الاثنين ٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢
بقلم إيناس المغربي

عواء يدمي القلوب

كم كان قاسيا على قلبي و مؤلما لروحي ومدكاً لضلوعي حينما رأيت كلبة يعلو عواؤها ويزداد نباحها وتمزقت أحشاؤها إثر فقد صغيرها الوحيد الذي هو بقية روحها، ساعة دهمته سيارة مارقة تشق الطريق ساقها غرُ شيطاني في صورة أدمي ليقتله قتلة شوهاء، مستهينا بتصرفه الغاشم وسلوكه الباغي، تجاه هذا الحيوان الأعجم، ظانا أنه لا فهم له ولا إدراك ولا تترجم له حروف ولا تسقط منه عبرات، فهو المعقود لسانه عن النطق، والمقيد فكره عن سرعة التصرف إزاء صغيره إذا ما فاجأه خطر وأحدق به !!

و على الرغم من أن الكلاب أكثر الحيوانات يقظة عند وقوع الخطر إلا إن عجزه عن النطق بحروف مفهومة هي وسيلة استغاثته السريعة من كل خطر مفاجئ، فذاك يعرضهم للهلاك والموت ..!!

اعتقدَ هذا الوضيع المارق الذي سوغت له أخلاقه السيئة أن يفرح بسيارته مستهترا غير جاد ولا متزن، وأن هذه الحيوانات بلا حسٌ ومشاعر .. وبلا قلب وروح .. يفرح ويسعد ويجن ويتألم، ولست لها من مشاعر الأمومة ما يبكيها ويحرق كبدها كبني الإنسان، ففعل فعلته الشنعاء، و نظر إليها نظرة مستخف سفيه وأشاح بوجه ثم طار بسيارته قاطعا الطريق كالريح المرسلة دون أدني إنسانية وبلا أقل رحمة ،تركها منتحبة باكية محترقة الوجدان ناعية، تنظر لصغيرها الذي هُشمت رأسه ومزقت أحشاؤه، وهي المفجوعة فيه والمقهورة عليه، تتملس حركته وتفتح عينيه، و عواؤه العطوف المتدلل و هرولته السريعة إليها كي تحتضنه وتضمه إلى ثديها الذي تضخم من لبنه المكدس كي يُشبع نهم جوعه ويروي ظمأ عطشه، ويأوي إلى حضنها الذي هو مصدر أمانه ومهجع سلامه معبرا بهز ذيله شكرا وامتنانا، فتقر عينها بسعادته ولعبه وقفزه هنا وهناك .. !!
لكن ليس ثمة مناص ممكن، فقد زأم صغيرها وفارقها الحياة إلى الأبد .. !!

وهيهات هيهات أن تصدق الأم الثكلى المكلومة ذلك، ظلت تُقلبه يمنة ويسرة، وترفعه بين أسنانها بحنان بالغ، وعيناها تنظران حوله مستجيرة بأحد يجيرها من هذا العذاب المضني الذي لا طاقة لها به، وأخذت تناديه وتستحثه أن هلمَّ إليَّ يا جروي الصغير، فأمك لا تستطيع برحك والأبتعاد عنك، فالموت أهون وأرحم من غيابك عن ناظري ..!!
ظلت هكذا حتى حط أديم الليل عليهما وهي تتحسه تارة وتشتمه تارة أخرى بلا جدوى ولا فائدة إلى أن أتى الصباح المظلم نوره عليهما .. !!

فما إن رأتني قادمة من بعيد حتى هرولت إليً مسرعة تشكوني حزنها وألمها فأنا الودودة إليها الرحيمة بها، وهي رفيقة طريقي وجليسة بابي وحارسة داري .. اقتربت مني، وأخذت تتمسح بي ورمت برأسها بين كفتي وقد اعياها الهم، وأخذت تنظر إليً بعينيها الزائغتين، تحدثني برموز العجماوات ودموع الثكالى تُشير إلى موضع صغيرها لتُرني ما حل به وما حل بها، ثم تعاود الدوران حوله وتحركه برجليها عله يفيق، فيزداد يقينها بموته فيعلو عويلها بأنين تقشعر له الأبدان وترتعد له الفرائص وكأنها في مرجل يغلي فوق ناره.

ومن أجل أن أرحمها وددت عند غفلتها لدقائق عنه، أن أرمس صغيرها تحت التراب وأواريه بالحصى و بعض الخرق الملقاة حتى تنساه وتهدأ ،لكن ما أن تفيق من غفلتها إلا وتهرع إليه كالذي مسه الشيطان بنصب وعذاب، ثم تنظر إليَّ مستنكفة فعلتي تجاه صغيرها فلم تهدأ إلا بعد أن كشف التراب وأزالته عنه ،
لكن عبثا تحاول .. عبثا تحاول .. !!
أخذت أواسيها وأمسح على رأسها وأضمها بحنان، ودعوت لها الحنان المنان أن يلهمها السلوان و سرعة النسيان !!
لك الله أيتها الأم المكلومة .. !!
لك الله أيتها الأم المفجوعة .. !!
ولِمن لم يتق الله في كل ما خلق الله وبخاصة العجماوات نار وقودها الناس والحجارة ..!!
فيا من لا تدرك الرحمة، خذ من حبيبك المصطفى "صلى الله عليه وسلم" قدوة وإماما لقوله :

4- وعن عائشة : أَن النبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ رواه مسلم.
4/635- وعنها: أَنَّ النبيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ رواه مسلم ..
صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى