُنت قد اشتريتها وكتابين مـُتـَعـَلـِقـَين ِبـِدراستي الجامعية التي أصبحت أختبارتها بعد اقل من الشهر كان قد تفضل بهما على احد الأصدقاء.

ولعلهم عند ذهابي لأداء الصلاة قد تحدثوا عني وعن سببِ رغبتي العارمة في الذهاب ، وأدركوا السبب الحقيقي وراء ذلك على رغم تعذري بالنوم الذي لم يجد سبيلا ًإلى عينَي تلكَ الليلة حتى ذلك الوقت ، وإذا ما بقيت فلا مكان أستطيع الخلود فية للنوم بهدوء للضجة التي سيُحدثها الأطفالُ إثر الفرحة الغامرة بالعيد .
على رغم تبريري ذلك الذي كان صادقا ً وستارا ً لحقيقةٍ أخرى يُدرِكونها لم يقتنعوا ... وما كان ليقنعهم ذلك التبرير أو يقنعني أنا نفسي ... لكن الحقيقة قاسية ٌولا أستطيع ُالاعترافَ بـِها فكرامتي لا تسمح ُ بذلك على رغم يقيني بمعرفتهم لها .

كنت أتمنى البقاءْ ... وكنتُ للحظةٍ قررتُ ذلكَ في نفسي إلا أنََّ نظراتهم التي ما تعودتُ عليها ولا أطيقها حسمتِ الأمر ... فقد كانت أمضى من سهام ٍأصابتْ فؤادي فأدمته ُوأثارتْ مقلتي فأدمعتها ... وما عدتُ قادرا ً على تحمل ِالمزيدَ فاستأذنتهم وخرجتُ مُسرِعا ًعلَّ أحدا ًلا يرى دموعي التي صارت رفيقتي صباحَ كُلَ عـِيـدْ .

كنتُ أمشي وكل خطوة ٍتـفـتحُ جُرحا ً ، وكلَ جُرح ٍيَجُــرنِي لذكــــرى مؤلمةٍ ... وجُرح ٍأكبر ... ودمعي يغسلُ خدَيَّ .

كان الضوءُ ما يزالُ خفيفا ً عندما كنت ُاُلقِي نظري على النوافذ التي أصبحت مُضائَهْ ... جالَ خاطري إلى ما يحدثُ خلفَ زجاج تلك النوافذ ... حلقتُ بخيالي فإذا الأطفالُ يستيقظونَ مسرورين عند سماعهم أصوات والديهم يوقضاهم لارتداءِ ملابسَ العيدِ الجديدةِ ... وصوت المذياع يُطربُ بالأغاني العيديةِ السعيدة ... قد يكون ما يحدثُ بالفعل خلف َزجاج تلك النوافذ أكثرَ فرحا ً وسعادة ً ودفئا ً من ذلـك ... أو أكثر تدفقا ً للعاطفة بين الأبوين والأبناء ، لكن ما جال بفكري أو ما تخيلتهُ هو ما كان يحدث ُلي عندما كنتُ طفلا ً ، وأسرتي ما تزالُ مترابطة ... أو هو ما تمنيتُ أن يحدث َلي الآن على رغم أني جاوزت ُسِنَ الطفولة ... إلا أنه ُما يزالُ بداخلي طفل ٌبحاجةٍ إلى أن يلعبَ ويكسرَ حدود العقل ... ما يزالُ بداخلي طفلًٌ بحاجةٍ إلى حضن ِأمهِ الدافئ وعطفَ أبيهِ .... لكن ذلك صار ضربا ً من الخيال المحال ... فأمي قد غادرتها وأسرتها قبل لحظات ، وأبي أتجهُ إليهِ الآن ليصدمني الواقعُ و يُذكرني بجرح ٍلا أظنهُ يندمل ، وليس بمقدورِ السنين تطيبهُ أبدا ً .

عندما وصلتُ إلى منفاي على سطحِ منزلنا ... نظرتُ من النافذة ِلعيون ِالصغارِ والكبار ِالتي تملئـُها الفرحة ُفدمعت عيناي فرحا ً لهم ... وحزنا ً على نفسي ... وحَالـِــي ))

لما انتهى من سردِ قصته مع العيد كانت ملابسي الجديدة قد أغرقتها الدموع فخلعتها واستبدلتها بملابسي القديمهْ ، وعذرتهُ .... ولم أعذرْ نفسي ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى