الأربعاء ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم صبري هاشم

عاصفةٌ في شجرِ الله

حتى هذه الساعة
لم تأتِ إلى ساحةِ هانا زوبك الحمامات
قطّعتُ لهنَّ الخبزَ
ومعي حملتُ إليهنَّ حفنةَ حبٍّ مِن عبّادِ الشمسِ
ولم تأتِ
جاءتِ الشمسُ وتأخّرتِ الحمامات
ولم تأتِ إلى شرفتي هذا اليوم حمامتان متزاوجتان
تركتُ لهما طعاماً وحوضاً صغيراً للماء
وإلى جوارِهِ تركتُ شتلةَ وردٍ للياسمين مازالت مغمضةً
هل تأتي الحمامات؟
وإنْ تأخرت هناك في أعالي الشرفةِ هل تأتي إلى ميدانِ هانا زوبك؟
أنا منذ الضحى منتظرٌ
قطعُ الخبزِ معي وحبُّ عبّادِ الشمسِ
وفي الجوارِ بشرٌ مِن أفريقيا الوسطى
في الجوارِ هنودٌ حمرٌ
عربٌ، أتراكُ
وبعضُ السلافياتِ
يمْهرْنَ الوقتَ بزقزقةِ النهدين
ويختمْنَ توتّرَ شهوةِ الشمسِ الفاضحَ بعريِّ السيقان
في هذي الساعةِ ما أجملَ الاشتهاء !
ما أعذبَ أنْ تستمني الشمسُ بزهرٍ يتفجّرُ كرزاً !
ما أجملَ دهشةَ فضّة الأجسادِ في تلك الساعةِ !
عاصفٌ أنا أمام المشهدِ
ومشدودٌ للرؤيةِ
و أمامي صبايا ينجزْنَ المتعةَ بثوانٍ
آه يا ماء الظهرِ المُراقَ على أردافِ الساحةِ
ويا بطنَ العفّةِ المنسابَ كالموجِ فوق هديرِ الأعماقِ آه
آهٍ للعمرِ الغاربِ في هذي الساعة
للزمنِ المهدورِ فوق الساحة
بهذا المشهدِ أتعللُ
وبهذا المشهدِ ألهو
الوقتُ تأخّرَ والحماماتُ عاندتْ في المجيء
ربما اعتصمتْ في مرتفعِ همبولدت حيث تُقيمُ في أعشاشِ الطيرِ القادمِ مِن زمنِ الأسفارِ
شحرورٌ في المدى
غرابٌ يشربُ ماء
وعصفورٌ يُراودُ أُنثى تكبرهُ سنّاً تماماً كما يفعلُ تلميذٌ مع أصغرِ المعلمات
هل تأتي الحمامات؟
جاءت كلُّ الغربانِ
وتأخّرتِ الحمامات
و أنتِ هل تأتين أم على أبوابِ البصرةِ مازلتِ تنتظرين؟
تنتظرين مَن؟
أنا قررتُ ألا أعود
نعم قررتُ ألا أعود
تأخّرت الحماماتُ وجاءت للفقراء عربات
مِن وراء غاباتِ أثلِ البصرة جاءت
عرباتٌ حملت جوعاً لأطفالٍ في الحيانية
عرباتٌ حملت حَيْرَةَ صبايا مِن صبخةِ العربِ
عرباتٌ تأتي مِن "خمسة ميلٍ" مُحمّلةً بالشجنِ المقيمِ
وعرباتٌ حملتْ عويلَ نساء جئْنَ مِن وراء روحِ الكمأةِ المختبئةِ في صحراء الزبير.
تأتي عرباتٌ ويأتي التعساء
مِن ميسان عَبْرَ الكحلاء
أو عَبْرَ المشرّح
ويأتي مِن ذي قار أهلُنا النجباء
مِن أور يأتي فتيانٌ بأسمالٍ باليةٍ
ويأتي بأقدامِهم محمولاً طينُ التاريخ
لم تأتِ بعد إلى الشرفةِ حمامات
ولم يأتِ عَبْرَ مملحةِ السماوة فرات
لم تأتِ منذ فجرِ التاريخِ ناهدات
نحن زرعْنا شجرَ التاريخِ وصرْنا لعنةَ الأمم
هل جاءت إلى هانا زوبك حمامات؟
قطعُ الخبزِ معي
ومعي حبُّ عبّادِ الشمسِ
وأمامي صدورُ إناثِ الدنيا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى