الاثنين ١٦ آذار (مارس) ٢٠٠٩
غزة
بقلم ميسون جمال مصطفى

عاصمة المقاومة العربية 2009

حينما ُتعد صفحة أدبية ما، تضع نصب عينيك مواضيع أدبية تعالج اشكاليات عامة، ولكن أن تكون فلسطيني فعادة ما تختار قضايا أدبية تمس قضيتك الفلسطينية في الصميم… وحينما تطرق موضوعا حياً تعيش تفاصيل وجعه-ولو عبر التلفاز- فالأمر يدفعك لستنزف من دموعك مداداً يعانق فيروز الكلمات الشعرية، ويلامس وجعا مستكيناً يسمى غزة… فماذا تكتب، وأنت لم تحص بعد فاتورة الدماء والأوجاع!

غزة تحت النار… وغزة تحت الحصار، لا فرق فالنار والحصار سيّان، وظلم إحدهما أقوى من الآخر…فهل لك أن تتخيل حصيلة المجازر في غزة، وكمية الدماء التي روت أرضها، وهل لك أن تحصي الأطفال الذين حلقوا طيوراً تدعو الله" اللهم أنصر غزة، اللهم أنصر غزة"؟

فماذا تكتب إن استطعت أن تكتب! فالمأساة أكبر من أن تعبّر عنها بقصيدة أو قصة أو خاطرة..الخ، ولكن هناك في دفقات روحك... مشاعر وأحاسيس تدفعك لترسم نبضاتك على ورق لن يشفي غليله ما سطر بنانك.

ولأننا أمة خصها الله بالبيان والشعر... بحثت في طيات ما كُتب قبل وأثناء العدوان الذي لحق بغزتنا وعدت إليكم ببعض منه.

ليل الألم والمحن، ليل طويل ثقيل يكابد فيه الإنسان العذاب والمرارة، الآ يكفي أنه أسود قاتم! هكذا هي حال غزة أرض جريحة تبارح الألم، فالمدفعية والطائرات الحربية الصهيونية قطّعت أوصالها، فغدت كأنها أرض قاحلة لذلك نرى الشاعر معروف موسى" النحفاوي معروف" وهو يعطي صورة واضحة عما يجري بغزة، ولكنها صورة مشرقة للمقاومة التي تجسدت بالفجر الهاشمي الذي سيحرر غزة، فدم الزيتون في قصيدته ما هو إلا رمز للسلاح، وشعاع الخلاص الفلسطيني، الذي سيعيد تكوين الخريطة السياسية للمنطقة العربية، وهو لغة المقاومة المنتصرة في غزة.

يا غزّةَ أوّاهُ ما أطولَ الليلَ
وآهِ ما أثقلَ الحملَ
وما أعذبَ الفجرَ حين يعلنُها
يا دمَ الزيتونْ
أعد تكوين دمك
أعد للقمح سهله
أعِدْ للبحرِ رملَه
وانثرْ على كلِّ جنبٍ
ألفَ زنبقةٍ وفلَّه
وامسحْ دموعَ طفلٍ بكى العمرَ كلَّه
وارسمْ قلبَ سُندسةٍ
وثغراً نديّاً
وأودِعْهُ وجهَ طفلَه
واحنِ السّنا المختالَ حتّى كعبِها
وقَبِّلْ رأسَ أمِّيَ الثكلى
يا فجرَ غزّةَ الهاشميّ
ولا أغلى

أما الشاعر إيهاب بسيسو في ديوانه" يحدث في ساعة الرمل" وفي قصيدة "خبر عاجل" ينقل لنا بعينه مشهدا من مشاهد الموت اليومي في غزة، وهو صورة الطفل الذي تصطاده قناصة العدو الصهيوني وهو عائد من مدرسته بدون سبب ولا ذنب، تقتل أحلامه الصغيرة، وأمله بالغد..

فعندما تخطت قدماه باب مدرسته كان يفكر بما حضّرت له أمه من طعام،وبألعابه التي ودعها ليلة الأمس قبل نومه، وبواجباته المدرسية مثل أي طفل في العالم، وربما كان يحلم بغزة حرة دون حصار ولا مدفعية، إلا أن رصاص القناصة لم يدعه يكمل احلامه، فقطفته مع طيور الظهيرة ليصبح خبراً عاجلا يمر عبر شريط الأخبار الفضائية.

الخَبرُ في مُنتصَفِ النَّهار
الضُّوءُ يَمشِي على جَسَدِكَ كسُولاً
على بُعدِ كاميرا
المَكانُ خالٍ من عَصَافير الدُّوري
اسمُك أسفلَ الشَّاشةِ
شَريطٌ أرجُوانيٌّ لحِكايَة:
كان الطِّفلُ عَائِداً إلى البَيتِ
يَحمِلُ الوقتَ المَدرسِيَّ على كتِفيه
يُفكرُ في لهوِ المَسَاءْ...
الوقتُ أقصَر من شَهقةٍ قد تقولُ للصَّبي:
عُدْ إلى حيثُ اختبَأتْ العصَافير...
لا تَعبُرْ حِزمةَ الرَّصَاص
فخلفَ الحِجَارَةِ
خوذاتٌ تصطادُ المَارة...
لم يَسمَع
فَرَدَ جناحَيهِ
ومَضَى في لسعَةِ الظَّهيرَة...

إذا نقل لنا كلا الشاعرين مشاهد من يوميات الحياة في غزة ما قبل العدوان وخلاله، فالشاعر عبد الكريم الرواي، ينقل لنا مشهدا مخالفا لسابقيه، مشهد من يتمنى الشهادة في ساح القتال مع المجاهدين والمقاومين في غزة، هاهو يطلب الذهاب إلى غزة كي يستشهد في أرضها ويلف بعلم الجهاد، كما يتساءل الشاعر، هل القصائد التي سينظمها الشعراء ستوفي حق من رووا الأرض بدمهم وهم مكرمون من عند الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله.

خذني لغزة كي أطوف شهيـدا
لأنال من شرف الفداء خلـودا
خذني لغزة كي أروي أرضهـا
بدمي وأعزف بالرصاص نشيدا
خذني إليها كي أموت بساحها
ليلفني علـم الجهـاد وليـدا
ماذا سنكتب للشهيـد قصائـد
وهو الذى نسج الدماء قصيـدا
وهو الذى أرسى الدعائم صلدة
ليزيد من وطن الصمود صمودا
وبأي منزلة القلـوب نضمـه
ولكل قلب منه صـار وريـدا
ستظل تحضنه الضمائر هيبـة
فالحقّ تكبره الجبـاه سجـودا

ستبقى غزة صامدة صمود هذا الوطن- فإذا كانت القدس عاصمة الثقافة العربية للعام 2009 -فغزة عاصمة المقاومة الشعبية للعام 2009، ستبقى صامدة بشبابها وشيبها، برجالها ونسائها، وبأطفالها الذين قال فيهم نزار قباني عام1988، أي قبل واحد وعشرين عاما،" يا تلاميذ غزة" ولكن الحال ما يزال كما هو، وما تزال غزة في حصار، وأطفالها يسطرون معالم التضحية زوداً عن الوطن العربي كله.

يا تلاميذ غزة
علمونا بعض ما عندكم, فإنا نسينا
علمونا بأن نكون رجالا، فلدينا الرجال، صاروا عجينا.
علمونا كيف الحجارة تغدو، بين أيدى الاطفال، ماسا ثمينا..
كيف تغدو دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب،إذا ما حاصروها، تحولت سكينا
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا بإذاعاتنا ولا تسمعونا
اضربوا، اضربوا بكل قواكم، واحزموا أمركم ولا تسألونا,
نحن اهل الحساب، والجمع والطرح،
فخوضوا حروبكم، واتركونا.
هذه ثورة الدفاتر والحبر
فكونوا على الشفاة، لحونا
أمطرونا بطولة، وشموخا
واغسلونا من قبحنا، اغسلونا
واستعدوا، لتقطفوا الزيتونا
ان هذا العصر اليهودى
وهمٌ
سوف ينهار, لو ملكنا, اليقينا.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى