الأربعاء ٧ شباط (فبراير) ٢٠٠٧
بقلم فرهاد ديو سالار

طه حسين زرع الأساطير والشبهات في قلب السيرة النبوية

المستخلص

اتخذ طه حسين النبي و عصره مادة للأدب الأسطوري مستخدما الأساطير اليونانية والرومانية و الفرنسية و ساق الأدب العربي على غير طريقه و ألبسه ثوبا من غير نسجه و نسج عليه نسجا أوروبيا و ساقه في نفس الطريق الذي افتن بالأدب الأوروبي الغربي بصورة عامة و بالأدب الفرنسي بصورة خاصة و في الحقيقة محاكاة محضة يعرض على قارئه ولكن باسم التجديد. ولكنه قلد- بالفعل- فلاسفة الغربيين في الشك و التشكيك و سفسط فيه بدل أن يكون بحثا علميا يعتمد على سند عقلي أو علمي سليم. و بحثه في شتى المجالات خاصة في مجال اللغة العربية و الأدب العربي و تاريخه كله يرى إلى قصد واحد؛ هو سيادة الفكر الغربي و سيطرته على كل شيء و قد أوفى دوره الذي – كان لا بد أن يلعب-؛ لأنه عميل الأدب الغربي ضد الثقافة و الهوية العربية الإسلامية. و كتابه في الشعر الجاهلي – كما نفسه يعتقد هذا أسلوب جديد في البحث...- في الحقيقة استنساخ لآراء مرجليوث حول الشعر الجاهلي في مقاله "أصول الشعر العربي" و حاشية كتبها الدكتور طه حسين على نص هذه المقالة.زد على ذلك أن القدماء أنفسهم استخدموا هذا الأسلوب في رواياتهم .
الكلمات الرئيسية: طه حسين، الأساطير،التشكيك، مرجليوث،الشعرالجاهلي.


المقدمة

سعى طه حسين إلى زرع الأساطير والشبهات في قلب السيرة النبوية لتلويثها بعد أن نقاها مؤرخو الإسلام و ذلك لإفساد العقول بالتشكيك و دفع الريبة إلى نفوس المسلمين في شأن الإسلام والرسول إنه رجل كلف بالأساطير وسعى على إحيائها و إن هذا ليثير كثيرا من التساؤل، إذ أنه فشل في تثبيت أغراضه عن طريق العقل و البحث العلمي . إذن لجأ إلى الأساطير ينمقها فيقدمها للناس مظهرا لما فيها من أوهام.

هناك إيجابيات كثيرة فضلا عن السلبيات، إذا أشار إلى الآفات لا بد أن يطرح الخرافات. و عليه أن لا ينظر إلى الدين كأسطورة و هذا التفسير و النظرية للأصوليين، و أنى له من طه حسين الذي يدعي بأنه من المستنيرين الذين يريدون تحطيم قواعد السنة و أصولها، و هذا النوع من التقهق رإلى الوراء لشخص كطه حسين عجيب! و أنه يفسر كل شيء بالأسطورة، أسطورة اليونان و الرومان. زد على ذلك، أنه نسي أن الدين ليس موضوعا للبحث، و نفسه يعتقد أيضا لا بد أن يكون منفصلا عن البحث و العلم( طه حسين، العلم و الدين،جريدة السياسة،ص5).و ليس الدين مادة للبحث العلمي و الدراسة العلمية و أنّى للدين و الأسطورة! و أنّى لطه حسين الذي يقول: أنا لا أقبل حتى أنقد و أتحرى و أحلل و أدقق في التحليل(طه حسين، في الشعر الجاهلي،ص128). وهذا ما دفع الدكتور هيكل صديقه إلى أن يقول في كلامه عن كتاب "على هامش السيرة": لقد تحول طه الرجل الذي لا يخضع لغير محكمة النقض و العقل إلى رجل كلف بالأساطير يعمل على إحيائها.و أستميح الدكتور طه العذر إن خالفته في اتخاذ النبي صلي الله عليه و سلم مادة للأدب الأسطوري ...فالنبي صلى الله عليه و سلم و سيرته و عصره تتصل بحياة ملايين المسلمين جميعا بل هي فلذة من هذه الحياة و أعلم أن هذه الإسرائييليات قد أريد بها إقامة مثيولوجية إسلامية لإفساد العقول و القلوب من سواد الشعب، و لتشكيك المستيرين و دفع الريبة لنفوسهم في شأن الإسلام و نبيه من أجل ذلك أود أن يفصل الدكتور بين ما يتصل بالعقائد و ما لا يتصل بها .. ثم يقول" هيكل" و الحق أنني كنت أشعرأثناء قراءتي هذا الجزء و كأنما أقرأ في كتاب من كتب الأساطير الفرنسية أو في بعض ما كتب آناتول فرانس.

و يقول الأستاذ الرافعي: فلما يكون طه حسين كافرا و مؤمنا في عقله و شعوره، ولا يكون في فلسفته هذه مغفلا من ناحية و مخطئا من ناحية أخرى، و هل يجتمع هذا التناقض إلا في عقل واهن ضعيف كعقل الأستاذ، و إلا فمن ذا الذي يعقل أن نفي النبوة و الوحي و تكذيب الكتب السماوية هو على وصف من الأوصاف علم و عقل و على وصف آخر دين و إيمان.
إذن ليس عجيبا أن الدهر يسيربه القهقرى يرجع به إلى الوراء ولايمضي به إلى الأمام. و هنا نذكر بعض المواقف التي تعتبرها أسطورة

يعتقد تصور العصر الجاهلي القريب من الإسلام بأنه لم يضع تصورا واضحا قويا بشرط ألا نعتمد على الشعر، بل على القرآن من ناحية، و التاريخ و الأساطير من ناحية أخرى (طه حسين، في الشعر الجاهلي،دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1926م، ص 8).
يقول عن الشعر الجاهلي واللغة: فواضح جدا لكل من له الإلمام بالبحث التاريخي عامة و بدرس الأساطير و الأقاصيص خاصة أن هذه النظرية متكلفة مصطنعة في عصور متأخرة دعت إليها حاجة دينية أو اقتصادية أو سياسية(طه حسين، في الشعر الجاهلي،ص 26).
يتكلم عن الكعبة كسلطان قوي و رمز قوي يريد أن يقف في سبيل انتشار اليهودية من ناحية و ا لمسيحية من ناحية أخرى.فنحن نلمح في الأساطير أن شيئا من المنافسة الدينية كان قائما بين مكة و نجران ونحن نلمح في الأساطير أيضا أن هذه المنافسة الدينية بين مكة و بين الكنيسة التي أنشأها الحبشة في صنعاء هي التي دعت إلى حرب الفيل التي ذكرت في القرآن (في الشعر الجاهلي،ص28). فمن المعقول جدا أن تبحث هذه المدنية الجديدة لنفسها عن أصل تاريخي قديم يتصل بأصول التاريخية الماجدة التي تتحدث عنها الأساطير. و إذن فليس ما يمنع قريشا من أن تقبل هذه الأسطورة التي تفيد أن الكعبة من تإسيس إبراهيم و إسماعيل، كما قبلت روما قبل ذلك و لأسباب مشابهة أسطورة أخرى صنعها لها اليونان تثبت أن روما متصلة بإينياس ابن پريام صاحب طروادة (في الشعر الجاهلي، ص29).

و في البحث عن الأنساب يعتقد بأن هذا كله أقرب إلى الأساطير منه إلى علم اليقين (في الشعر الجاهلي، ص31).
أنكر المقدسات الواضحة التاريخية المبرهنة عليها في الكتب الدينية بدون أي دليل منطقي أو استدلال علمي. كسبيل المثال رفض قصة إبراهيم و إسماعيل مع أنها في القرآن و التوراة و الإنجيل موجودة، و ينكرها بدون إرائة السند العلمي و التاريخي الصحيح و اعتبرها أسطورة. و إذا قبلنا رأيه أن هذه الكتب السماوية كلها أسطورة؛ فلماذا يستند إليها في مواضع كثيرة و يستشهد و يتمثل بها على إثبات مدعاه؟ والسؤال هو: هل يمكن لباحث أن يستند على أسطورة لإثبات مدعاه في المسائل التاريخية أوالأدبية و غيرهما؟ طبعا، "لا". و هو بالفعل يخالف رأيه و عقيدته و هذا ليس أسلوبا علميا يليق الاعتماد عليه.

يعتقد أن كل ما كان يتحدث به ابن إسحاق و يرويه الطبري من تاريخ العرب وآدابهم، و ما يكتبه المؤرخون والأدباء عن العرب في هذا العصرأسطورة بقوله: ذلك لأن الكثرة من هؤلاء المؤرخين و الأدباء لم تتأثر بعد بهذا المنهج الحديث، ولم تستطع بعد أن نؤمن بشخصيتها و أن تخلص هذه الشخصية من الأوهام و الأساطير (في الشعر الجاهلي، ص46). . و يرى في بعثة النبي شيئا من الأسطورة لإقناع العامة و يقول: و أنت تستطيع أن تحمل على هذا كله ما يروى من هذا الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدا لبعثة النبي و كل ما يتصل به من هذه الأخبار و الأساطير التي تروى لتقنع العامة بأن علماء العرب و كهانهم و أحبار اليهود و رهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش أو من مكة (في الشعر الجاهلي، ص69)
كذلك في مسألة الدين و انتحال الشعر؛ كلامه بشأن النبي إن لم يكن فيه طعن صريح ظاهر إلا أنه أورده بعبارة تهكمية تشف عن الحط من قدره و ينكر التوراة و الإنجيل مما قيل فيهما حول بعثة النبي. و يرى أن الانتحال كان لإثبات صحة النبوة و صدق النبي، لإقناع عامة الناس و اعتبر بعثة النبي و حياته أسطورة وضعها علماء اليهود و النصارى من الأحبار و الرهبان (طه حسين، في الشعر الجاهلي،ص 69).
و يعتقد أن نوعا آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر و إضافته إلى الجاهليين هو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته و نسبه في قريش و ... (طه حسين، في الشعر الجاهلي،ص 72) و إذن فيجب أن تخترع القصص و الأساطير و ما يتصل بها من الشعر ليثبت أن المخلصين من الأحبار و الرهبان كانوا يتوقعون بعثة النبي (في الشعر الجاهلي، ص72).

في القصص يعتقد أنه تأثر بروح الشعب الذي كان يُتحدث إليه. و من هنا عني عناية شديدة بالأساطير و اجتهد في تفسير هذه الأساطيرو إكمال الناقص منها و توضيح الغامض(في الشعر الجاهلي، ص93). ويذكر من مصادر القصة مصدر فارسي و ما يتصل بأخبارهم و أساطيرهم و أخبار الهند و أساطيرها (في الشعر الجاهلي، ص46).
و عندما يتكلم عن امرئ القيس يرى أن الناس لم يعرفوا شيئا إلا اسمه هذا، و إلا طائفة من الأساطير و الأحاديث تتصل بهذا الاسم (في الشعر الجاهلي، ص134) و هنا يحسن أن نلاحظ أن الكثرة من هذه الأساطير و الأحاديث لم تشعّ بين الناس إلا في عصر متأخر و في عصر الرواة المدونين و القصاصين ( نفس الصفحة).

يتكلم عن أثر القصص في انتحال الشعر بأن الرواة و العلماء خدعوا .على سبيل المثال يذكر انخداع ابن سلام عن هذا الشعر المنتحل هذه الطائفة التي رواها على أنها أقدم ما قالته العرب من الشعر الصحيح، و التي يضاف بعضها إلى جذيمة الأبرش، و بعضها إلى زهير ابن جناب و بعضها إلى أعصر بن سعد بن قيس عيلان. و كل هذا الشعر إذا نظرت فيه سخيف سقيم ظاهر التكلف بين الصنعة. واضح جدا أن راويا من الرواة أو قاصا من القصاص تكلفه ليفسر مثلا من الأمثال أو أسطورة من الأساطير أو لفظا غريبا أو ليلذ القارئ أو السامع ليس غير(في الشعر الجاهلي، ص99).ويعتبره من أشخاص الأساطير بقوله: أ ليس واضحا جليا أن هذين البيتين إنما قيلا في الإسلام ليفسرا اسم هذا الرجل الذي هو في حقيقة الأمر من أشخاص الأساطير لا نعرف أ وجد في حقيقة الأمر أم لم يوجد. و بالنسبة إلى البقية كذلك حول مالك و سعد ابني زيد مناة ابن تميم. فنحن لا نعرف من سعد و من مالك و من زيد مناة و من تميم. و أكبر الظن عندنا أنهم أشخاص أساطير لم يوجدوا قط. (في الشعر الجاهلي، صص100و101).و على هذا الأساس يعتبر كل هذه الأسماء و الأمثال أسطورة بقوله: و تستطيع أن تذهب هذا المذهب من الفهم و التفسير في كل هذه الحكايات و الأساطير التي تتصل بالأسماء و الأمثال و الأمكنة و ما إليها و ما ينشد فيها من الشعر(في الشعر الجاهلي، ص102).
و يعتبر" أيام العرب" أو "أيام الناس" أسطورة في قوله: فحرب البسوس و حرب داحس و الغبراء و حرب الفساد و هذه " الأيام" الكثيرة التي وضعت فيها الكتب و نظم فيها الشعر ليست في حقيقة الأمر إلا توسيعا و تنمية لأساطير و ذكريات كان العرب يتحدثون بها بعد الإسلام (في الشعر الجاهلي، ص 104).

يقول في تأثير الشعوبية في انتحال الشعر ،فيكفي أن يحاول الشاعر من الموالي الافتخار على العرب ليفكر في أن يثبت أن العرب أنفسهم كانوا قبل أن يتيح لهم الإسلام هذا التغلب يعترفون بفضل الفرس و تقدمهم، و يقولون في ذلك الشعر يتقربون به إليهم و يبتغون به المثوبة عندهم، و لاسيما إذا كانت الحوادث التاريخية و الأساطير تعين على ذلك و تدنى منه(في الشعر الجاهلي، ص110).

في بحث قصص و تاريخ يعتقد أن هذا البحث كله أساطير و ليس حقا بقوله: و لن نستطيع أن نسمي حقا ما ليس بالحق، و تاريخا ما ليس بالتاريخ. و لن نستطيع أن نعترف بأن ما يروى من سيرة هؤلاء الشعراء الجاهليين و ما يضاف إليهم من الشعر تاريخ يمكن الاطمئنان إليه أو الثقة به؛ و إنما كثرة هذا كله قصص و أساطير لا تفيد يقينا و لا ترجيحا، و إنما تبعث في النفوس ظنونا و أوهاما (في الشعر الجاهلي، ص 125). و يعتقد أن اخبار الجاهليين و أشعارهم لم تصل إلينا من طريق تاريخية صحيحة، و إنما وصلت إلينا من هذه الطريق التي تصل منها القصص و الأساطير: طريق الرواية و الأحاديث، طريق الفكاهة و اللعب، طريق التكلف و الانتحال (في الشعر الجاهلي، ص 126). و لهذا يرى أن يكون لمؤرخ الآداب العربية موقفان مختلفان: أحدهما أمام الأساطير و الأقاصيص و الأسمار التي تروى عن العصر الجاهلي. و الثاني أمام النصوص التاريخية الصحيحة التي تبتدئ بالقرآن (في الشعر الجاهلي، ص 127). و يعتقد الخيال الشعبي للعرب قد جدّ و عمل و أثمر، و كانت نتيجة جده و عمله و إثماره هذه الأقاصيص و الأساطير التي تروى لا عن العصر الجاهلي وحده بل عن العصور الإسلامية التاريخية أيضا (في الشعر الجاهلي، ص 127).

و لكن طه حسين يحكم في البداية على انتحال الشعر الجاهلي و يلح على أن الشعر الجاهلي غير
موجود و ينفي كل ما يتعلق بالأدب الجاهلي و الشعر الجاهلي و أيام العرب و أسواق العرب و يعتبرها أسطورة (طه حسين، في الشعر الجاهلي،صص 104و 105).

و يعتبر الشخصيات الموجودة في الشعر الجاهلي أساطير مثل امرئ القيس، عنترة، طرفة
و غيرهم، الذين اعتبرهم قبل بضعة أشهر من نشر كتابه في الشعر الجاهلي من قادة الفكر و كان يعتقد و يؤكد أنهم أساس الحضارة الإسلامية و يستطرد للمقارنة بين بداوة اليونان و أشعارها و بين بداوة عرب الجاهلية و أشعارهم. و هذا نصّ عبارته: "علام تقوم الحياة العربية في بداوة العرب و أول عهدهم بالإسلام؟ على الشعر ...هل كانت توجد الحضارة الإسلامية التي ظهر فيها مَنْ ظهر من الخلفاء و العلماء و أفذاذ الرجال لو لم تجد البداوة العربية التي سيطر عليها امرؤ القيس و النابغة و الأعشى و غير هم من الشعراء الذين الذين نبخسهم أقدارهم و لا نعرف لهم حقهم؟ "(طه حسين، قادة الفكر ، دار المعارف بمصر، ابريل 1925 م صص10و 11).

و في البحث عن شخصية امرئ القيس يعتقد أنه أسطورة و خلط كثير في حياته و هذا أوضح دليل على ما نذهب إليه من أنه إن يكن قد وجد حقا-و نحن نرجح ذلك و نكاد نوقن به- فإن الناس لم يعرف عنه شيئا إلا اسمه هذا، و إلا طائفة من الأساطيرو الأحاديث تتصل بهذا الاسم (طه حسين، في الشعر الجاهلي،ص134). و أشبه بشخصية الشاعر اليوناني هوميروس، وأن تنقله في البلاد و التجاءه و استعانته كلها شيء يلاحظ في حياة هوميروس من الكرامة و التجلة و الإعراض و الانصراف. لايشك مؤرخوا الآداب اليونانية الآن في أنها قد وجدت حقا، و أثرت في الشعر القصصي حقا، و كان تأثيرها قويا باقيا؛ و لكنهم لا يعرفون من أمرها شيئا يمكن الاطمئنان إليه، و إنما ينظرون إلى هذه الأحاديث التي تروى عنه كما ينظرون إلى القصص و الأساطير لا أكثر و لا أقل (في الشعر الجاهلي، ص138).و هذا موقفه من شخصيات أخرى،على سبيل المثال:
يرى أن كل ما يضاف إلى المتلمس من شعر- أو أكثره على أقل تقدير- مصنوع لتفسير طائفة من الأمثال و من الأخبار، فسره القصاص و استمدوا تفسيره من هذه الأساطير الشعبية لم يكن الناس يعرفون من أمره شيئا (في الشعر الجاهلي، ص180.) ومهما يكن من شيء فليست شخصية مهلهل بأوضح من شخصية امرئ القيس أو عبيد أو عمرو بن قميئة ؛و إنما تركت لنا قصة البسوس منه صورة هي إلى الأساطير أقرب منها إلى أي شيء آخر (في الشعر الجاهلي، ص160).

و أما موضعه من عمرو بن كلثوم فهو يرى قد أحيط في مولده و نشأته بل في مولد أمه بطائفة من الأساطير لا يشك أشد الناس سذاجة في أنها لون من ألوان العبث و الانتحال (في الشعر الجاهلي، ص164) و يعتقد أن هذه الأحاديث التي حول شخصيته كلها تدل على أن عمرو بن كلثوم قد أحيط بطائفة من الأساطير جعلته إلى أبطال القصص أقرب منه إلى أشخاص التاريخ (في الشعر الجاهلي، ص165).
.و أما موقفه عن طرفة فنفس الموقف عن الآخرين و يعتقد أن له وللمتلمس أسطورة لهج بها الناس منذ القرن الأول للهجرة و هم يختلفون في روايتها اختلافا كثيرا (في الشعر الجاهلي، ص173).

يمكن أن نعتبر الأسطورة من أهم المصادر و مادة البحث و الدراسة عند طه حسين؛ لأنه رجل كلف بالأساطير. و تثير أغراضه كثيرا من التساؤل؛ لأنه يشعر بالفشل في تثبيت العقل و البحث العلمي
إذن ليس بعجيب أن يلجأ إلى الأساطير ينمقها ويوشيها فيقدمها للشعب فيها من أوهام في ظاهر تفنى الناس. و قد خلط كل ما كان بين أيديه بالأساطير خلطا شديدا،خلطها بأساطير اليونان و الروم. خلطها بسيرة النبي مع إثارة جو من الاضطراب، و خلط تاريخ الإسلام بالأساطير، إنه اعتبر قصة هجرة إبراهيم و إسماعيل إلى مكة و بناء الكعبة أسطورة من تلفيق اليهود و حديثة العهد قبيل الإسلام و زعم القرآن أسطورة من صنع النبي و الأسطورة لا تعني أن يكون الكاتب كذابا، طعن صريح في القرآن حيث نسب الخرافة و الكذب بهذا الكتاب السماوي و تعرضه بحماقة متهما إياه بأنه استعان بالأساطير الكاذبة بغرض التقرب من اليهود و أنكر ما جاء في التوراة و الإنجيل عن النبي.ويعتبر الشخصيات الموجودة في الشعر الجاهلي أسطورة و كذلك كل ما يتصل بالأدب الجاهلي من الأمثال و الأشعار و الروايات و الأيام و القصص بحيث لا يبقي و لايذر شيئا.
و قصارى القول أنه استخدم الأسطورة ليبرهن على النتائج التي وصل إليها من قبل أو ربما أمليت عليه و كان لابد له أن يأتي بدلائل يثبت هذه الآراء و أن تكون ذريعة للوصول إلى هذه النتائج؛ لهذا نراه اختلط الحابل بالنابل. و أحيانا يبرهن على شيء في حينه يرفضه كما لا حظنا في الإسناد إلى القرآن و الروايات و الأديان و القصص لكلفه بالأسطورة يعتبر كلها من الأساطير و يربطها بأسطورة اليونان و الرومان، الشيء الوحيد الذي لا يرفضه و لا ينقده. و استغل هذا كله لصالحه و عند الحاجة إليه.

في الحقيقة يمكن و نستطيع أن نقول: أنه سطا على بحث مرغليوث المستشرق البريطاني اليهودي الحقود من بغضه و حقده ضد القرآن و الإسلام و النبي؛ لأنه لم يشك في الشعر الجاهلي أقل شك قبل أن يظهر بحث مرغليوث في خصوص أصول الشعر العربي ثم أصبح الدكتور طه حسين فجأة من الشاكين فيه و هبّ كعاصفة و ريح عاتية على الشعر الجاهلي حيث لم يبق شيئا منه، و حتى المقدار القليل الذي هو نفسه يقبله؛ يعتقد أنه لاينبغي الاعتماد عليه؛ لأنه نتج ببلبلة فكرية ليس لها أساس من علم أو منطق فجنى على العلم و الدين و الأدب بما أنه قارن هذا كله بالأسطورة ومماثلة بأسلوب الغربي و أساتذته الغربيين خاصة مرغليوث كان امتثالا و وفاء و انعكس هذا في كتابه "في الشعر الجاهلي" بصورة رائعة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى