الخميس ٢٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
ما ناب عن الصمت لإيمان أبو عاصي

عوالم كثيفة تجمع بين الخاص والعام

تقدم إيمان أبو عاصي في مجموعتها "ما ناب عن الصمت" مجموعة من المقطوعات والقصائد التي تتجاوز وجدانياتها الخاصة، لتجسد رؤى وتجارب إنسانية عامة.

وجاءت المجموعة الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 92 صفحة من القطع المتوسط، واستهلتها بإهداء عبَّر عن طابعها الإنساني العام، قائلة: "إلى كل إنسان يحمل قلبه بإحكام ويركض به بين شذرات الألم"، لكن هذا لم يمنعها من إهدائها كذلك إلى عائلتها الصغيرة؛ وإلى أستاذها الذي علمها الشعر، ما يؤكد تداخل العوالم عند الشاعرة، وامتزاج العام عندها بالخاص.

وجاءت المقطوعة الافتتاحية بعنوان "رسالة ملغومة"، لكنها بدت استكمالا لفكرة غامضة تُركت مفتوحة على كل الاحتمالات:

رسالةٌ أخرى
من مسافرٍ قديم،
ها قدْ حان الغَد
لأكونَ فاكهةً في جَسد الطّبيعة
أرى كيْفَ يْنقطع السّراب،
إذا ما انبَثقَ حلمٌ من البذرةِ الأولى..
للحقيقَة دمٌ آسن
لا يُخطئ الحدْس
ها نحْن نسيرُ ونلوّح لغِنائية الشّجر،
أصوات الأحْياء من بَعيد
وحظّ المُقبلين على الحبّ البسيط
يشْربونَ أحْلامَهم المَحْمومة..

تلك الرسالة اقترنت بأجواء امتزجت فيها الذات الجوانية بالطبيعة الغاضبة والذكريات التي تفرض ثقلها على الشعرة:

رسالةٌ أخْرى
من مُسافرٍ قديم
يسْردُ نفْسه للرّيح
والأسطوانة تكرّر تجلّيات الفكْرة
سماءٌ تبْكي
سماءٌ تحْكي
سَقَط الصّوت في الأفقِ الخاوي.
راودْتني أحلامٌ كثيرة
عن خيانَة الكمنْجات
صلوات الفُقراء
والحبّ والموْت
عنِ الطّيور الغجرية
إذْ تحْقن الأرْض بفخْذها الهشّ
أحلامٌ كثيرة
تعْبرني
وأنا سيّد السّماء
أمْضغُ الوعود المؤجّلة
"لن تَعودَ الظّلال
لنْ تعود الظّلال".

لتختم استهلالها بجملة مكثفة ذات غنى في تأويلاتها المحتملة:

رسالةٌ أخرى
من مُسافرٍ قديمْ
والحقيقَة تبلّل أبواب الرّيح..

وتبدو لغة أبو عاصي بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تحيل إلى مزيد من التركيب كلما تقدم القارئ إلى الأمام. وجاءت كذلك مليئة بالرمز والإيحاءات التي تخدم الجو العام للمجموعة، وتبقي القارئ معلقا حتى الكلمة الأخيرة منها.

ومن أجواء المجموعة أيضا نصٌّ بعنوان "محاولة في الضوء"، تقول فيه:

صامِدونَ في الضّوءِ
رغْمَ انقِباض الأَصابِع
كَرَنّةِ النّاجي قبْل البُكاء الكَبير
يحْصرُ الدّمعَ في أمْسهِ تَملّلاً
كي لا يَبْكي زوابِعَ الفَرحِ الخائِنة!
هو الضّوء
يَرْتع في دَمي
ويلتَذّ بأفْراحي السّادرَة
يُجاهِد طرْف ويتردّى آخَر
وبيْننا ظلْمة الظلّ
تنْسلِق على حشوٍ بارِد
فِراراً
لكنّني أجدها في كلّ مرة،
وأزرعها أُلفة لصوت غَدي
سيَعْبر الضّوء
وسأكونُ أنا
حجّتي الباقية في المعنى!

ومن الجدير ذكره أن هذا الإصدار هو الأول للشاعرة إيمان أبو عاصي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى