الثلاثاء ٧ حزيران (يونيو) ٢٠١١
بقلم صبري هاشم

على البحرِ أفتحُ نافذةً

أنا وحدي
 
مِن وراء الأفقِ تعالَي
مِن عمقِ أحراشٍ لم تُكتشف بعد
ثم إليَّ الساعةَ تسللي
فأنا منتظرٌ في شرفةٍ تطلُّ على البحرِ
الليلُ ساكنٌ
والموجُ مِن أمامي هادئٌ جدّاً
القمرُ أرسلَ منذُ حين تحيةَ الوداع
ومازال في الأفقِ شيءٌ منه
أنا في فندقِ الأرمادا وحدي
أضعُ أمامي شمعةً وحيدةً
مِن حوليَ
نامَ الاسكندنافيون عميقاً
وفي الجهةِ المقابلةِ ثمِلَ الألمانُ
وأنا وحدي
أتحرّقُ شوقاً وأُبَرّدُ كأساً تتهوّرُ على المائدةِ
الساعةَ تعالَي
انطفأ ما تبقّى مِن ضوءِ القمرِ فتسللي
اُسْكِري مني الرّوحَ وأعلني عاصفةً
ثم ارقصي وكالريحِ هُبّي وتطاولي
كالأفعى تجددي
فأنا وحدي
ثمة ثغرٌ يتشهّى مِن المراشفِ رشفةً
وثمة ساهرٌ يتشوّقُ لسِحْرِ العبيرِ و يبتغي
ولكي يسكرَ لعله نشقةً يرتجي
الساعةَ تسللي
أنا وحدي
شهقَ الليلُ ندى وردٍ
نزفَ في الكؤوسِ نبيذَ وجدِهِ
وأنتِ
كراقصةِ الميناءِ اعصفي
واشْهِدي علينا طيورَ السفرِ
ربما مع الفجرِ تسللت
فتسللي
أنا وحدي
 
أجمل اللصوص
 
طائرٌ فردوسيٌّ حطَّ على زهرِ رُمّانِها
ارتشفَ مِنِ الرَّحيقِ مرّةً
وأَدْمَنَ الطريقَ
يا هذا الطائرُ
للزهرِ أهلٌ يَجْنُونَ الرحيقَ
وللرحيقِ أفواهٌ تنتظرُ
أيُّها الطائرُ
ثمة أزهارٌ تتفتحُ بين ثنايا الطريقِ
وينبوعُ ماءٍ يهلُّ مِن بريق
أيها الطائرُ فاعلمْ
أنَّ في الواحةِ حارساً يسهرُ
 
العرّافون
 
1 ـ
 
مِن قرارِكَ ينبوعٌ ما تدفّق
و على ضفافِكَ وردٌ ما تفتّق
أيّها العجيبُ
أنتَ العجيبُ فكيف منكَ ينشأُ العجبُ ؟
 
2 ـ
 
أيُّها الغريبُ
ومِن حبابٍ طائشةٍ رشَّها في سكرتِهِ بحرٌ
استوت على البيداءِ نهراً كوثرا
 
3 ـ
 
أيُّها الذي ما وصفتُهُ ولا
إلى قامتِهِ ارتقتْ صفاتٌ
ماذا أفعلُ بنهدين اغتصبا في حانةٍ وحشتي
وأَبلغا الطيرَ في تحليقهِ عن شهقتي ؟
أيها الذي استبدَّ بغيابي وغربتي
ماذا أفعلُ بثغرٍ إذا ما ارتشفْتُ رضابَهُ
أججَ شهوتي ؟
ماذا أفعلُ بنهدٍ يغطُّ
ويفزعُ كمذعورٍ طاردَهُ ليثُ ؟
 
4 ـ
 
يا هذا الذي أنزلني
منازلَ الجمالِ وما أسكنني
لِمَ ألقيتَ بي مِن شاهقٍ ؟
 
5 ـ
 
ليس يُغضِبُكَ جُرحي
إنْ أنتَ مِن خجلٍ أسكنتَ في عُشِّهِ طائراً
صرتَ الوفيَّ
وأيّ وفاءٍ تبذلُهُ باتَ خجولاً
لا تُنْفَق الوقتَ في غيرِ سبيلِهِ
ولا تسكبِ الدمعَ مِن مقلٍ ما تلألأت يوماً
ولا انكسرتْ على صاحبٍ حزناً
 
6 ـ
 
ليس يُغْضِبُكِ جُرحي
صِفِي إذاً كالعرّافةِ جسدي
صفي بكلِّ ما اختزنتْ ذاكرتُك مِن ذكرى
وما ملكتِ مِن فراسةٍ
صِفِي ليس يغضِبُكِ جُرحي
 
حبيب
 
اليومَ مات حبيبُ الخوري
وا أسفاه
باشقٌ خرَّ صريعاً مِن عَلِ
والسماءُ ظلّتْ منذُ الضحى واجمةً
هذا النهارَ
رفعتِ الشمسُ
إلى رأسِ الكنائس صلاتَها
هذا النهارَ
وا أسفاه
ترجّلَ عن فرسِهِ فارسٌ
 
مثلث سراقينيا
 
لا أرض رَأيْنا ولا سماء
لم نَرَ سوى ماء
ودوابٍ تجوسُ أحراشاً استعذبتْ في الأعماقِ طيناً
وخاصمتْ هواء
لا أرض رَأيْنا نحن الذين لم نرَ سوى
أفراسٍ تطوفُ في خواء
وفراغٍ يستجلبُ شيئاً مِن فراغ
وحيثُ لا آدم أغوتْهُ جنةٌ فحطَّ ها هنا رحالَهُ
ولا شجرة بها ظلَّ ـ كما قيل ـ يستظلُّ
وحيث لا إبراهيم أَصْحَرَ مِن هنا
ولا نوح ابْتَنى في غفلتِنا السفينةَ
هل جاءكُم ذاتَ قيلولةٍ طوفانُ ؟
لا طوفان جاء ولا حمامة عادتْ بالخبرِ اليقين
لا أرض في الرّؤيا رأيْنا ولا سحرتْنا العمارةُ
بشراً وجدْنا اسْتَمْرَؤوا القولَ زوراً
وشذّوا في الخيالِ
بهم شطحَ الخيالُ
وبنا طويلاً مكثَ الخيال
لا أرض سَقَيْنا ولا سَقَتْنا سَّماء
لم نرَ ، مِن غيرِ نورٍ ، سوى الهباء
مُثلّث خرابٍ
زفرةُ ربٍّ خبيثٍ
نَفَثَها ذاتَ غيبةٍ مِن رئةِ سكرانٍ
فكانتْ سطراً في الأساطير
وكانت خبيثةً
هنا أَقْنانُ سارةٍ
خُدّامُها
حاشيتُها
وبعضٌ مِن جواريها الجميلاتِ
الغانياتُ ها هنا وراقصاتُ القصرِ
وهنا الغلمانُ والقيّانُ
ومِن حجرٍ في القصرِ عيونٌ تفجّرتْ
فصارت للغريبِ منهلاً
لا ماء و لا ماء ولا ماء
ثمة يدٌ في متاهةِ العصورِ تُوغلُ
في مجاهلِ القصورِ تدورُ
ثمة يدُ السارقِ
الذي صار في النورِ عن نفسِهِ يعلنُ
لا تواريخ نتبعُها ولا أزمان نتصيّدُها
فَنَحْرَث الأعماقَ وفي غاباتِها نحتطب
لم نرَ مِن غابِها شجراً
وسدرةٌ ها هنا ما نبتتْ
لا ساحل رملٍ ولا كُثبان منها نهيلُ
وصحراؤنا لم تأتِ بعد
أو لعلها لم تأخذ الخبرَ
أو هيَ بنفسِها نأت
والطيرُ مِن هنا
عشتارُ بها غدرتْ ومِن ليلِها غادرت
عشتارُ شجرةٌ خبيثةٌ
ضيّعت مزمارَها في عالمٍ سفليٍّ
وببضعِها فَجَرَتْ ثم كذبتْ
ثم كذبتْ
لا نور مِن هنا يأتي وهُم في العتمةِ موغلون
بطونٌ تخرجُ مِن بطون
أرحامٌ تنتجُ أرحاماً وفي الليلِ شجون
وفي الليلِ شؤون
وأحقادٌ تورثُ أحقاداً
في الليلِ غاباتٌ لم نرَ منها شجراً
لا ماء في هذا الخلاء
عارفون علّموا البشرَ سرّاً مِن أسرارِ الدُّنيا وغاروا في النِّسيانِ .. لاعبون رموا نردَهُم للمرّةِ الأخيرةِ وغابوا .. علّموا حرفاً وغابوا .
أولَ الغزاةِ كانوا
مِن أجلِ مضغةٍ تشبّثَ بها العشبُ
أولَ المفجوعين كانوا
هنا تناسلوا وترنّحوا وأفِلَ نجمُهُم
غجرٌ .. عجمٌ .. عيلاميون .. تتارٌ .. مقدونيون .. عربٌ .. اسبارطيون .. طرواديون .. قوقازيون .. كنعانيون .. آكاديون .. آشوريون .
سلالاتٌ ما علّمها الأجدادُ أصلاً فانقرضت
صنائعيون أخفوا خلفَ قيثارةِ النّواحِ وجهاً ودحْرَجُوا كقرصِ الرّحى عجلةَ الوهم .
هل جاؤوا مِن أعلى أكتافِ اللوثةِ ؟
ذاك هو الشهيقُ اللعينُ
سراقينيا
سراقينيا حطبٌ للبردِ القارسِ
حيثُ لا تُضرمُ نارٌ في برّيةٍ
وحيثُ ما تعلّمَ فيها المُقبلُ أسرارَ حضارةٍ
سراقينيا
امتدادٌ لحيرةِ ماء حين يكون الماءُ علقماً
وحين حول ضفافِهِ غاباتُ زقومٍ تنتشرُ
لم نرَها إنما في كوابيسنا كنّا قد رأيناها
سراقينيا
لا أرضَ ولا ماء
في غاباتِنا التي في أرضِ السّوادِ ترفدُنا
منذُ الأزلِ ترفِدُنا
منذُ ما قبل الأزلِ يعمُّ السوادُ
منذُ عصورِ ما قبل السلالاتِ
وما قبل الملذّاتِ
يعمُّ بلادَ السوادِ سوادُ
يذهبُ بنا جنوباً حيثُ يُبشِّرُ بالسوادِ
يرحلُ شمالاً فينشرُ السوادَ
سراقينيا
أكفٌّ للفجيعةِ
في كلِّ صوبٍ تزرعُ بذرةً خبيثةً
تنشرُ خصلةً مِن خصالِها
سراقينيا
أرضُ سوءٍ
ماءُ مرارةٍ
وسماءُ غادرتْها الأطيارُ
سراقينيا
مِن خلاصِكِ خلاصُنا
سراقينيا
لعنةٌ في غورِ بلادٍ لم يُكرمْها خالقٌ
ولا في أوصالِها دبّتْ حياةٌ
سراقينيا
أُجهِضتْ أرحامُكِ
سراقينيا بذرةٌ للخبثِ
ستُمحى ذاتَ يومٍ
 
نسيان العمر
 
إنْ أنتَ نسيتَ العمرَ حبيبي
فبأيِّ الأعوامِ تصولُ
وبأيِّ الأجسادِ تُباهي فتيانَ الحيِّ
وبأيِّ الصحبِ تدقُّ أبوابَ
الزمنِ القادمِ ؟
 
ميلونا
 
سنةٌ تمرُّ
ميلونا
وما بطلَ اشتهاء
ولوعتي كالسيلِ تتدفقُ
ميلونا
في أيِّ المتاهاتِ أنتِ ؟
وفي أيِّ الملاذاتِ غبتِ ؟
وأين ثانيةً أجدكِ ؟
سألَني عنكِ الطريقُ وما أجبتُ
فأجابَ :
برحيلِها انطفأَ الضياء
وذاتَ مصادفةٍ بإشراقةٍ أشعلتِ جسدَ السُّوقِ
ومِن ضحكةٍ مُجلْجِلةٍ أطلقتِها مِن كلِّ حدبٍ تناده القومُ ومِن كلِّ صوب .
ميلونا فوق ظهرِ الليلِ دعوتُكِ فابْحري
وعن طيبِ جمَالِ الزّهرِ اخبريني
تقطفين ، تشمّين ، وتصهلين :
هي حمراءُ كطائرٍ شهيدٍ
فخذْها
هي بيضاءُ زُفّتْ عروساً للجليدِ
فخذْها
وميلونا ليس لشفتيها مِن اللذّةِ ساحلٌ
ولا ضفّة لقيتُ فأحطّ
ليس لعينيها سوى قمرٍ أزرق ثملَ قبلَ الأوان
وراح يسبحُ في الضباب
خُذي بعضَ ما اشتعلَ في السوقِ
فأنا ليس لديّ ما أوقدُ به الذّاكرةَ
أقصدُ مِن حطبِ الطريقِ فأعيريني بعضاً منه
هل أنتِ مِن شجرِ الزانِ فتمايلتِ عذوبةً ؟
هل سُكِبتِ مِن مزيجِ أنبذةٍ فردوسيةٍ ؟
هل نحو صدرِك أبْحَرتْ طيبةُ الأكوان ؟
هل ؟
ما أنتِ وكيف أتيتِ وكيفَ بزغتِ وكيف انطفأتِ وكيف وكيف ؟
مرّةً التقيْنا وعن اختيارِها سألتني :
كيف كانت زهراتُ الطيبِ ؟
قلتُ هي مثلك
لا أدري أهي روميةُ المأتى أم مِن إيثاكا أم هي مِن جزرٍ في بحرٍ لم تعرفْهُ خارطةُ الأكوانِ بعد ؟
هي مثلُكِ حيثُ لا امرأة قبلك أوقدتْ كلَّ ما في جسدي.
ما زلتُ أتشوّقُ
مازلتُ طرِباً
وفي فمي طعمٌ لا يبرحُ اللسانَ
وبين شفتيّ للرغبةِ لوعةٌ وصيحةُ ندى .
يا ميلونا التي أحرقتني
يا ميلونا هل مِن رجاء ؟
***
في السوقٍ التقيتُها . كنتُ أبحثُ عن بطيخةٍ حمراء .
رأيتُها مثلي تُقلِّبُ البضاعةَ وتنتقي الأشياء .
رجوتُها " مُغازلاً " :
على طريقتِكِ اختاري ليَ الأصلحَ منها .
بأصابعِها فوقَ ظهرِ واحدةٍ نقرتْ .
قالت : خُذْها وبها تسلّ .
لا أدري مَن هي لكنني لم أرَها غيرَ مرّةٍ أخرى .
ليستْ كالبشرِ الذين نحو السوقِ يأتون .
لا أدري مِن أين !
لكنني أظنُّ ، كلّما مرَّ يومٌ ولم تأتِ ، أنّها مِن كوكبِ الزهرةِ لأنَّها أجمل مِن كلِّ أزهارِ الأرضِ .
***
وأظلُّ باسمِها ثانيةً ألهجُ :
ميلونا وما بطلَ الرّجاءُ
في كلِّ زاويةٍ عنك أبحثُ
في كلِّ دربٍ
وفي كلِّ زقاق
ميلونا وفي صدري قد هاجَ اشتياق
أين أنتِ يا امرأةَ الفرحِ أين ؟
أ بكِ غدرَ رحيلٌ أم بكِ انخسف الطَّريق ؟
ميلونا وقد انسدتْ بوجهي أبوابُ المدينةِ
طردتني المحطّاتُ
تجاوزتني القطاراتُ
وعني ارتفعتْ سماءُ الصيفِ فانكشفَ ضعفي
ميلونا وما بطلَ الرجاءُ
ميلونا أين أنتِ ؟
ميلونا
ميلونا
ميلونا
***
وأنا باتجاهِ البحرِ أهمُّ
عانقتني ميلونا وقالت :
مِن الرَّملِ خُذْ لصحنِ اللقاء قبضةً نديةً
ومِن أجلِه اقطفْ وردةَ الأزلِ
وأنا أخطو باتجاه الموجِ ميلونا
لم أرَ ما رأيتِ
فالرملُ ما في روحِهِ مِن ندىً قد جفَّ
وليس في الدربِ وردُ الأزل
لكنني ميلونا
أخذتُ شيئاً مِن جنوني
وبه مِن أجلِك صرتُ أحيا
ميلونا يا دفءَ الحواضرِ
يا أنتِ
أين أنتِ ؟
 
لا صيف في ميدان
 
مِن كلِّ مكانٍ يأتي الغرباءُ
هنا إلى الميدانِ
وفي الميدانِ تُباعُ البضاعةُ البائرةُ
واللحمُ الفاسدُ
في الميدانِ هنا في هانا زوبك
يسترخيَ البعضُ بعد طوافٍ في الأسواقِ طويلٍ
كما يسترخي ـ فوقَ الحجرِ الدائريّ المقطوعِ بعنايةٍ ـ المعطوبُ والمرأةُ الولودُ ومَن صعدت إلى رأسِهِ الخمرةُ .
هنا في ساحةِ هانا زوبك التي طالما بالوجوهِ الغريبةِ احتفتْ تطيرُ النشوةُ بعيداً عنّا كلّما تقدّمت البضاعةُ والأجناسُ وأطفالُ العرباتِ .
هنا تتوالدُ النساءُ مثلَ كائناتٍ غريبةٍ
في كلِّ صباحٍ تتوالدُ النساءُ
هنا إلى هانا زوبك التي لم تعُد ساحةً
تأتي أجناسُ الظلِّ
ومَن لوّحتْها الشمسُ
وتأتي الأشياءُ تنتظرُ شمساً لا تأتي
ننتظرُ ومعنا تنتظرُ
لكن الشمسَ كالعادةِ لا تأتي إلاّ لماماً
تأتي الفصولُ ولا يأتي الصيفُ
نتساءلُ كما تسألُ الأجناسُ عن مأتىً للصيفِ
ولا يأتي جوابٌ
فالإجابةُ معروفةٌ للقاصي والداني :
إلى هنا لا يأتي الصيفُ
 
لحظةُ بدويٍّ
 
هي لحظةٌ مِن يدي فرَّتْ
لم أحفلْ بوجودِها
ما اغتصبتُها
اغتاظتْ رشقتْ وجهيَ وتركتْ المكانَ
ثمة لحظةٌ ما عرفتْني كما أنا
فأطلقتْ لقوادمِها العنانَ
تلك لحظةٌ ثانيةً لن تمرَّ
ولن تمرَّ بعد فوقَ خيامِنا المسافرةِ
فيا بوادينا الآمنات إنْ مرّت مِن هنا لحظةٌ تائهة
إليَّ أُرشديْها أنا البدويُّ الهائمُ في بريّة
 
سحر العتاب
 
لو صمتت كلُّ الدِّيارِ بأهلِها
لنطقَ بوجهِنا الحجرُ الكريمُ
أهلنا وإنْ جاروا
فنحن وصلْنا الرّحمَ ونحن الجوارُ
تُرى باسمِنا هل نطقَ الحجرُ
وهل تذكّرَ جارُ ؟
 
الإنتظار الأبدي
 
تأتي أو لا تأتي
لا أدري
هي لم تقل شيئاً مِن هذا
لم تَعدني
هي بعيدةٌ وقد تأتي الآن
أو ربّما لن تأتيَ أبداً
لكنني إليها أتوقُ الآن
وبعد ألفِ آنٍ
أنا سأظلُّ منتظراً
هنا في صدرِ الساحةِ
أنا هنا منتظرٌ
حتى لو رحلتْ بأهلِها الساحةُ
أنا هنا
منذ الآن حتى بعد ألفِ آن
***
كلُّ الذين وعدوني أخلفوا الميعادَ إلاّ هي
مازالت عَبْرَ الهاتفِ تؤملُني
وتقول : أنا في الطريقِ إليكَ فانتظرْني
كُلّ الذين وَعَدوني اعتذروا
إلاّ هي ظلّت تقولُ :
أنا في الطريقِ فلا تبرح المكانَ
كُلُّ الذين وَعَدوني مِن حوليَ انْفَضّوا
إلاّ هي مازالت بيديها تُسوِّرُني
إلاّ هي
إلاّ هي
إلاّ هي
أنا منتظرٌ هنا منذ الآن
حتى بعد ألفِ آن
 
تَوْق
 
تاجٌ لهذا النهارِ
بياقوتِ الحنينِ مرصعٌ
شمسٌ لضفافِ القلبِ
كيما يستريح فوقها سحرُ الكلامِ
وظلُّ سربٍ مِن قطا لمُتْعَبٍ
أضنتْهُ الأسفارُ
تاجٌ لحَيْرَةِ الضحى
حين يتأرجحُ ما بين إلتماعِ الكَلاكلِ
لجبينِ امرأةٍ تتوسلُني
ألاّ أُريقَ المراشفَ على هامشِ الوقتِ
تاجٌ لنائحةٍ ستأتي قبلَ انحناءِ هامِ الشجرِ
تاجٌ لها وهي تطوي الرّيحَ
وتلتهمُ المسافة
تاجٌ لزهرِ الوجدِ أينعَ في حوضِ المنافي
تاجٌ لكِ
تاجٌ له
تاجٌ لنا
تاجٌ للذي يأتي
 
حَيْرَة الآلهة
 
نبتون بما لديكَ مازلتَ مفتوناً
تتربّصُ بضعفِ الأربابِ ومِن خمائلِ الرّيحِ
تصطادُ للعشاقِ فراشَ فتنةٍ
نبتون مِن دونِ الآلهةِ أيَّ شموخٍ مُنحتَ ؟
ألقٌ بين يديكَ
فالقِ فالتَكَ في اليمِّ وتصدّرْ أعراسَ السّفينة
نحن بحّارة الصدى
كنّا نصطادُ الضوءَ
ولم نطوِ فرحَ الشّراعِ
وإلى الأعماقِ لم نلقِ مراسينا
نحن قوادم الأسفارِ ومُزحة الرّيحِ بوجهِ المُسافرِ
وأنتَ جسدٌ في قوقعةِ الأكوانِ
مِن حولِكَ كتائبُ النسوةِ اللاتي
تشتاقُ عُريَهُنَّ الدروعُ
وكائناتٌ تُسوِّرُكَ
عافَها الصّيدُ ومنها ذاهلاً تراجعَ الصّيّادُ
نبتون نحن قراصنة المراكب ما أتيناكَ زوّاراً
ولا جئناكَ لهذا المساء الرّخصِ ندمانَ
فالقِ حربتَكَ السّكرى
وامتشقْ دفّةَ السفينةِ
نبتون إلى جوارِكَ
عريتْ نهودٌ فاجعلْ
وليمةً لنا مِن شبقِ موجةٍ
وشهوةً لما بعد الكأسِ
دعْنا مِن أَنْبِذَةِ الحُلماتِ نرتشف
طوبى لهذا المساءِ الجميل
في حضرةِ ربٍّ جليل
وتبّاً للزّمانِ الرّديءِ
الذي أجهزَ على عزّةِ الجسدِ
تبّاً لهذا الزّمان
تبّاً للجسدِ العليل
**
نبتون مازلتَ فتياً
يحرسُكَ الموجُ ورقصةُ حوريةٍ خذلَها الأزلُ
هالةٌ مهيبةٌ مِن حولِكَ
كأنكَ رجلٌ لكلِّ النساءِ
نبتون يا سيّدَ الماء
بك عصفَ البحرُ
وليتَهُ لم يفعلْ
فبنا مِن بعدِكَ تاهتْ سّفينة
نحن بحّارتكَ الأوفياء
رجالُكَ الخاسرون
خدّامكَ الأفذاذ نحن
وتلك ندلٌ لن يهدأَ لهنَّ قرارُ
كالفراشِ يدرْنَ ويطعِمْنَ الليلَ رائحةَ الحرثِ
فاحرثْ أرضاً في قاعِ بحرِكَ الأجّاجِ
وطينٌ هو جسدُ السفينةِ
نبتون
وأنتَ جسدٌ بجسدِ الشمسِ يحلُمُ
ظلٌّ بظلالِ القمرِ يطوفُ
وأشواقُ الرّيحِ إنْ هبّت بكَ ما عصفتْ
وبها مِن حولِكَ عصفَ الخلقُ
نبتون أُغنيّةُ الحسناواتِ في بهاءِ النّهارِ
في غلمةِ الصّيفِ
مِنك يُحاذرُ موجٌ
وأمام هيبتِكَ تترنّحُ أساطيلُ الزّمانِ
نبتون
أُسألُكَ عن بحّارةٍ أعرابٍ مِن هنا عَبَروا
مِن هنا مرّوا
هل رأيتَ ؟
في أوّلِ الدّهرِ قطفوا لؤلؤاً ازدهرَ فوقَ الترائبِ
نبتون
اخطفْ ، مِن على ظهرِ ثورٍ للإلهِ زيوس ،
ابنةَ كنعان
وابتنِ بها ليلةً
ثم ابتنِ بها عاماً
ثم ابتنِ بها قرناً
ثم ارتحلْ
فنحن في الظلمةِ احترثْنا جسداً مُزغّباً
وفوق جسدِ أوربا
وشماً وجدْنا كخارطةٍ تائهةٍ في ليل
نبتون
نادمْنا الليلةَ فنحن بلا نساء أو ندمان
ومنّا لم تدن السّفينة

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى