الاثنين ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٦
بقلم مهند النابلسي

عدو الامة

في الفيلم الأمريكي اللافت "عدو الامة" يقوم مدير وكالة سرية استخبارية غامضة(ربما الاف بي آي) بقتل المدعي العام لأنه وضع ضوابط للتجسس على الحياة الخاصة للأفراد والمؤسسات...الفيلم يشير بصراحة لفاشية بعض الأجهزة الأمريكية التي تفعل ما تريد لحماية الدولة...فمدير الوكالة الغامضة مغرم ومهووس بأحدث تقنيات التجسس بدءا من اجهزة التنصت الصغيرة التي يمكن زراعتها في القلم والتلفون والحذاء والبدلة، والتي تنقل حركاتك وسكناتك بواسطة تقنية استقبال الأقمار الصناعية، حيث يمكن تحديد مكان الشخص المطلوب بدقة متناهية، اضافة لأنظمة التجسس على الهواتف العادية والحكومية والانترنت.

"بقدر ما تتطور وسائل اتصالك واستخدامك لهذه الأجهزة المتطورة بقدر ما يستطيعون التجسس عليك والاحاطة بكافة تفاصيل حياتك"! هكذا يقول خبير الوكالة المنبوذ لبطل الفيلم في النهايه، وبالرغم من النقد الموجه لقصة الشريط باعتبارها "سياسة في قالب بوليسي"، فالشخص البرىء الملاحق هنا، هو محام عادي ترى فيه الدولة "عدوها الرئيسي"، فنراه ملاحقا باستمرار من قبل جهاز "أخطبوطي" غامض يستخدم امكانات حكومية هائلة، وحيث يتم في النهاية تدمير حياته الشخصية والعملية عندما يتورط مصادفة مع مصور طيور يعرفه معرفة سطحية، حيث نرى هذا المصور المسكين وهو يهرب لأنه تورط بالتقاط شريط يحتوي على عملية اغتيال في بداية الفيلم. تقوم هذه الوكالة الجبارة الغامضة باستخدام كل من أجهزة الكمبيوتر ومراكز الاتصالات والتسجيل والأقمار الصناعية...تقوم بملاحقة هذا المحامي والتجسس على أدق تفاصيل حياته، بعد ان زرعت اجهزة ألكترونية صغيرة في كافة مقتنياته الشخصية...هذا عداك عن تحريك طائرات الهيليوكوبتر لملاحقة الهدف وقنصه وهو فوق عمارة شاهقة!

هذا الفيلم لا يخلو من الكوميديا والمفارقات المضحكة: فعندما يتخلص المحامي من بدلته ويرميها من فوق العمارة، يحتار المحلل في فهم حقيقة ما حدث، فكيف ينتحر البطل وهناك بطاقة ما زالت ترسل اشارات تدل على انه حي؟! ثم كيف يستطيع شخص كهذا أن يتخلص ببراعة من الملاحقة وما زال يستخدم بطاقة الائتمان وتلفونه الخاص أو أي تلفون عام؟
الفيلم يرسل لنا رسالة واضحة عندما يتعاون المحامي مع عميل مخابرات مطرود(سبق ولعب دورا تجسسيا هاما في افغانستان)، حيث يقوم هذا الأخير باستخدام كافة مهاراته في زرع أجهزة التنصت المتطورة في منزل رئيس الوكالة ذاته، كما في غرفة الاوتيل الخاصة بنائبه لتسجيل غرامياته، وكأنه يقول أن سلاح "الرصد والتجسس" ذو حدين، فهو كالمارد الذي لا يمكن لأحد أن يسيطر عليه اذا ما خرج من القمقم...هكذا يأتي خلاص المحامي المسكين عن طريق أحد الأبناء "العاقين-المحبطين" للوكالة العنكبوتية ذاتها.

أما المفارقة الأخيرة في هذا الفيلم فهي ذات مغزى كبير، حيث يقوم المحامي الذكي بالايقاع ما بين المافيا والوكالة السرية، فيقوم الطرفان بتصفية بعضهما البعض كنتيجة لسوء الفهم والتضليل الذي زرعه المحامي بينهما، وهكذا ينتهي الفيلم كالعادة باسلوب بوليسي سعيد ومعبر...أحداث الشريط (بالرغم من قدمه النسبي) مرتبطة تماما بما يحدث الآن بعالمنا "الهائج المائج": فمدير الوكالة يحذر النائب العام قبل اغتياله بأن امريكا دولة "غنية وحرة"، لذا فهي مكروهة ومحسودة (هكذا ببساطة) لذا فعلى الوكالة أن تعزز من كافة وسائل الرقابة والرصد والتجسس على أدق تفاصيل الحياة الشخصية، ثم يقول العميل السابق للوكالة في نهاية الفيلم محذرا"بأن هناك مائة قمر صناعي داخل امريكا تراقب السكان"، أما زوجة المحامي فتطرح رؤيا كوميدية للتجسس والرقابة السرية، عندما تظهر المجتمع بصورة مجموعات موتورة (تعاني من فوبيا الملاحقة) لا تكف عن مراقبة وملاحقة بعضها البعض بشكل هستيري دائم!

ان اللافت في هذا الفيلم هو احتدام الصراع ما بين قادة المافيا وقادة الوكالة وتصفيتهم لبعضهم البعض، فهل يريد مخرج الفيلم "جون سكوت" أن يخبرنا بطريقة استعراضية بأن كلا الجهازين شريرين للغاية، وبأنه من الأفضل ربما أن يقوما بتصفية بعضهما البعض لكي ينتهي الشر من هذا العالم!

صحيح ان فيلم "عدو الامة" لا يرقى لمستوى فيلم "المحادثة" الشهير الذي أخرجه كوبولا في سبعينات القرن الماضي، الذي يعتبر فيلما سياسيا من الطراز الأول، بعيدا عن الفذلكات البوليسية، ولكنه نجح بمتابعة مصير وهواجس "جين هاكمان" بطل الفيلمين، وبدا هذا الشريط وكأنه تكملة لفيلم المحادثة، من حيث التركيز المدهش على "ثيمة الملاحقة"والمصير البائس لمجتمع "المعلومات".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى